قل لي أين وُلِدْتَ أقل لك أين ستصل

لم يكُن التقرير الذي صدر مؤخراً عن المنتدى الاقتصادي العالمي حول تموضع دول العالم المختلفة على سلّم مؤشر الحراك الاجتماعي والذي يُعبر عن امكانية انتقال الأفراد والجماعات من طبقة اجتماعية الى أخرى ضمن البناء الاجتماعي, مفاجئاً لكثير من المختصين والمتابعين ، لكن بعض نتائجه جديرة بالدراسة المتمعنة من قبل الدُول والمؤسسات لما يترتب على اختلال معايير هذا المؤشر من نتائج كارثية . اضافة اعلان
فقد خلص التقرير الى أن مكان ولادة الإنسان هو ما يحدد مستقبله ومآله ، وأن معظم دول العالم ما تزال بعيدة عن تحقيق وعودها بضمان حياة أفضل وأكثر عدالة لمواطنيها مقارنة بما كان عليه آباؤهم ، فهذا المعيار المعترف به عالمياً نظراً لكونه الأكثر دقة في تقييم فرص الأفراد والجماعات في الانتقال من طبقة اجتماعية الى أخرى من خلال تقييم أبعاد اقتصادية واجتماعية رئيسية مثل الرعاية الصحية والتعليم جودةً وعدالةً ، وتكافؤ فرص العمل ، والعدالة في الدخل والحماية الاجتماعية يعتبر الأساس في تقييم مدى نجاح الدول في ضمان فرص متساوية في العيش والإنجاز وتحقيق الذات بين الأفراد بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية .
كما لم يكن مفاجئاً أن تستحوذ الدول الاسكندنافية على حصة الأسد في هذا الترتيب من خلال استئثارها حصريا بالمراكز الأولى، لكن المفاجئ أن الاقتصاديات الكبرى قد فشلت في إيجاد موطئ قدم لها في مقدمة الركب فالولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وجدت نفسها في مراكز متأخرة عن دول صغيرة مثل لوكسيمبورغ ومالطا وجمهوية التشيك ولم تكن الاقتصاديات الناشئة مثل البرازيل والهند افضل حالا.
أما الدُول العربية فكانت وفيةً لعادتها في مثل هذه التصنيفات فقد وَجَدت نفسها في مُؤخرة الركب ، فالشقيقة الكبرى بالكاد حجزت لنفسها المركز 71 وسبقتها بقليل العربية السعودية وتونس اما بقية الدول العربية فقد كفاها المصنفون مؤونة البحث فلم تدخل التصينف ابتداءً.
يختم التقرير بخلاصة يحذر فيه الدول من عواقب غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية والذي سيفضي حتماً الى تكوين مجتمعات مُنفصلة يسودُها الشعور بغياب العدالة وانعدام الثقة بالدولة ومؤسساتها وضمور الشعور الوطني والانتماء, وهذا ما اكدته دراسة سابقة عمدت الى مقارنة بعض المؤشرات الاجتماعية والصحية بين البلدان المختلفة حَسبْ اتساع الهُوَّة بين درجات السلَّم الاجتماعي المختلفة، فوجدت أن مؤشرات رئيسية كمتوسط العمر والأُمية ونسبة السجناء الى عدد السكان، وحمل المراهقات والبدانة والأمراض العقلية والإدمان ومعدل الجريمة أكبر بكثير في بلدان مثل الولايات المتحدة والبرتغال وسنغافورة؛ حيث الهوة بين أغنى وأفقر 20 % من الشعب تصل الى حوالي تسعة أضعاف مقارنة باليابان والدول الإسكندنافية؛ حيث لا يتجاوز هذا الفرق الثلاثة أضعاف، كما أن مستوى الثقة بالآخرين في دولة كالبرتغال لا يتجاوز الـ 10 % مقارنة بـ 60 % من الدول الاسكندنافية، فإذا ما كان هذا هو الحال في هذه البُلدان المُتَطورة والغنية، فلنا أن نتخيله في بلدان العالم الثالث المنكوب في مناحي حياته كافة.
الدول مدعوة اليوم اكثر من أي وقت مضى الى مراجعة شاملة لممارساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أجل ضمان تحقيق العدالة بين المواطنين خاصة في الأمور الأساسية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، وإلا فإن هناك الكثير من الجمر المتقد تحت هذا الرماد الخادع.