الغور.. أطفال يغادرون طفولتهم ليتحدوا الفقر بأجور عمل متدنية

الغور.. أطفال يتخطون طفولتهم ويتحدون الفقر بأجور عمل متدنية
الغور.. أطفال يتخطون طفولتهم ويتحدون الفقر بأجور عمل متدنية

الأغوار - يبدأ الطفل عبدالله- اسم مستعار-عمله في مزارع النخيل بوادي الأردن الساعة الخامسة صباحا ويستمر لغاية العاشرة، مستغلا ما تبقى من العطلة الصيفية لتوفير فاتورة متطلبات مدرسته، حاله حال مئات الأطفال والشباب الذين يدفعهم الفقر والعوز للعمل بأجور زهيدة تحت ظروف عمل صعبة.

اضافة اعلان

 

وفيما تقاسي معظم الأسر في الأغوار أوضاعا اقتصادية متردية وصعبة، يضطر العديد من الأطفال إلى القفز فوق طفولتهم بهدف الحصول على مبلغ مالي يساعد أسرهم أو على الأقل تأمين مصروفهم الشخصي قبيل بدء العام الدراسي.


وتشير معلومات غير رسمية أن نسب الفقر في مناطق الأغوار هي الأعلى على مستوى المملكة وذلك قياسا لعدد العاملين بالقطاع الزراعي الذي يشهد انتكاسات متتالية منذ سنوات. 


ويؤكد رئيس اتحاد المزارعين بوادي الأردن عدنان الخدام، أن نسب الفقر والبطالة وصلت إلى أرقام "مفزعة" وتجاوزت 60 %، مرجعا ذلك الى التراجع الكبير في حجم فرص العمل الذي كان يوفرها قطاع الزراعة بالمنطقة التي تفتقر الى أي مشاريع تنموية مساندة. 

 

يقول الطفل عبدالله 15 عاما، "أحاول أن أملأ وقتي بشيء مفيد، كنت أقضي معظم وقتي في الشارع أو جالسا في البيت دون فائدة"، مضيفا "قررت الذهاب إلى العمل مع أقراني للحصول على بعض المال لمساعدة أسرتي بشراء المتطلبات الرئيسة كالخبز والمواد التموينية الضرورية وأدخر جزءا منه لشراء الدفاتر والأقلام ومستلزمات المدرسة الأخرى".


ويحصل عبدالله على أجر يتراوح بين 5 – 10 دنانير في اليوم لقاء عمله 6 ساعات متواصلة في تكييس قطوف البلح وهو عمل لا يحتاج إلى خبرة أو مهارة بقدر ما يحتاج إلى جهد.


ويرى الطفل عدي 13 عاما أن طفولة أبناء الأغوار منقوصة، إذ أن الأوضاع المادية الصعبة تحرمهم من أبسط الأشياء التي يحبونها، فيما تتبخر أحلامهم مع ارتفاع درجات الحرارة والأوضاع المعيشية القاسية، لافتا إلى أن غالبية مناطق الاغوار يخيّم عليها الفقر، وهمّ الأسرة الأكبر هو توفير لقمة العيش، فلا مجال لحصول الأطفال على جزء من حقوقهم.


عدي الذي بدا حديثه أكبر من طفولته، ويعكس إدراكا مرده تجارب الحياة الصعبة، يضيف "لا يمانع الأهل من عمل أبنائهم، الفترة الحالية يتوقف فيها زراعة الخضار ويصبح العديد من الآباء بلا عمل"، موضحا أن"الفقر والحاجة يتطلبان من جميع أفراد الأسرة العمل لتوفير لقمة العيش".


ويؤكد محمد علي 16 عاما، أن ارتفاع أجور العمالة الزراعية ونقص أعدادها أفسح المجال أمامهم للحصول على فرص عمل مؤقتة تؤمن لهم مصروفهم اليومي حتى وإن كانت الأجور أقل من تلك التي تعطى لعمال الزراعة، مشيرا إلى أن الأجر مرتبط بحجم العمل الذي نقوم به، فالبعض يعمل بجد ليحصل على أجر جيد، وآخرون يجنون أجورا أقل قد لا تصل الى 5 دنانير باليوم.


ويرى أن انخراط الشباب في هذه الأعمال سيكسبهم المزيد من الخبرات والمهارات التي قد تفتح أمامهم طرقا للحصول على فرص عمل أفضل في المستقبل، لافتا إلى أن العمل خلال العطلة الصيفية يبقى أفضل من الجلوس في البيت أو التسكع في الشوارع والتعرض لمخاطر جمّة في ظل غياب أماكن ملائمة يمكن الاستفادة منها كالمكتبات وبيوت الشباب والأندية والملاعب وأماكن الترفيه.


ويبين رئيس جمعية شباب الوادي فايز كبها أن عمالة الأطفال مؤشر واضح على اتساع رقعة الفقر والبطالة وحجم المعاناة التي تعيشها الأسر في وادي الأردن، مؤكدا أن غالبية الأطفال العاملين هم من أسر محدودة الدخل ترزح تحت خط الفقر. 


ويضيف أن عمل الأطفال هو سلاح ذو حدين، إذ أنه يوفر لهم دخلا خلال العطلة الصيفية ويؤهلهم لاكتساب الخبرات والمهارات اللازمة للعمل مستقبلا، إلا أنه عمل موسمي لا يؤمن لهم أي حقوق سواء التأمين الصحي أو الضمان الاجتماعي، ناهيك عن المخاطر التي يتعرضون لها أثناء العمل. 


ويشدد على ضرورة إيجاد بيئة مناسبة وآمنة لتمكين الأطفال والشباب من تنمية قدراتهم الذهنية والعقلية وتوفير المتطلبات اللازمة لذلك بالتزامن مع معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت الى زيادة معدلات عمل الأطفال رغم الجهــود المبذولـة للحـد مـن ظاهـرة عمالـة الأطفـال.


ويوضح المزارع عواد البليلات أن تشغيل الشباب الأردنيين يأتي ضمن أولويات المزارع الأردني، مبينا أنه ورغم أن إنتاجية الشباب قليلي الخبرة أقل من إنتاجية العامل الماهر إلا أن أجورهم متساوية تقريبا. 


ويؤكد أن الأعمال التي يقوم بها الشباب وخاصة صغار السن هي أعمال بسيطة فنية لا تحتاج إلى جهد بدني وإنما تحتاج إلى مهارة فنية، مشيرا إلى أن تشغيل هؤلاء الشباب في هذه الأعمال سيمكنهم من اكتساب الخبرات والمهارات اللازمة لضمان الحصول على فرص عمل في المستقبل، خصوصا وأن العمالة المحلية أثبتت نجاحا منقطع النظير في قطاع النخيل على وجه الخصوص، وأدى ذلك إلى الاستغناء عن العمالة الوافدة خلال السنوات الأخيرة في كثير من العمليات التي تتطلب مهارات فنية في مزارع النخيل كالتفريد والتلقيح والتكييس والفرز والتعبئة.


ويبين المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في ورقة موقف أصدرها العام الحالي بمناسبة يوم الطفل العالمي، نشرت على موقعه الإلكتروني أن أكثــر مــن 75 ألــف طفــل فــي الأردن منخرطــون فــي مجــال عمالــة الأطفــال، منهــم 45 ألفـا يعملـون فـي مهـن خطـرة، ويتوقــع أن يكــون هــذا العــدد قــد زاد بشــكل ملمــوس نتيجــة معــدلات الفقــر التــي ارتفعــت مــن 15.7 % إلـى 24.0 %، خـلال السـنوات العشـر الماضيـة.


وجاء في الورقة التي أعدها المركز "علــى الرغــم مــن أن قانــون العمــل الأردنــي يحظــر تشــغيل مـن هـم تحـت سـن الــ16 عاما بأي صورة مـن الصور، ويحظر أيضـا تشـغيل أطفـال بيـن سـن 16 – 18 عامـا فـي الأعمـال الخطــرة، إلا أن الإحصائيات الرسمية تؤكد دخـول المزيـد مـن الأطفـال إلـى سـوق العمـل"، عازيا وصــول أعــداد عمالــة الأطفــال فــي الأردن إلى تلك المســتويات إلــى عــدة أســباب ابرزها تفاقــم التفــاوت الاجتماعـي وعـدم المسـاواة، إضافـة إلـى تراجـع مؤشـرات العدالــة الاجتماعيــة الناجمة عــن تنفيــذ سياســات اقتصاديــة لــم تأخــذ بالاعتبــار النتائــج والآثــار الاجتماعيــة لهــذه السياســات التــي ركــزت خــلال العقـود الماضيـة علـى تحريـر الاقتصـاد الوطنـي، والإمعـان فــي تنفيــذ سياســات ماليــة وضريبيــة غيــر عادلــة، من خلال التوســع فــي فــرض الضرائــب غيــر المباشــرة التــي أرهقــت القــوة الشــرائية للعديــد مــن الأســر، إلــى جانــب تدنــي مســتويات الأجــور وبقائهــا علــى حالهــا مقابــل الارتفاعــات التـي تطـرأ بيـن فتـرة وأخـرى علـى أسـعار السـلع والخدمـات الأساســية ما أدى ذلــك علــى أرض الواقــع إلــى تراجــع مســتويات المعيشــة لقطاعــات واســعة مــن الأســر الأردنيــة، بــرزت مؤشــراتها بشــكل واضــح فــي ازديــاد رقعــة الفقــراء.

 

اقرأ أيضا:
الأغوار الجنوبية: أسر معوزة تتحدى الفقر بمشاريعها الصغيرة