في بيتنا مكارثي

سائد كراجة من على مقعده في الكونغرس الأميركي بدأ جوزيف مكارثي منتصف القرن العشرين حملة ضد الشيوعية في أميركا، بدأها بشعار ديني مفاده “الشيوعية دين يهدف للقضاء على المسيحية” وتحت هذا الشعار الشعبي الملتهب لم يسلم أحد من إرهابه الفكري، فقد نشر الفزع وروج لاتهامات بالجملة، حتى أنه ادعى أن لديه قوائم موظفي الخارجية الذين يعملون جواسيس للسوفييت، كما لم ينجُ منه علماء مثل آينشتاين وفنانين مثل تشارلي شبلن. انتقل مكارثي إلى أوروبا وهناك استخدم نفس أسلوبه في نشر الفزع وكيل الاتهامات وتنظيم حملات رعب وتخوين ضد المثقفين والفنانين، حتى أن أسلوبه ببث الرعب والفزع والاتهامات صار طريقة أو مدرسة للترهيب الفكري تدعى بالمكارثية، حيث تستخدم الوازع الديني بدعوى الدفاع عنه فتنشر الفزع وتغتال الشخصيات وتكيل الاتهامات، وقد أصبح هذا نهجا عند الأميركان ولعل قانون باتريوت آكت الذي أُصدر إبان أحداث 11 سبتمبر والذي يهدف لمنع أي نقد لحرب أميركا المؤيدة من الرب على العراق استمرارا لنهج هذه المدرسة. في موروثنا الثقافي أيضا استخدم الترهيب الفكري ضد مفكرين وفقهاء دين على قضايا بدت في ظاهرها دينية ولكن في باطنها سياسية، ونذكر هنا معبد الجهني وغيلان الدمشقي والحسن البصري والإمام مالك والإمام الشافعي فهؤلاء تعرضوا لحملات تعسف إبان الدولتين الأموية والعباسية ومحنة ابن حنبل معروفة في التاريخ. استخدام شعور الناس الديني أو الأخلاقي لمحاصرتهم وترهيب أي رأي أو تصرف مختلف لهم ممارسة قوامها اعتقاد غير موضوعي ولا حتى ديني؛ ذلك أن الدين في نصه أقر أول ما أقر تنوع الناس واختلافهم واختلاف معتقداتهم، ولهذا فإن ادعاء إمكانية حصر الناس في قالب واحد أو في ذهن واحد أو شكل واحد مرفوض إنسانيا ودينيا وثقافيا وهي مقولات في ظاهرها طهورية وأخلاقية ولكن في حقيقتها هي دعوات إقصائية لا تؤمن بمفهوم الدولة المعاصرة باعتبارها هيكلاً قانونياً يحمي معتقدات الناس وتنوعها، بل تؤمن بدولة متخيلة قوامها ناس بنفس المعتقدات والسلوك والفهم والتصور، وهذا لم يحصل ولا حتى في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم- ولا عهد الخلفاء الراشدين من بعده. من يعطي لشخص حق تعيين نفسه مُطَوِّعًا أخلاقياً أو ثقافياً ليضرب الناس وحياتهم بسوط الترهيب والفزع حتى يُحِلَ نائب لنفسه أن ينادي بسحب جنسية مواطن أردني يختلف معه في الرأي أو الموقف!؟ لقد عاد الذين أسسوا فكرة المُطَوعِين عنها، وانطلقوا في فضاء قبول التنوع الاجتماعي والثقافي والفكري، فهل نحن ننكص للوراء؟! الدفاع عن الرأي والتنوع والحرية الفكرية والثقافية هي مهمة الدولة بأن تكون على الحياد وأن تضمن الحريات الشخصية والثقافية والفكرية، وهذا يتضمن تعبير الجميع عن رأيه ومعتقده فلكل شخص أن يعتز بقيمه وأخلاقه ودينه وثقافته ولا ضرورة أن يكون الناس نمطا واحدا، فإن ذلك مطلب غير إنساني وغير واقعي، فالانفتاح على فضاء التنوع هو تطبيق لنصوص الدستور والقانون الذي ضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية لكل المواطنين، فحق الاختلاف دستوري ولا يجوز أن نقبل مكارثي أو أي مكارثية في بيتنا… جنابك! المقال السابق للكاتب الجبهة الأردنية الشعبيةاضافة اعلان