حراحشة يصدر "دراسة نقوش صفائية جديدة- من البادية الأردنية الشمالية"

غلاف الكتاب- (من المصدر)
غلاف الكتاب- (من المصدر)

 صدر عن مطبعة السفير، بدعم من وزارة الثقافة، كتاب بعنوان "دراسة نقوش صفائية جديدة- من البادية الأردنية الشمالية الشرقية (الحرة)"، لمدير مديرية آثار جرش الدكتور رافع محيميد حراحشة. 

اضافة اعلان


يشتمل الكتاب على نقوش وادي أم خنيصر، نقوش فروع وادي سلمى "رجم آدم"، نقوش وادي الأبيض الغربي، نقوش وادي بخيتة، نقوش تل المسما، نقوش خباري أبو البسيس، نقوش مرب الشرفات، نقوش مرب الصون، نوش وادي الأبيض الشرقي، ونقوش روضة عيدة، وإلى جانب المصارد والمراجع، هناك ملحق أعلام الأشخاص، وملحق المفردات، وملحق أسماء المواضع والأمكنة، والقبائل والأقوام والآلهة.
وجاء الكتاب في خمسة فصول، تخصص الفصل الأول لدراسة رسوم ما قبل التاريخ، وجاء في تمهيد ومبحثين، عرف بالمنطقة التي جمعت منها الرسوم، وهي وادي راجل، ومدينة جاوا الأثرية، ومحيطها الحضاري، فيما يتحدث الفصل الثاني عن تنوع طرق صيد الأسود ووصفها في عشرين رسما توضح أن الصيد يكون من خلال الفارس وهو يرمي الأسد برمح طويل، أو يكون مواجها للأسد ويطعنه، إما في فمه أو في نحره ليصيبه في مقتل، وأحياناً يكون مع الفارس أشخاص راجلون، يهاجمون الأسود من الخلف بالرماح القصيرة أو السيوف أو الأقواس، كما أن هناك مواجهة مباشرة بين الأسد وشخص أو أشخاص راجلين عدة، يحيطون بالأسد ويحملون أسلحة كالرماح القصيرة والتروس أو السيوف أو الأقواس، كما ظهر صيد الأسد من على ظهور الإبل.


ويشير الفصل الثالث إلى مشاهد الصيد والطرد والقنص في الرسوم الصخرية، والنقوش المرافقة لها، مبينا المسوحات الأثرية في بادية بلاد الشام، والجزيرة العربية، عن عدد كبير من الرسوم الصخرية تعود لمختلف الفترات التاريخية، يعبر بعضها عن نشاط ممارسة الصيد بأشكاله المختلفة، وتوضح هذه الرسوم أن الصيد كان نشاطاً يومياً يمارسه الإنسان، معبراً بذلك عن جوانب من حياته الاجتماعية والاقتصادية.


ويقدم الفصل الرابع مشاهد الفروسية والغزو والقتال، وصور الفنان وبطولاته وإنجازاته وفروسيته، فبيئته الصحراوية، وثروته المتحركة، جعلته في حالة يقظة واستعداد دائم للغزو، أو رد الغزو، وهو ما عزز عنده قيم الشجاعة والجرأة التي عكستها رسومه الصخرية، حيث اهتم الفنان برسوم الخيل، وزينها بالسرج ذي الأهداب، وأغطية الظهر والعجز، والرسن المزخرف، والقلائد في عنقها.


ويتضمن الفصل الخامس رسوم الموسيقا والرقص، حيث تمدنا الفنون الصخرية المؤرخة بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي، بمشاهد عن أحد مظاهر الحياة الاجتماعية في المجتمع العربي القديم، فيما اشتمل كل فصل من فصول الكتاب على ملحق بالأشكال والرسومات والنقوش التي جرى دراستها بالإصدار وتم فهرستها حسب ورودها في الشكل.


في مقدمته، يقول المؤلف إنه جمع نقوش هذه الدراسة من عشرة مواقع من الحرة الأردنية الشمالية الشرقية، جميعها يقع شمال طريق بغداد باستثناء موقع وادي بخيتة، الذي يقع جنوب مدينة الرويشد، وغرب قاع "أبو الحصين"، وهذه النقوش هي جزء من نقوش تم جمعها، خلال أعمال ميدانية تمت في الفترة 2004-2012.


وتعد هذه النقوش الصفائية، كما يشير حراحشة، سجلا للحياة اليومية الاجتماعية والدينية والاقتصادية للقبائل العربية القديمة التي استقرت في الحرة الأردنية السورية، وشمال شرق الجزيرة العربية، وجزء من بادية العراق في الفترة الواقعة بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي، حسب ما ورد من تواريخ في نقوشهم، ومن المؤكد أن وجود هذه القبائل كان سابقا للكتابات واستمر إلى ما بعد ذلك، يمكن القول إن الصفة العامة للنقوش الصفائية، أنها نقوش تذكارية، تبدأ بانتساب الشخص لأسرته من خلال سلسلة نسب، تعد أساسية في النص الصفائي، ويبدو أن هذا راجع لأهمية النسب في الحياة الاجتماعية عند هذه القبائل والمجتمع البدوي بشكل عام.


ويرى المؤلف أن بعض النقوش اقتصرت على سلسلة نسب فقط، قصيرة أو طويلة، وما يتبع سلسلة النسب ذكر انتمائه القبلي، ثم يذكر حدثا أو موضوعا من حياته اليومية، كالرعي أو الترحال والنجعة، أو ورود مكان ماء أو استسقاء أو تجاه من عدو، وأحيانا يذكر صراعات فيما بين القبائل أو مع أعداء من خارج القبائل كالأنباط والروم، كما يعبر عن مشاعره كالاشتياق والحب والوله أو الحزن أو ملكيته لشيء ما، من باب الإخبار عما يملكه أو ما جرى معه أو ما يشغله من مواضيع في حياته اليومية.


وقد جاءت هذه المواضيع على شكل تغريدات وأخبار قصيرة ومتنوعة، فإذا ما أتمها، توجهه بالصلاة والتوسل من الآلهة، وذلك بطلب الحماية له ولنقشه الذي خطه، والسلامة من الأعداء أو الشفاء من الأمراض، ويقابل ذلك أيضا الطلب والتوسل من الآلهة إيقاع الأذى والشرور والأمراض بكل من يشكل خطرا عليه أو يعبث بالنقش الذي كتبه، وهو يسعى بذلك إلى تخليد ذكراه، بعيدا عن عبث كل عدو أو مخرب كاره له.


ويتحدث حراحشة عن المضامين والمواضيع التي وردت في نقوش الدراسة، منها أدعية وصلوات، يقول "كما جاء في النقوش مفردات لطلب المساعدة والسلام وطلب الغنيمة، وطلب النجاة والخلاص، وهي الأكثر شيوعا بين الصيغ الطلبية الدعائية في نقوش هذه الدراسة، فهذه القضايا، هي ما يقلق الفرد والقبيلة عند حضورهم المناجع أو رحيلهم والأمراض والشر والانتقام وقلة الرزق والقحط على من يشكل خطرا على وجد القبيلة وحياة الشخص نفسه أو يشكل خطرا على النقش الذي كتبه أو الرسم".


أما النقوش التذكارية، فيقول المؤلف إن المضامين التذكارية أخذت حيزا كبيرا من النقوش، وجاءت على شكل رسائل قصيرة وتغريدات، تبرز النشاطات اليومية للأفراد، وما يشغلهم من هموم الحياة، وما مارسوه عند الكتابة، وقدم كاتب النقش ذلك بأسلوب خيري موجز، وأحيانا يذكر النقش خبرا واحدا، كالرعي أو الظعن أو خبر قتل عزيز عليه، وأحيانا أخرى يذكر في النقش نفسه أكثر من خبر.


وعند الإخبار عن أحداث حياته اليومية، يبث الكثير من مشاعر الألم والحزن أو الخوف وعدم الأمان أو مشاعر الاشتياق والفر والوله، وفي الكثير من النقوش، يتبع ذلك بالتوسل والصلاة إلى الآلهة أن تمنحه السلامة والغنيمة، وتحميه من الأعداء والأمراض.


وعن نقوش الماء والاستسقاء، يقول حراحشة "هناك نقوش لها علاقة بالماء وأماكنه وزمنه، حيث يشكل  الماء الهاجس الرئيس في حياة سكان البادية، فهم في حركة دائمة لتتبع مساقط الغيث، فحيث ما يوجد الماء يوجد  الكلاء وتوجد الإقامة والاستقرار، ويعتمد هذا على شكلين من أشكال وفرة الماء، الأول: ماء المطر، ودوروه في نمو النبات، المصدر الرئيس لغذاء الحيوان، والثاني: آبار المياه والبرك، وهي مهمة في تحديد مكان الإقامة للقبيلة، واستدامة السقيا، فدائما تكون الإقامة قرب موارد الماء، وتأخذ كل قبيلة ماء خاصا بها، تدافع عنه وتحميه، وقد ورد في النقش الصفائية مفردات تدل على أماكن الماء وزمن هطوله، كما كان لهم أدعية وصلوات استسقاء إذا ما تأخر نزول المطر عن مواعيده فيتوسلون إلى الآلة أن تغيثهم، وترسل لهم المطر، ويسعون إلى إرضائها بأدعيتهم أو بتقديم القرابين "الذبائح" لها، وورد في النقش أنهم كانوا ينتظرون نزول المطر في مواسمه، وهم على معرفة تامة بأنوئه وأبراجه حسب تجاربهم".