هل تشعل التوترات الراهنة فتيل حرب عالمية ثالثة؟

حريق في سفينة شحن أصيبت بصاروخ في مياه الخليج العربي - (أرشيفية)
حريق في سفينة شحن أصيبت بصاروخ في مياه الخليج العربي - (أرشيفية)

توترات الشرق الأوسط تتصاعد مع الضربات الصاروخية المتبادلة بين إيران وباكستان، ومخاوف من أن تؤدي المناوشات المحلية الصغيرة إلى نزاع عالمي جديد.
*   *   *
بعد الهجمات الصاروخية على مواقع الحوثيين في اليمن، هل حان الوقت للشرق الأوسط للاستعداد للأسوأ؟ (وزارة الدفاع البريطانية)

اضافة اعلان


في يوم يضاف، كما يبدو، إلى أيام شبيهة أخرى لا تُعد ولا تحصى، استيقظت أوروبا على أنباء عن غارات جوية ليلية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وأضرار في واحدة من الكثير من المناطق المضطربة إلى الشرق من القارة العجوز.


كانت هذه الهجمات هي التي شنتها باكستان مؤخرًا على منطقة حدودية في إيران، واعتبر ذلك رداً انتقامياً على الهجمات التي كانت قد شنتها إيران قبل ذلك بيومين على منطقة حدودية باكستانية. وكانت الخسائر التي تم الإبلاغ عنها في كلا الهجومين بأرقام تقع في خانة العشرات، وبذلك كانت -وفقًا لأي معايير عسكرية، إن لم تكن بشرية ببساطة- صغيرة نسبياً.


ومع ذلك، من الصعب التخلص من الانطباع بأن ثمة مسرحاً للنزاع العسكري يتسع بلا هوادة -في الشرق والجنوب، ولو أنه لم يصل إلى الشمال والغرب بعد. وإذا نظرنا إلى الوراء بدلاً من النظر إلى الأمام، فإنه يمكن اعتبار الهجوم الذي نفذته "حماس" ضد الإسرائيليين في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، والرد العسكري الإسرائيلي الشامل عليه، تحولاً جذرياً لذلك الجزء الصغير من الأرض المتمثل في قطاع غزة إلى مركز للنزاع الذي يمكن أن يتسع ليشمل مناطق أبعد بمئات الأميال.


قد يكون من المفيد ملاحظة أن قرع نواقيس الخطر على المستوى الدولي يبدو حتى الآن غير متناسب مع الأخطار الحقيقية. وكانت قد أعقبت هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) تحذيرات رهيبة من أن ذلك قد تكون الشرارة التي تشعل حريقاً إقليمياً، وأن المسألة هي مسألة وقت فقط قبل أن تتورط إيران بشكل مباشر -ربما من خلال وكيلها، "حزب الله"، في جنوب لبنان- وأننا سرعان ما قد نقف على عتبة الحرب العالمية المقبلة.


أشارت أصوات في الولايات المتحدة، بما في ذلك مستشار دونالد ترمب السابق للأمن القومي، جون بولتون، إلى أن ما يجري قد يكون فرصة للولايات المتحدة للتدخل مباشرة وتحييد التهديد الإيراني المتصور بصورة نهائية.


غير أن سيناريو كهذا افترض مسبقاً أن إيران ستتورط، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما لم تفعله -ما فاجأ الكثير من الناس. وقد صرح علناً مرشدها الأعلى نفسه بأنها لا تنوي الدخول في المعركة، في حين طوى الصقور في الولايات المتحدة أجنحتهم، ربما مدركين لأخطار الانخراط في مغامرة خارجية جديدة في بداية عام سوف يختتم بانتخابات رئاسية أميركية.


بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، تطور الصراع الذي بدأ في غزة وحولها في اتجاهات مختلفة تماماً عن تلك التي تم توقعها في البداية -ويجري بشكل عام التقليل من شأن الأخطار التي لم تعد تعتبر شرارات يمكن أن تشعل حرباً أوسع نطاقاً.


امتدت الأعمال العدائية مسبقًا إلى جنوب لبنان، حتى لو أنها لم تقتصر على هجمات أكثر كثافة شنها "حزب الله" على شمال إسرائيل، وإنما تطورت إلى صيغة اغتيالات سياسية -لنائب رئيس "حماس" وقائد بارز في "حزب الله". وقد اعترفت إسرائيل بالمسؤولية عن الاغتيال الثاني، ولكن ليس الأول، وظل رد كل من "حزب الله" وإيران في المجال الخطابي على الأغلب.


ثم جاء تدخل ما بدا أنه الجناح الأيسر؛ أطلق الحوثيون، الذين يسيطرون على جزء كبير من اليمن منذ 10 سنوات تقريباً، صواريخ ومسيرات على سفن تعبر البحر الأحمر، وهو من "نقاط الضغط" العالمية الشائكة في مجال التجارة البحرية. وقال الحوثيون، الذين يتلقون السلاح من إيران إلى حد كبير، إنهم يتضامنون بهجماتهم مع الفلسطينيين ولا يستهدفون سوى السفن التي لها صلة بإسرائيل أو حلفائها.


في هذه المرحلة، مع اختيار السفن التجارية المتجهة إلى أوروبا عموماً اتخاذ الطريق الأطول بكثير بمحاذاة جنوب أفريقيا، نصبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نفسيهما وصيَّتين على الأمن البحري الإقليمي وشنتا هجمات صاروخية على مواقع الحوثيين في اليمن.

 

ومع ذلك، أصرتا طوال الوقت على أن عملهما لا صلة له على الإطلاق بالنزاع في غزة، وإنما يتعلق كله بحرية الملاحة والانتقام (لهجوم شنه الحوثيون على سفينة حربية بريطانية).

 

كما رفضتا صراحة اتهامات الحوثيين لهما بأن هجماتهما تشكل دعماً فعلياً لإسرائيل، ولم تذكرا في أغلب الأحيان أن الشرط المعلن للحوثيين لوقف هجماتهم هو إقرار اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.


وحتى عندما كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتصديان للحوثيين، كانت إيران تحول انتباهها إلى أعداء أقرب إلى الوطن. على مدى الأسبوعين اللذين سبقا كتابة هذه السطور، شنت هجمات جوية على الأراضي المجاورة من الجهات كلها -في سورية والعراق، وأخيراً في باكستان- ما أثار احتجاجات وردود فعل من البلدان المعنية.

 

ومع ذلك، جرى إلى حد كبير التقليل من وزن ما يجري وطابعه الأوسع نطاقاً -ليس فقط من قبل إيران، بل كذلك من قبل أولئك الذين حذروا في تشرين الأول (أكتوبر) بصوت عالٍ من نوايا إيران العدائية.


في الأيام الأخيرة، قُدمت هجمات إيران على جيرانها على أنها أعراض لصعوبات محلية صغيرة -صعوبات مع إرهابيي "داعش"، ومع جماعات متمردة إيرانية متمركزة في الجهات المقابلة من الحدود، ومع عصابات تتاجر بالمخدرات، وما شابه. باختصار، تسعى إيران إلى تحقيق مصالحها الوطنية على نطاق صغير، في غياب تداعيات أوسع تستحق القلق.


وكان ذلك صحيحًا حتى الصدام الأخير مع باكستان، حيث ما تزال الأعمال العدائية تقتصر على المنطقة الحدودية، لكن من المحتمل أن تضع هذه الأعمال دولة مسلحة نووياً في مواجهة دولة أخرى ذات طموحات نووية.

 

ولهذا أيضاً أثر يتمثل في توسيع منطقة الصراع إلى ما وراء ما يمكن اعتباره عموماً الشرق الأوسط، إلى الشرق الأوسط الكبير وجنوب آسيا، مع خطر الامتداد إلى أفغانستان، حيث تتطابق المصالح الغربية والصينية والروسية.


يبدو لي أن الاحتمال ما يزال قائماً لاحتمال أن تظل النزاعات والعداوات والمنافسات المنفصلة القائمة الآن محصورة في مجالاتها المنفصلة، وأن الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية في غزة ستشعل نيران حرائق إقليمية، لكنها لن تشعل حريقاً شاملاً من شأنه أن يشمل مباشرة أي من القوى الكبرى.

 

ومن الممكن تفسير ما يفعله الحوثيون وإيران على أنه استغلال لمناخ عام من عدم الاستقرار لتحقيق أهداف خاصة بهم: الحوثيون لتعزيز موقفهم في اليمن؛ وإيران لتعزيز سلطة النظام في مواجهة الأعداء المحليين المتمركزين في الخارج، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان أي منهما يلجأ إلى القوة العسكرية، كما يحدث، من دون الشعور بأن القواعد الدولية التي ظلت قائمة لسنوات عديدة باتت الآن معلقة فعلياً -بدءاً بهجمات "حماس" واحتجازها رهائن في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، ومروراً بالنطاق المدمر للرد الإسرائيلي.


حتى الآن، يبدو أن إيران تقاوم ما قد يعد فرصة للظهور كقوة مهيمنة في المنطقة من خلال الجمع بين الجبهات المتباينة كلها، وقد تكون أضعف من أن تفعل ذلك. فهي لم تتدخل علناً ضد إسرائيل من جنوب لبنان، وأبقت أفعال الحوثيين معزولة ومقيدة، ويبدو أنها لا تريد تعريض فرصة السلام مع المملكة العربية السعودية بشأن اليمن للخطر.

 

وتقتصر هجماتها الصاروخية على المناطق الحدودية المباشرة والنزاعات القائمة، وأمنها الداخلي أبعد ما يكون عن الكمال -والشاهد على ذلك هو الهجوم الأخير في كرمان، الذي تبناه "داعش"، في ذكرى مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، والاضطرابات التي ما تزال تستعر حول القواعد المفروضة على حجاب النساء. لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن ما ينتشر انطلاقاً من غزة هو شعور متزايد بالاستسهال وتراجع ضبط النفس واستعداد الأطراف كلها للجوء إلى السلاح.

 

عندما ننظر في الأشهر الماضية، سوف نرى مجموعة من المصالح الصغيرة التي تعمل لتحقيقها على هامش التنافس الدائم وغير القابل للحل على الأرض القائم بين إسرائيل والفلسطينيين -مجموعة من المصالح والإجراءات التي تظل معزولة وتتلاشى من غير أثر-أم هي سلسلة من التحركات المتصاعدة حتماً التي ستظهر لاحقاً في كتب التاريخ المدرسية كأسباب للحرب العالمية المقبلة؟


كما هو واقع الحال في كثير من الأحيان، ربما يكون من الحكمة أن نأمل في الأفضل -ولكن مع الاستعداد للأسوأ.

*ماري ديجيفسكي: كاتبة في صحيفة "الإندبندنت" متخصصة في الشؤون الخارجية، عملت مراسلة في موسكو وباريس وواشنطن. وكتبت حول انهيار الشيوعية والاتحاد السوفييتي السابق من داخل موسكو، كما غطت حرب العراق، وهي مهتمة بالعلاقات الدبلوماسية بين الكرملين والغرب.

 

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

  الشرق الأوسط يستعد للفوضى مع تصاعد التوتر بين إيران والغرب