خيارات بديلة أم سياسات" الأمر الواقع"؟

مع دخول العدوان الإسرائيلي الأميركي الغربي على غزة شهره الثالث، ما يزال الكيان يواصل الإعلان عن أهداف يدعي التمسك بها، ويتحدث عن تطويرها وتعديلها وفقا لما يفكر بعض حاخاماته الذين وصلوا إلى السلطة ودخلوا عالم السياسة تحت عنوان اليمين المتطرف والذين يطربون لقتل الفلسطينيين ولتدمير بيوتهم ومنع كل متطلبات الحياة لهم ووضعهم أمام خيارات محدودة بين الموت قتلا أو جوعا، وبين خيار ثالث ـ غير معلن ـ هو الهجرة لمن تبقى منهم إلى خارج الأرض الفلسطينية وصولا إلى إقامة» إسرائيل الكبرى» وفقا للمفهوم التوراتي المزعوم. 

اضافة اعلان


وفي مسار ضمني آخر، الضغط على المقاومة بمحاولة تحميلها مسؤولية القتل الجماعي للفلسطينيين الذي تمارسه قوات الاحتلال ووضعها أمام بديل يتمثل بتلبية مطالب الكيان المستحيلة لإنقاذ ما تبقى منهم من الموت. 


فمن عناوين تتحدث عن سحق وإنهاء حركة حماس واسترداد الأسرى بالقوة العسكرية إلى ما هو أصعب من ذلك حيث تفتقت الذهنية الصهيونية المستندة إلى أحلام توراتية عن مطالب تتمثل بتسليم المقاومة الحمساوية نفسها وسلاحها وإعادة الرهائن إلى الجانب الإسرائيلي كشرط لوقف الحرب. 


اللافت هنا أن إسرائيل تدرك تمام الإدراك أن مطالبها تعجيزية، فلا هي قادرة على هزيمة المقاومة، ولا المقاومة في وضع يدفعها إلى التفكير بمثل تلك الطروحات، لأنها في موقف يجمع المحللون ومنهم أصدقاء للكيان الصهيوني على اعتباره قويا وأنها ما تزال تسيطر على الوضع وتستطيع إدارة المواجهة بنجاح وتلحق خسائر كبيرة بالجيش الغازي. 


وأن الجيش الذي» لا يقهر» ما يزال عاجزا عن تفكيك ألغاز الأنفاق التي تستخدمها المقاومة في المواجهة. كما عجز عن فك أسر جندي واحد من المخطوفين، حيث فشل فريق متخصص في إنقاذ الأسير الذي قتل وبقيت جثته بيد المقاومة، وفقد بعض أعضاء الفريق الإسرائيلي وجرح البعض الآخر. والأهم من ذلك أن عقيدة المقاومة تضع الشهادة في مرتبة متقدمة على الاستسلام.  


فعلى الرغم من كل المعونات في مجال الذخائر والدعم البشري والمالي الأميركي والغربي ما تزال العديد من التقارير تؤكد أن المقاومة تمتلك الكفة الراجحة في المجال الحربي، بينما الطرف الإسرائيلي يقتصر في حربه على قتل المدنيين حيث شارف عدد الشهداء على عشرين ألفا، أكثر من سبعين بالمائة منهم من الأطفال والنساء، وتدمير المنازل والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ومراكز الايواء والمخابز ومحطات المياه والمحروقات. ويواصل عمليات التهجير للمدنيين من شمالي قطاع غزة باتجاه الجنوب بادعاء أنها مناطق آمنة، مع أنها ليست كذلك، حيث تتعرض للقصف والتدمير الممنهج. ويواصل منع إيصال المواد الغذائية والطبية والمحروقات من الدخول إلى القطاع.


فمع ان الكيان الصهيوني لم يخف اطماعه في تهجير الغزيين إلى الأراضي المصرية المجاورة، وتحديدا إلى صحراء سيناء، إلا أنه بدا مضطرا للسكوت المؤقت مقابل الرفض المصري القاطع مع استمرار آلة الحرب الإسرائيلية بتنفيذ عمليات الطرد التدريجي للسكان من غزة وباقي مدن ومخيمات القطاع باتجاه الجنوب.

 

وهي بذلك تسعى إلى تحقيق هدف بديل يتماشى مع أكبر أهداف اليمين المتطرف، المتمثل بحشر الغالبية العظمى من سكان القطاع في المناطق الجنوبية، وتحديدا في منطقة رفح وحولها، وسط تحليلات وتوقعات بأن ذلك يسهل من عملية وضعهم تحت الأمر الواقع وطردهم إلى سيناء في لحظة ما وبعد أن تستكمل عملية تدمير القطاع وتحويله إلى أرض محروقة. يساعدها في ذلك أن جيشها هو الوحيد الموجود في الساحة، والذي يستطيع فعل كل ما يريد ويواصل عمليات التدمير، بينما تواصل الولايات المتحدة تزويده بأكثر أنواع الذخائر فتكا، وتواصل حمايته في مجلس الأمن الدولي بإحباط القرارات التي تدينه أو تضع حدا للعدوان، وفي صم الآذان عن التأثر بأي مشاريع قرارات أممية محتملة. 


فحتى التصريحات التي يبديها مسؤولون أميركيون بمعارضة أعمال التدمير والقتل والتجويع، تبقى مجرد تصريحات غير مرتبطة بأفعال، بينما الشراكة بين الطرفين وبعض الدول الغربية تبقى هي الفاعلة. 


ولم يتوقف الكيان عند هذا الحد، حيث هددت استخباراته باغتيال كل المنتمين إلى حركة حماس سواء في قطاع غزة أو في الخارج» قطر ولبنان وتركيا». ووسع من نشاطات القتل والتدمير إلى مختلف مناطق الضفة الغربية، وسط توقعات بوجود أهداف أخرى غير معلنة لذلك الغزو الأعمى، وأن أي تقدم على مستوى الأهداف ستتبعه أعمال تهجير وقتل وتدمير ومشاريع توراتية مختلفة تستهدف أمن دول الجوار. 


من هنا، فالعنت الإسرائيلي غير مفهوم إلا من إحدى زاويتين، الأولى المصلحة الذاتية لليمين المتطرف وبخاصة نتنياهو الذي يربط حياته السياسية باستمرار الحرب، ويسعى للبقاء أطول فترة في السلطة، وثانيها السعي لتحويل غزة إلى أرض محروقة، وتدمير كل ما تستطيع لدفع السكان للهجرة، الهدف الذي يراه» الغزّيّون» مكشوفا ومرفوضا. والانتقال بعد ذلك إلى الضفة الغربية لتطبيق التجربة عليها، الأمر الذي يرفضه الأردن ويعتبره حربا مفتوحة تستهدفه وتدفعه إلى استخدام كل الوسائل لمنعه والدفاع عن نفسه.   

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا