لماذا قد تتغير سياسة تركيا تجاه سورية؟

1708167589756886000
قوات عسكرية تركية أثناء توغل في شمال سورية - (أرشيفية)

فرانشيسكو سيكاردي* - (كارنيغي الشرق الأوسط) 2024/2/7

مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، تستشعر حكومة أردوغان وضعًا خطرًا يفرض عليها تدخلًا عسكريًا جديدًا في سورية.
*   *
ثمة تطورات عديدة تحدث في شمال سورية وشمال العراق والمنطقة الأوسع، قد تدفع القيادة التركية إلى إعادة النظر في سياستها بشأن سورية.

اضافة اعلان


أصبح من المألوف تقريبًا أن تعمَد الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، عشية الانتخابات، إلى تصعيد خطابها بشأن التهديدات الأمنية القادمة من الحدود التركية السورية.

 

وسيتوجّه الأتراك إلى صناديق الاقتراع يوم 31 آذار (مارس) المقبل لاختيار ممثّليهم في المجالس المحلية.


لطالما شكّل شمال سورية النقطة التي تلتقي فيها الطموحات الإقليمية التركية مع الواقع على الأرض. فبعد تنفيذ أربع عمليات توغّل عسكري في الأراضي السورية بين العامَين 2016 و2020، سيطرت تركيا على مساحات واسعة من الأراضي لتحييد التهديد القادم من "حزب العمّال الكردستاني"، وهو مجموعة مسلّحة من المتمرّدين الأكراد المنتشرين جنوب الحدود التركية، في سورية والعراق على حد سواء.


وعلى الرغم من كلّ العمليات العسكرية التي نفّذتها أنقرة، ما تزال المنطقة خطرة جدًّا على القوات التركية. فخلال الشهر الفائت، لقيَ 21 جنديًا تركيًا حتفهم على إثر هجمات متكررة نفّذها مقاتلو "حزب العمّال الكردستاني" في شمال العراق، حيث أنشأت تركيا عدة قواعد عسكرية من أجل مواصلة قتالها ضدّ المجموعة الكردية من داخل الأراضي العراقية.


وردًّا على هذه الهجمات، نفّذت تركيا غارات جوية ضدّ المسلحين الأكراد في شمال العراق، واستهدفت أيضًا مواقع في شمال سورية تابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية"، التي تهيمن عليها "وحدات حماية الشعب"، وهي مليشيا كردية سورية يَعتبرها الأتراك امتدادًا لـ"حزب العمّال الكردستاني".


وليس هذا ليس بالشيء الجديد. ما تزال تركيا تقصف شمال سورية منذ سنوات، لكنها استهدفت في الماضي مواقع عسكرية ضمن نطاق 10 كـيلومترات من الحدود التركية السورية. لكن هذه الإستراتيجية آخذة في التبدّل الآن، إذ أصبح القصف يصل إلى مواقع أعمق بكثير داخل الأراضي السورية ليطال أهدافًا في الحسكة وحلب والرقة.

 

ولم تعد الهجمات التركية موجّهة الآن ضدّ أهداف عسكرية فحسب، بل أصبحت تستهدف البنية التحتية المدنية، مثل مصافي النفط ومحطات الطاقة التي يُعتقد أنها تدرّ الإيرادات لـ"حزب العمّال الكردستاني".

 

والهدف الذي تتوخّاه أنقرة هو وقف مصادر تمويل الحزب في سورية، وإظهار أن وجود هذه المجموعة المسلحة يُضرّ بأمن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي تتولى قيادتها "قوات سورية الديمقراطية".


قد يؤدّي مثل هذا التغيير في الإستراتيجية إلى حدوث تصادم بين تركيا والقوى الأخرى التي تضطلع بأدوار في سورية- أي روسيا وإيران والولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن معارضة موسكو وواشنطن حالت حتى الآن دون تنفيذ تركيا توغّلًا بريًّا خامسًا في شمال سورية.

 

لكن هذا الوضع قد يتبدّل قريبًا. وفي تصريح له الشهر الماضي قال أردوغان: "سنتخذ إن شاء الله خطوات جديدة في هذا الاتجاه خلال الأشهر المقبلة، بغضّ النظر عمّا يقوله الآخرون".


ليس غريبًا أن تصدر عن الرئيس التركي تصريحات تنطوي على تحدٍّ. وتكمن المشكلة في الاتّهامات التي وجّهتها أنقرة إلى روسيا والولايات المتحدة بأنهما لم تفيا بوعودهما في سورية.

 

ففي العام 2019، تعهّدت الدولتان بإزالة مقاتلي "وحدات حماية الشعب" من منطقة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود التركية السورية.

 

ولأن هذه الوحدات تواصل نشاطها على الحدود، تشعر تركيا بأن من حقها التدخل في سورية لحماية أمنها. صحيحٌ أن روسيا والولايات المتحدة عارضتا في السابق شنّ عملية عسكرية تركية، إلّا أن التوترات الدولية في المنطقة ومحيطها قد تصبّ الآن في مصلحة أنقرة.


من الواضح أن روسيا تضع إعادة إحياء العلاقات بين الحكومة التركية والنظام السوري ضمن أولوياتها. وبينما تتوالى فصول الحرب في أوكرانيا، تتوطّد العلاقة أكثر بين موسكو وأنقرة،

 

وأصبحت تجمعهما روابط أعمق في مجال الطاقة وقطاعات اقتصادية أخرى، حيث يعتمد الكرملين على تركيا في توفير مستوى من الدعم من أجل تخفيف وطأة العقوبات الدولية. وفي ظلّ هذه الظروف، لم يعد تقديم تنازلات لأنقرة في سورية مستبعدًا.


ثمة عقبة أخرى تعيق تعزيز الوجود التركي في سورية، هي انتشار القوات الإيرانية الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في البلاد. ومع أن الخلافات  بين أنقرة وطهران ما تزال قائمة، أشار رئيسا الدولتَين خلال القمة التركية الإيرانية الأخيرة إلى تقارب تدريجي في مصالحهما الإقليمية، وإلى وحدة موقفهما الداعم للشعب الفلسطيني في غزة.


أخيرًا، قد يشكّل الانسحاب المحتمل للقوات الأميركية من شمال شرق سورية عاملًا آخر يسهم في قلب المعادلة لصالح تركيا. ولن يزيل هذا العقبة المتمثّلة في معارضة واشنطن لعملية تركية أخرى في المنطقة فحسب، بل إنه قد يُضعف أيضًا موقف وحدات حماية الشعب التي ستخسر داعمها الأساسي وتُترَك وحدها لمواجهة التهديد الثلاثي المتمثّل في تنظيم "داعش"، ونظام الأسد، وتركيا. وبينما دعمت مصادر غير رسمية هذه الإشاعة، إلّا أن نائبة وزير الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، نفتها رسميًا خلال زيارتها إلى أنقرة مؤخرًا. بل وأشارت نولاند إلى مصلحة الدولتَين المشتركة في محاربة تنظيم "داعش" في سورية، لافتةً إلى إمكانية العمل معا في المنطقة.


أما على صعيد السياسة الداخلية التركية، فقد تساعد التعبئة ضدّ "حزب العمّال الكردستاني" القيادة التركية على تحقيق مكاسب انتخابية. في السابق، استُخدمت العمليات العسكرية في شمال سورية كوسيلة لحشد الناخبين وتأجيج حسّهم الوطني.

 

وسوف يلقى خطاب مكافحة الإرهاب والحاجة إلى إنشاء مناطق آمنة داخل الأراضي السورية لإعادة ملايين السوريين النازحين في تركيا إلى بلادهم تأييدًا في أوساط مناصري الائتلاف الحاكم.


مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، من الطبيعي أن نتوقّع أن تلجأ الحكومة التركية إلى التركيز على سرديتها المعادية للأكراد. لكن ذلك سيشكّل مثالًا آخر قد نشهد فيه المؤشرات الأولى لتغيُّر في الإستراتيجية.

 

وقد تبدأ القيادة التركية، وفق حساباتها الانتخابية، باستمالة جزءٍ من الناخبين الأكراد.

 

ويبدو أن الأحداث الأخيرة تصبّ في هذا الاتجاه، على غرار التنازلات التي قُدّمت للزعيم السياسي الكردي المُعتقل صلاح الدين دميرتاش، ودعوات قادة أكراد بارزين إلى إعادة إطلاق عملية السلام.


لا شكّ في أن القرار الذي اتّخذه "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي المُعارض بطرح مرشّحه الخاص لمنصب رئيس بلدية اسطنبول يغيّر قواعد اللعبة.

 

وقد يقلص انقسام جبهة المعارضة فرص فوز رئيس البلدية الحالي، أكرم إمام أوغلو، بولاية جديدة.

 

ومن أجل تحسين حظوظ "حزب الشعوب الديمقراطي" الانتخابية، يمكن أن يتبنّى أردوغان سياسة أكثر براغماتية تجاه الأكراد، سواء في تركيا أو خارجها.


يمكن التعبير عمّا شهدناه في شمال سورية خلال السنوات القليلة الماضية بجملة مقتبسة من رواية كلاسيكية إيطالية قديمة لجوزيبّه دي لامبيدوزا بعنوان "الفهد" The Leopard. وتقول العبارة: "حتى يبقى كل شيء على حاله، يجب أن يتغير كل شيء".

 

وما تزال أهداف تركيا طويلة الأمد في سورية على حالها، وتتمثّل في إقامة منطقة عازلة خالية من "حزب العمّال الكردستاني" على طول الحدود التركية السورية، والتوصّل إلى طريقة لإعادة جزءٍ من النازحين السوريين المقيمين في تركيا إلى ديارهم. ولا بدّ من الانتظار لرؤية ما كانت أنقرة ستعمَد إلى تحديث تكتيكاتها وإستراتيجياتها لبلوغ هذه الأهداف.


‏*فرانشيسكو سيكاردي Francesco Siccardi: مدير برامج أول ومحلل أبحاث أول في مؤسسة كارنيغي أوروبا.‏

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

  انعطافة في العلاقات التركية السورية.. ولكن بأي ثمن؟