الحظ يحالف ترامب من جديد

دودنالد ترامب
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب

قضى الرئيس السابق على أي منافسة حقيقية ضده ولا شيء يستطيع حالياً إيقافه سوى صناديق الاقتراع.
*   *   *
يصب خروج ميتش ماكدونيل من الكونغرس وتأخر صدور حكم المحكمة العليا بقوة في مصلحة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وهناك عبارة أعتقد أن كل والد يستخدمها حين يحاول إقناع ابنه بالتراجع عن بهجة مبالغ فيها أو بتجاوز إحباط يبدو كارثياً: ليست الأشياء بالجودة التي تبدو عليها أو بالسوء الظاهر.

اضافة اعلان


لكن دونالد ترامب شهد يوم الأربعاء، الأول من آذار (مارس) يومًا مشرقًا في واشنطن. كانت الفرحة رائعة وصرفة، وتجلت في صورتين على بعد جغرافي لا يتجاوز 200 متر من بعضهما بعضا.


تتعلق الفرحة الأولى بالمحكمة العليا. فقد قرر قضاتها التسعة بعد كثير من التداول أنهم سيحكمون في ما إذا كان دونالد ترامب يتمتع بالحصانة من المقاضاة بشأن محاولة التمرد في السادس من كانون الثاني (يناير) 2021 وما إذا كان له دور فيها. هل تآمر بغرض الاحتيال على الولايات المتحدة من خلال عرقلة العملية الانتخابية، كما يتهمه المدعي الخاص جاك سميث، وهل محاكمته بهذه التهمة ممكنة؟


يبدو من الطبيعي والمناسب تماماً أن تحكم المحكمة العليا في هذا الأمر. ولكن، بعد التعمق في المعطيات، ليست الأشياء كما تبدو.


أولاً، تباطأ القضاة في الاتفاق على تولي القضية. وثانياً، قالوا إنهم لن ينظروا في القضية حتى نيسان (أبريل)، مما يعني أن أقرب وقت لصدور حكم سيوافق منتصف حزيران (يونيو)، وهو ما يعني بدوره أن أقرب موعد لبدء المحاكمة يتزامن مع أواخر أيلول (سبتمبر). وفي ضوء تعقيد الاتهامات، والمدة الطويلة التي يستغرقها تشكيل هيئة محلفين وتقديم الدفوع السابقة لبدء المحاكمة، لن يصدر حكم قبل نهاية العام. بل قد تستغرق العملية برمتها وقتاً أطول، حتى لو سار كل شيء بانتظام.


بعبارة أخرى، قامت المحكمة، المؤلفة من ستة قضاة محافظين من أصل تسعة، عين ترامب نفسه ثلاثة منهم، بإبطاء العملية إلى درجة أن أي محاكمة (إذا دعت الحاجة إلى إجرائها) لن تصل إلى نتيجة قبل موعد الانتخابات الرئاسية.


وهذه بالضبط هي الاستراتيجية التي يتبعها فريق ترامب القانوني: التسويف والعرقلة والجدل وشراء الوقت وإثارة أي فكرة زائفة لإبطاء العملية.


إنني لا أشير قطعاً إلى أن القضاة المحافظين الستة في المحكمة العليا الأميركية تحلقوا حول روزنامة ليقرروا السبيل الأمثل لمساعدة ترامب على أفضل وجه من دون الإضرار بسمعتهم. لكنهم لو رغبوا في هذه النتيجة، لوضعوا ذلك الجدول الزمني نفسه. ومن نافل القول إن البعض، الأكثر تشكيكاً في نوايا الآخرين مني بكثير، يروجون لهذه النظرية.


وثمة أمر آخر: لم يكن على القضاة تولي القضية قط، لأن حكم محكمة الاستئناف القاضي بعدم حصانة ترامب مؤكد وحاسم إلى درجة أن المحكمة العليا كانت تستطيع الاكتفاء برفض النظر في القضية وقول إن المحكمة الأدنى درجة بتت بها.


بالترافق مع صدور هذا القرار، فقط في الجهة المقابلة من الشارع الأول في الجنوب الغربي لواشنطن العاصمة، في قاعة مجلس الشيوخ، كان الزعيم الجمهوري القديم المؤمن بالمكيافيللية، ميتش ماكدونيل، يصدر إعلاناً ذا دلالة: كان الرجل البالغ من العمر 82 سنة يعلن تقاعده. ويكن ترامب وماكدونيل لبعضهما بعضاً كراهية شديدة، لأن ماكدونيل لم يفعل دائماً ما كان ترامب يريد منه أن يفعل.


بعد التصويت لصالح "بريكست" مباشرة، في حزيران (يونيو) 2016، كان قد رافق ترامب في إحدى أكثر رحلاته جنوناً. سافر جواً إلى إسكتلندا لتفقد ملاعب الغولف التي يملكها هناك. وقرب الملاعب الواقعة خارج أبردين مباشرة؛ وهي ملاعب تخترق الكثبان، يملك ترامب العقارات كلها -باستثناء بيت رفض مالكه بيعه له. كان الرجل يشبه شخصية في فيلم "البطل المحلي" Local Hero. وكان ترامب يكن له كراهية شديدة. وللإنصاف، كانت الكراهية متبادلة. بل إن هذا العجوز الإسكتلندي رفع العلم المكسيكي يوم جاء ترامب، في استفزاز مسل.


إلى درجة ما، كان ماكدونيل الشخصية المقاوِمة في مجلس الشيوخ الأميركي، على الرغم من أنه مثَّل مقاومة أكثر أهمية وقوة مقارنة بالرجل الإسكتلندي. فقد تمكن ترامب من تعيين قضاته الثلاثة خلال ولايته التي امتدت لأربع سنوات بفضل ذكاء ماكدونيل بوصف الرجل خبيراً في التكتيك السياسي. ويعود إليه أيضاً فشل أوباما في تعيين مرشحه بعد وفاة أنتونين سكاليا.


قد تظنون إذن أن هذا سبب لكي يحبه ترامب. لكن ماكدونيل كثيراً ما كان مستقلاً. وعلى الرغم من أنه أكبر من ترامب ببضع سنوات، فإنه بدا منتمياً إلى جيل سياسي مختلف.


ولد ماكدونيل في شباط (فبراير) 1942، بعد شهرين فقط من كارثة "بيرل هاربر"، وانتخب عضواً في مجلس الشيوخ قبل أربع سنوات من سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي. وكان رجلاً يؤمن بتقليص دور الحكومة في بلاده وتعزيز القوة الأميركية في الخارج، واعتبَر ولع ترامب ببوتين أمراً محيراً.


لكن السادس من كانون الثاني (يناير) كان اليوم الذي أصبحت فيه الهوة بين الرجلين دائمة. فقد انتقد ماكدونيل ترامب بقوة. ولكن، على الرغم من خطابه الناري كله، كانت آخر محاكمة لدونالد ترامب في مجلس الشيوخ بعد اتهامه للمرة الثانية، قد سمحت لماكدونيل بالتخلص من المسؤولية عن الأمر، بقوله إن المجلس لا يستطيع التصويت على إدانة لأن ولاية ترامب انتهت بالفعل، تاركاً للمحاكم أن تتخذ في وقت لاحق ما قرارًا بشأن مصير الرئيس السابق.


من يقول إن التاريخ لا يعيد نفسه؟ ثمة سؤال مثير للاهتمام سيكون محور مناقشة لفترة من الوقت، ويتعلق بما إذا كان ماكدونيل قد عرقل عمل ترامب أو سهله.


ولكن، أياً يكن من سيحل محله، فإنه سيكون شخصاً أكثر تعاطفاً مع ترامب. وهذا يعني أن استيلاء حركة "ماغا" (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى) على البلاد سيكتمل، حيث لدينا رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، في منصبه بفضل رعاية ترامب له. وتغادر رئيسة اللجنة الوطنية الجمهورية منصبها، وقد تكون زوجة أحد أبنائه، لارا ترامب، في طريقها إلى الحلول محلها.


لقد انتهت أي مقاومة في وجهه. وأصبحت مواقع القوى كلها تحت سيطرته. ولن أقول إنه يضمن ولاء المحكمة العليا، ولكن...

*جون سوبيل محرر الشؤون الأميركية الشمالية السابق في "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) ويقدم الآن بودكاست "وكلاء الأخبار" عبر الوسيلة الإعلامية "غلوبال".

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

ترامب قادم والأفضل أن نكون مستعدين