حقيقتان في السودان

الحرب في السودان
الحرب في السودان

ميشيل جافين*‏ - (مجلس العلاقات الخارجية)10/5/2023

 

وسط موجة من الأصوات الدولية التي تحاول التوسط في الأزمة الجارية في السودان، يجب على الولايات المتحدة ألا تسمح بإغراق المجتمع المدني السوداني.

اضافة اعلان

 

ويجب إدراك أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع كانت جزءًا من نظام القمع ورعاية النخب الذي رفضه الشعب السوداني بشجاعة في العامين 2018 و2019.

 

وقد تقاسمتا المسؤولية عن إخراج الحكومة الانتقالية عن مسارها في العام 2021 وأظهرتا مرارًا وتكرارًا أن التزاماتهما على طاولة المفاوضات ليست ذات مصداقية.
*   *   *
مع استمرار القوات المتصارعة في التنافس على السلطة في السودان من خلال ترويع سكانه، يبدو أن آفاق إنهاء الأزمة تزداد بعدا يوما بعد آخر.

 

ولم تحمل "محادثات ما قبل المفاوضات" التي عُقدت في المملكة العربية السعودية أكثر من وعد ضعيف باتخاذ الحد الأدنى من الخطوات نحو تخفيف المعاناة.

 

وتشير معظم المؤشرات إلى استمرار القتال، ويمكن لسيل الأخبار السيئة وفشل وقف إطلاق النار أن يجعل الأمر يبدو كما لو أن الانزلاق إلى أزمة أعمق هو شأن لا مفر منه.

 

لكن هناك حقيقتين مهمتين حول السودان يجب على المحللين وصناع السياسات أن يبقيا عليهما في المقدمة والوسط خلال الأسابيع المقبلة، لتشيرا إلى الطريق قدما.


‏تتعلق الحقيقة الأولى بالمسؤولية عن القتال الحالي. واجه نهج الولايات المتحدة تجاه السودان على مدى السنوات القليلة الماضية انتقادات من مصادر متعددة، ينتقد معظمها فشل واشنطن في اعتبار الجنرالات مسؤولين عن انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021 واستمرارها السخيف في الانخراط والتواصل معهم.

 

ويشير منتقدون آخرون إلى الطريقة التي ربطت بها الولايات المتحدة سياساتها في السودان بشكل وثيق بسياسات بعض الدول العربية الغنية التي ليس لديها اهتمام بدعم الحركة المؤيدة للديمقراطية في البلاد.

 

ويمكن للمرء أن يتفق مع هذه الحجج ويأمل بشدة في أن تتعلم واشنطن من هذه الأخطاء من دون إغفال حقيقة أن أزمة السودان اليوم ترجع إلى قرارات قيادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

 

إن اللوم عن الموت والدمار الذي يتكشف في السودان يقع عليها وليس على الدبلوماسيين الذين حاولوا إقناع هذه القيادات بالانتقال إلى الحكم المدني، ولكن من دون جدوى.

 

لا يمكن السماح للتقييم الصادق لإخفاقات السياسة الدبلوماسية بتعكير المياه عندما يتعلق الأمر بتحديد المسؤولية.


‏من المهم بشكل حاسم، بعد طول انتظار، أن يعيد صانعو السياسات حساباتهم لمن هم الخصوم في الصراع السوداني حقا وماهية المؤسسات التي يقودونها والوظيفة التي تضطلع بها هذه المؤسسات.

 

كانت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع جزءا من نظام القمع ورعاية النخبة الذي رفضه الشعب السوداني بشجاعة في العامين 2018 و2019.

 

وقد تقاسمتا المسؤولية عن إخراج الحكومة الانتقالية عن مسارها في العام 2021، وأظهرتا مرارا وتكرارا أن التزاماتهما على طاولة المفاوضات ليست ذات مصداقية.

 

المقاومة الرقمية في السودان

 

ومع كل تقرير جديد عن ‏‏استهداف‏‏ البنية التحتية الحيوية والاعتداء على المدنيين بينما ينهب الرجال الذين يحملون البنادق ‏‏منازل الناس ويستولون‏‏ عليها، يمكن للعالم أن يرى إلى أي مدى هما على استعداد للذهاب من أجل التشبث بالسلطة.


‏تتعلق الحقيقة الثانية بالعامل الذي يميز السودان عن الدول الأخرى التي سقطت في حالة من عدم الاستقرار على أيدي أمراء الحرب المتعطشين للسلطة.

 

إن الحركة المؤيدة للديمقراطية في السودان هي أعجوبة. كانت حازمة في المطالبة بحكم مدني خاضع للمساءلة؛ متبصرة في تحذيراتها من عملية انتقالية تبقي الجهات الفاعلة المسلحة في مقعد القيادة؛ رؤيوية في تطوير الأفكار عن لامركزية السلطة في البلاد؛ وعملية في إيجاد طرق ملموسة لمساعدة بعضنا بعضا وسط أزمة مربكة ومدمرة.

 

كانت هذه الحركة أحد الأصول المقومة بأقل من قيمتها في السودان، وفي حين أن الوقت أصبح متأخرا بطريقة مريعة للتركيز على رفع أصوات ناشطيها، فإن القيام بذلك ‏‏ضروري‏‏ أيضا لتجنب أسوأ السيناريوهات.


‏بكل الوسائل، يجب على الولايات المتحدة مواصلة العمل العاجل الرامي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار، ومنع الجهات الفاعلة الخارجية من تأجيج الصراع، وتقديم المساعدات الإنسانية للسودانيين المحتاجين.

 

وهذه مهام صعبة، يزيدها صعوبة تعدد الوسطاء المحتملين والمنتديات التي يمكن أن تبقي المجتمع الدولي منشغلاً وتصرف انتباهه في أسوأ الحالات عن رؤية الحقائق على أرض الواقع في المستقبل المنظور.

 

لكن هذه الأجندة القائمة على إدارة الأزمة لا ينبغي أن تزاحم العمل على بناء استراتيجية أوسع إطارا، تهدف إلى تقليص المساحة المتاحة للجهات المسلحة التي فقدت مصداقيتها، ورفع أصوات المجتمع المدني السوداني في المحادثات الدولية حول الطريق الأفضل إلى الأمام.‏

‏*ميشيل د. جافين‏‏ (مواليد 1973): زميلة رفيعة للدراسات الأفريقية في ‏‏مجلس العلاقات الخارجية‏‏.

 

كانت العضو المنتدب ‏‏لمركز إفريقيا،‏‏ ومن العام 2011 إلى العام 2014، كانت ‏‏سفيرة الولايات‏‏ المتحدة في بوتسوانا.

 

عملت في الوقت نفسه كممثل للولايات المتحدة لدى ‏‏الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي‏‏ (SADC).

 

كما عملت أيضا كمساعد خاص للرئيس ‏‏باراك أوباما‏‏ وكمدير أول لشؤون أفريقيا في ‏‏مجلس الأمن القومي‏‏.‏

 

خلال فترة عملها، "أطلقت الولايات المتحدة وبوتسوانا الدراسة الأكثر طموحًا للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية في العالم، واستضافت بوتسوانا مناورات عسكرية مشتركة مع القوات الأميركية في الاتفاق الجنوبي، وساعدت السفارة الأميركية على تأسيس أول غرفة تجارة بوتسوانية أميركية".‏

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

 

Sudan’s Two Truths

 

اقرأ المزيد في ترجمات