معرض الكتاب: دعونا ننظر بإيجابية وأمل

موفق ملكاوي قرأت تعليقات كثيرة تستهجن نقل معرض الكتاب من طريق المطار إلى المجمع التجاري «مكه مول»، وكيف يمكن السماح للكتاب بمجاورة النشاط التجاري! مثل هذا النوع من التفكير، ينطلق من مفاهيم مغلوطة تضع القراءة وما يتصل بها من أدوات في برج عاجي، وتحيله في نهاية المطاف إلى فعل نخبوي خاص بطبقة معينة، لكن إن أردنا التفكير بالأمر بشكل أكثر عمقا، فنرى أنه يدخل في باب المصلحة العامة، ومحاولة ترميم التشوهات الكثيرة التي نشأت خلال عقود طويلة من الإهمال تجاه التمكين الثقافي والفكري غابت خلالها الأسس الجذرية لأهمية القراءة لأجل الحياة والتطور المجتمعي. معارض الكتب لا يتم تنظيمها لأجل شخص يريد البحث عن كتاب معين واقتنائه، بل هي فعل كرنفالي لإشاعة ثقافة القراءة ورفع الوعي المجتمعي، وتقريب الكتاب من الحياة اليومية، لكي لا يظل النظر للقراءة على أنها فعل نخبوي ارستقراطي، بل تحويله لفعل يومي أساسي في حياة الفرد والعائلة، وقد كان المكان السابق للمعرض يحد من الأمر بسبب كلف الوصول إليه، والذي لم يكن متاحا أمام الجميع. الاستهجان الذي ظهر بسبب نقل معرض للكتاب إلى مول تجاري، يحيلنا إلى استعراض نماذج من العالم الذي يسعى لتحسين نسب القراءة لديه. في تموز الماضي حظيت بفرصة لقاء شخصيتين من قارتين مختلفتين تعملان على تشجيع القراءة في بلديهما؛ الأولى السنغافورية كاثرين لو، وهي عضو مجلس إدارة المكتبة الوطنية التي تمتلك 24 فرعا منتشرة في جميع أنحاء البلاد. هذه الفروع تحاول أن تغطي مساحة سنغافورة بالكامل، وأماكن النشاط البشري، لذلك جاء عدد منها داخل المولات، مجاورا للنشاط التجاري على اختلافه، وهو ما جعل أرقام الانتساب للمكتبة والإعارة والقراءة في ارتفاع مستمر. الشخصية الثانية، هي الكولومبية ديانا كارولينا ري، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «فانديلوكتورا» المعنية بتشجيع القراءة في دولة ذات دخل متدن ونسبة أمية عالية، ومعدلات قراءة شبيهة بالمجتمع الأردني. المؤسسة تأخذ على عاتقها ترويج الكتاب وإيصاله إلى البيئات الأقل حظا، وبجميع السبل المتاحة لها، حتى من خلال الدواب والدراجات الهوائية، وأيضا مع وجبات الطعام والألعاب وغيرها. ما أعنيه هنا، أن الكتاب لا يعيبه أن يعرض إلى جانب أي شيء آخر، ما دمنا نحاول أن نحقق هدفا اجتماعيا ساميا. المعترضون على نقل المعرض عليهم الاطلاع على نسب القراءة لدينا، وهي أرقام متواضعة ومخجلة في بلد نقول إنه واحد من الدول المتقدمة عالميا في مجال التعليم، ما يكشف التعارض القائم بين التحصيل الأكاديمي والتحصيل الثقافي. توفير الكتاب قريبا من الناس أمر أساسي ينبغي أن تتصدى لتحقيقه جميع المؤسسات والمنظمات والجهات ذات الصلة، بما فيها النخبة التي ينبغي أن تتخلى عن سلبيتها، وأن تتصالح مع المجتمع، لا أن تظل مطلة عليه من برج عاجي فاصلة نفسها عنه. في هذا السياق، لا بد لنا من أن نكشف عن استراتيجيتين طموحتين، تغطيان كامل مساحة الأردن، وسوف يتم الإعلان عنهما قريبا، الأولى لمؤسسة مجتمع مدني تعنى بتشجيع القراءة، أما الثاني فهو استراتيجية وطنية رسمية، سيعلن عنها الخميس المقبل بالتزامن مع اليوم الدولي لمحو الأمية، وهي تتصدى لعلاج ضعف «القرائية» لدى الطلبة في الصفوف الأولى، ومن ضمن خطط هذه الاستراتيجية، تشجيع القراءة من خارج المنهاج، وتعميم وجود المكتبات العامة في جميع المدن والألوية والمناطق ذات التجمعات البشرية الكبيرة. في الأردن، لدينا تحديات أساسية في تجذير وجود الكتاب في الحياة اليومية، منها ما يتصل بالبنية التحتية، مثل قلة عدد المكتبات مقارنة بالسكان وغياب التكنولوجيا عن العمل المكتبي، ومنها ما يختص بالكوادر المدربة والمؤهلة للتعامل مع الجمهور، ومنها، أيضا، ما يتصل بالثقافة المجتمعية التي لا ترى أي تأثير إيجابي للقراءة الحرة، بل تهتم كثيرا للتحصيل الأكاديمي، أو بالأحرى للمعدل المدرسي، ناهيك عن التحدي المالي الذي يمنع من رصد ميزانيات مرضية للقطاع. تقريب الكتاب من الناس ونقله من طريق المطار إلى قلب عمان، لا يمثل كل الجهد المأمول في الترويج للقراءة، ولكنه خطوة بسيطة في المجهود الوطني لتحسين نسب القراءة لدينا، ولا بأس في أن نأمل بخطوات أخرى من جميع الجهات، ويبقى أن يعمل اتحاد الناشرين على تحسين عدد من الإجراءات التنظيمية، لكي تكون عملية النقل في مسارها الصحيح. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان