10 آلاف بركة زراعية تحصد 13 حياة العام الحالي

فخ الموت غرقا يتربص بسكان الشريط الغوري

إحدى البرك الزراعية في منطقة وادي الأردن-(الغد)
إحدى البرك الزراعية في منطقة وادي الأردن-(الغد)

وادي الأردن- ما تزال البرك الزراعية المنتشرة على طول الشريط الغوري والذي يقدر عددها بـ 10 آلاف بركة زراعية، تحصد النسبة الأعلى من حوادث الغرق المميتة على مستوى المملكة، فمن بين 37 حالة وفاة نتيجة الغرق وقعت العام الحالي حتى تموز (يوليو) الماضي، 13 منها تسببت بها هذه البرك وأغلبها لأطفال. 

اضافة اعلان


وبحسب إحصائية لمديرية الدفاع المدني، فان وفيات الغرق في البرك الزراعية غير الآمنة كانت الأكثر مقارنة بحالات الوفاة في المسطحات المائية الأخرى.


ووفق الإحصائيات التي حصلت عليها "الغد"، فإن أكثر المحافظات التي وقعت فيها حوادث غرق منذ بداية العام وحتى الـ 22 من شهر تموز (يوليو) الماضي، هي محافظة البلقاء والتي تضم مساحات واسعة من أراضي الغور الزراعية، وبعدد حوادث بلغ 25 حادثا، في حين سجلت محافظتا الطفيلة وجرش أقل عدد بحوادث الغرق والتي لم تتجاوز 5 حوادث. 


وتساوت عمان وإربد بعدد الحوادث بواقع 10 حوادث في كل محافظة.
وبالمجمل بلغ عدد الحوادث منذ بداية العام 87 حادثا نتج عنها 37 وفاة و 65 إصابة. 


وفيما يحمل مواطنون مسؤولية تكرار عدد حالات الغرق في البرك الزراعية المكشوفة إلى عدم وجود أنظمة وتعليمات تلزم المزارعين بتشييك البرك وتوفير سبل السلامة العامة، يرى مزارعون أصحاب وحدات زراعية، أن البرك الزراعية وجدت لري المحاصيل وليست للسباحة، لافتين إلى أن الجهود والإجراءات التي يبذلها المزارع لمنع وصول الشباب والأطفال كبيرة، إلا أنها غالبا ما تتعرض للاختراق.


ويبين المزارع رائد العبادي أن البرك الزراعية تنتشر بشكل كبير بمناطق الأغوار، إذ يوجد في كل مزرعة تقريبا بركة لتجميع المياه لري المزروعات، لافتا إلى أن البرك الزراعية ضرورة ملحة لأي مزرعة خاصة في ظل تناقص كميات المياه المسالة للوحدات الزراعية خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يدفع المزارعين إلى الاحتفاظ بالمياه في البرك لضخها على فترات.


ويضيف أن عدد حوادث الغرق تزداد في فصلي الربيع والصيف مع ازدياد أعداد الزوار والمتنزهين إلى المنطقة، وارتفاع درجات الحرارة الذي يشكل حافزا لدى مواطنين لممارسة السباحة في شتى الأماكن حتى وإن كانت غير آمنة أو مراقبة.


ويوضح الناشط فايز الرقيدي، أن ضعف الوعي لدى المواطن وخاصة الأطفال بخطورة السباحة في البرك يعد من أهم أسباب وقوع حوادث الغرق، لا سيما وأنها عادة ما تكون مليئة بالطمي ومغطاة بالبلاستيك ما يصعب من عملية الخروج منها أو حتى من عمليات الإنقاذ.


ويقول، "رغم التحذيرات والجهود التي تبذلها الجهات المعنية للحد من ظاهرة الغرق في البرك الزراعية والمسطحات المائية إلا أن مسلسل حوادث الغرق ما يزال مستمرا"، موضحا أن الانتشار الواسع للبرك الزراعية والتي يقدر عددها بالآلاف يزيد من مخاطر الغرق سيما وأن معظمها غير محمي.


ويبين عواد الشطي من سكان الأغوار، أن منطقة الأغوار منطقة زراعية  تكثر فيها البرك الزراعية والمسطحات المائية التي تجذب الشباب والأطفال إلى اللعب والسباحة فيها، خاصة خلال العطلة الصيفية مع ارتفاع درجات الحرارة، موضحًا أن غالبية هذه البرك لا يوجد عليها أسيجة وتفتقر إلى رقابة سواء من سلطة وادي الأردن أو من المزارعين أنفسهم.


ويضيف أن عدم وجود بدائل كالمسابح العامة والأماكن الترفيهية أحد الأسباب التي تدفع الشباب والأطفال إلى التوجه لمثل هذه الأماكن رغم خطورتها، مشددا على أهمية تفعيل دور الأهالي في الرقابة على أبنائهم ومنعهم من ارتياد هذه الأماكن وتوعيتهم من مخاطر السباحة فيها كونهم الأكثر تعرضا للخسارة جراء حوادث الغرق.


بطبيعة الحال، لا ينفك الأهالي عن تلقين أبنائهم وخاصة الصغار دروسا حول خطورة السباحة في المسطحات المائية وخاصة البرك الزراعية، غير أن هذا التلقين قد ينتهي بمجرد وقوف الطفل أمام البرك الزراعية والنظر إلى مياهها التي تنسيه ما تم تلقينه بالمنزل.


ويرى الأهالي أن مسؤولية الحفاظ على أطفالنا من الغرق مشتركة، وهو ما يدفعهم إلى المطالبة بضرورة إيجاد تشريعات واعتماد أسس لبناء البرك الزراعية تلزم المزارعين باتباع شروط السلامة العامة عند انشائها وتلزم الجهات المعنية بمتابعة الوحدات الزراعية التي يوجد بها برك مائية دون حماية عليها والتي تشكل خطرا على حياة السكان وخاصة الأطفال غير الواعين.


يقول أحد الذين فقدوا طفلا لهم بحادث غرق، وفضل عدم ذكر اسمه، لا يمكن أن نجهل خطورة البرك الزراعية على أطفالنا، فهي خطر يتربص بهم، دائما ما نحذرهم من الاقتراب منها، ولكن يبقى الطفل شخصا غير مدرك في كثير من الأحيان لحجم الخطر. 


ويتابع والحسرة تملأ قلبه، كان بالإمكان تسييج البرك، وقتها فقط لن يستطيع الأطفال النزول في مياهها. 


ودعا إلى ضرورة أن تكون هناك مراقبة على هذه البرك حتى وإن كانت ملكيات خاصة، كون حالات الغرق ليست مجرد أرقام بسيطة، بل هي ظاهرة تودي بحياة عشرات الأطفال سنويا.


ويقول والد الطفل ياسين الذي قضى غرقا بإحدى البرك الزراعية، حادثة وفاة ياسين ما تزال حسرة في قلبي، مبينا "ابني ذهب إلى إحدى البرك الزراعية القريبة من المنزل وسقط فيها بالخطأ بعد أن انزلق على البلاستيك الذي يغطي البركة ولكونه طفلا صغيرا لا يجيد السباحة انتهى به الأمر إلى الغرق.


ويوضح أن غالبية البرك غير مشيكة ولا يوجد عليها وسائل حماية، ناهيك عن أن معظمها مغطى بالبلاستيك والذي يضاعف من خطورة السقوط فيها، مطالبا الجهات المعنية بضرورة وضع حلول مناسبة للحد من حالات الغرق في البرك الزراعية وضرورة إلزام أصحابها بتوفير وسائل الحماية اللازمة لمنع الاقتراب منها.   
ويبين رئيس شعبة العمليات في مديرية الدفاع المدني المقدم أحمد الزيادات أن ارتفاع عدد حالات الغرق في البرك الزراعية يعود إلى طبيعة تصميمها وانتشار أعدادها بشكل كبير، فضلا عن عدم توفر أدنى شروط السلامة العامة فيها، موضحا أن خطورة البرك الزراعية تكمن في صعوبة الخروج منها في حال السقوط فيها كون معظمها مغطاة بالبلاستيك الأملس، فضلا عن وجود الكثير من الرسوبيات الطينية التي تزيد من صعوبة الحركة داخلها.


ويضيف أن البرك الزراعية الأكثر بحصيلة الوفيات مقارنة بالمسطحات المائية الأخرى سواء من قاصديها بهدف السباحة أو للاستخدامات المائية الأخرى، إذ بلغ عدد الوفيات في البرك الزراعية حتى نهاية شهر تموز (يوليو) الماضي 13 حالة وفاة و7 إصابات فيما بلغت العام الماضي 5 وفيات و 4 إصابات، لافتا إلى أن سهولة الوصل إلى هذه البرك وقربها من التجمعات السكانية وخصوصا تجمعات العمالة الوافدة يزيد من مخاطرها، سيما وأن غالبيتها يفتقد لوسائل الحماية كالأسياج ووسائل المساعدة على النجاة كوضع العوامات والحبال التي تساعد أي شخص يسقط في هذه البرك على البقاء على قيد الحياة والخروج منها.


ويشدد الزيادات على دور الأهل في الحد من حدوث مثل هذه الحوادث من خلال مراقبة أبنائهم ومنعهم من ارتياد هذه الأماكن، ودورهم الرئيس في توعية أبنائهم من مخاطر السباحة فيها، مضيفا أن مديرية الدفاع المدني تبذل جهودا جبارة للحد من حالات الغرق بتوفير 45 مركز إنقاذ قادر على الاستجابة لحوادث الغرق تضم حوالي 450 غطاسا، وهي مزودة بكافة المعدات اللازمة.


ويقول "تقوم المديرية خلال فصل الصيف في الفترة من نيسان (ابريل) وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) بتنفيذ خطة استجابة فورية بإرسال فرق متخصصة بحواث الغرق إلى 22 موقعا، كالبحر الميت والمياه الساخنة والسدود وتجمعات البرك وغيرها من المواقع المائية التي يرتادها المواطنون بكثرة لضمان سرعة الاستجابة لأي حادث غرق"، مشيرا إلى أن غالبية البلاغات التي تتلقاها المديرية تأتي بوقت متأخر وعادة ما تكون انتشال جثث لأن حوادث الغرق تتطلب استجابة سريعة للانقاذ.


ويؤكد الزيادات أن المديرية تقوم بواجبها التوعوي بشكل مستمر من خلال توزيع البروشورات وتنظيم حملات توعوية لطلبة المدارس، ناهيك عن حملات التوعية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، منوها إلى أن العمل على الحد من حوادث الغرق يتطلب جهدا مشتركا من جميع المؤسسات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني والأهالي، من خلال زيادة الوعي بمخاطر السباحة في المسطحات المائية غير الآمنة والعمل على وضع أسيجة على البرك الزراعية وتزويدها بلوحات تحذيرية للتوعية من مخاطر السباحة فيها.


من جانبها، تؤكد أمين عام سلطة وادي الأردن المهندسة منار محاسنة أن السلطة تبذل جهودا كبيرة للحد من حالات الغرق سواء في البرك الزراعية أو السدود أو قناة الملك عبدالله من خلال وضع لوحات إرشادية وتحذيرية، وإحاطة هذه المسطحات بأسيجة لمنع الوصول إليها، إضافة إلى تنظيم حراسة عليها على مدار الساعة، لافتة إلى أن جهود السلطة تقتصر على قناة الملك عبدالله والسدود، إلا أن البرك الزراعية تبقى الوحيدة خارج سيطرتها كونها تقع ضمن ملكيات خاصة ولا تملك صلاحيات لإجبار المزارعين توفير سبل الحماية والسلامة على البركة الزراعية كوضع الأسلاك الشائكة.


وتضيف، أن السلطة تدفع باتجاه زيادة الوعي بمخاطر السباحة في هذه الأماكن من خلال العديد من المبادرات وحملات التوعية والتي كان آخرها حملة "حتى السّبيح بيغرق" للتوعية بمخاطر السباحة في قناة الملك عبدالله والسدود والبرك الزراعية والتأكيد على شراكة جميع الجهات والمؤسسات وكافة أطياف المجتمع المحلي للحد من ظاهرة السباحة والعبث في المصادر المائية، موضحة أن الحد من تكرار حالات الغرق يتطلب تكاتف جهود جميع الجهات لإيجاد حلول لهذه الظاهرة.
وتبين المحاسنة أنه يوجد في وادي الأردن حوالي 10 آلاف وحدة زراعية غالبيتها يوجد فيها برك مائية أنشئت لغايات تزويد الأراضي الزراعية بمياه الري وري المزروعات وهي غير مخصصة للسباحة، إلا أن انتشارها في المزارع وقرب بعضها من المناطق السكنية يجعل الأهالي أكثر عرضة لحوادث الغرق.


ويؤكد مدير زراعة وادي الأردن المهندس ياسين العدوان أن دور وزارة الزراعة ارشادي وتوعوي، إذ يقوم المعنيون في الإرشاد الزراعي بشكل دوري بتثقيف المزارعين وحثهم على مراعاة شروط السلامة العامة عند إنشاء برك زراعية ووضع الشواخص التحذيرية اللازمة لذلك، داعيا أصحاب البرك الزراعية إلى ضرورة مراعاة هذه الشروط خاصة تسييجها، لمنع وصول الأطفال إليها.


بدوره يؤكد مدير مستشفى الشونة الجنوبية الدكتور عوض الخزاعلة، خطورة السباحة في مياه السدود والقنوات والبرك الزراعية، كون مياهها غير صالحة وملوثة، وقد تتسبب بكثير من الأمراض، مشيرًا إلى أن حوادث الغرق في البرك الزراعية والسدود أصبحت ظاهرة تتكرر سنويا في مناطق الأغوار، لكثرة المسطحات المائية غير المحمية والتي لا تتوفر فيها وسائل السلامة العامة.
ويوضح أن غالبية حالات الوفاة تحدث لأطفال وأشخاص لا يجيدون السباحة، داعيا إلى أخذ الحيطة والحذر من هذه المسطحات، وتجنب الاقتراب منها وضرورة توفير سبل الحماية منها. 

 

اقرأ أيضا: 

 

غرق الأطفال بـ"الشاليهات" الخاصة.. مساءلة غائبة