‏لا مكان آمنا يذهب إليه فلسطينيو غزة‏

1708168622786950800
‏فلسطينيتان تنظران إلى الدمار الهائل الذي أعقب الغارات الجوية الإسرائيلية على حي الرمال، مدينة غزة، 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 - (أرشيفية)

‏‏فيجاي براشاد‏* - (غلوب تروتر) 2024/2/14

يقول نتنياهو إن حكومته ستوفر "ممرًا آمنًا" للفلسطينيين. وقد سمع الفلسطينيون هذه الكلمات نفسها منذ منتصف تشرين الأول (أكتوبر) عندما طُلب منهم مواصلة السير جنوبًا لمنع تعرضهم للقصف الإسرائيلي. ولا أحد يصدق أي شيء يقوله نتنياهو.

*   *   *
في 9 شباط (فبراير) 2024، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ‏إن‏‏ جيشه سيتقدم إلى رفح، آخر مدينة متبقية في غزة لا يحتلها الإسرائيليون.

اضافة اعلان

 

وكان معظم الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، قد فروا إلى حدوده الجنوبية مع مصر بعد أن ‏‏أخبرهم‏‏ الإسرائيليون في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بأن عليهم مغادرة الشمال، وبأن الجنوب سيكون "منطقة آمنة".

 

وعندما بدأ الفلسطينيون مسيرهم من الشمال إلى الجنوب، وخاصة من مدينة غزة – سيرًا على الأقدام في كثير من الأحيان– لاحقتهم هجمات القوات الإسرائيلية التي لم توفر لهم أي ممر آمن. وقال الإسرائيليون إن أي شيء إلى الجنوب من وادي غزة، الذي يقسم القطاع الضيق، سيكون آمناً.

 

ولكن بعد ذلك، عندما انتقل الفلسطينيون إلى دير البلح وخان يونس ورفح، وجدوا الطائرات الإسرائيلية فوقهم والقوات الإسرائيلية تلاحقهم.

 

والآن، قال نتنياهو إن قواته ستدخل رفح لمحاربة "حماس". وفي 11 شباط (فبراير)، ‏‏قال نتنياهو لشبكة‏‏ "إن بي سي" الإخبارية إن إسرائيل ستوفر "ممرًا آمنا للسكان المدنيين" وأنها لن تكون هناك "نكبة".‏


نكبة‏

 


‏ينطوي استخدام كلمة "نكبة" على معنى مهم. و"الكارثة" catastrophe هي الترجمة الإنجليزية المقبولة لكلمة "‏‏نكبة‏‏"، المستخدمة منذ العام 1948 لوصف الترحيل القسري في ذلك العام لنصف السكان الفلسطينيين من منازلهم.

 

ويأتي استخدام نتنياهو لهذا المصطلح بعد أن تحدث مسؤولون كبار في الحكومة الإسرائيلية بالفعل عن "نكبة في غزة" أو "نكبة فلسطينية ثانية"

 

. وقد شكلت هذه العبارات التي استخدمها هؤلاء المسؤولون جزءًا من ‏‏الدعوى التي أقامتها‏‏ جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2023، باعتبارها جزءًا من "تعبير مسؤولي الدولة الإسرائيلية عن نية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني".

 

وبعد شهر، ‏‏قالت‏‏ محكمة العدل الدولية إن هناك أدلة "معقولة" على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، مسلطة الضوء على كلمات المسؤولين الإسرائيليين.

 

وقال أحد المسؤولين، وهو وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: "لقد رفعتُ جميع القيود" (وهو تصريح تم اقتباسه في كل شكوى جنوب أفريقيا وفي الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية).‏


إن قول نتنياهو أنها لن تكون هناك "نكبة" بعد مقتل أكثر من 28.000 فلسطيني وبعد تشريد مليونين من أصل 2.3 مليون فلسطيني في غزة هو أمر محير. فمنذ صدور أمر محكمة العدل الدولية، قتل الجيش الإسرائيلي ما يقرب من 2.000 فلسطيني.

 

وقد شرع الجيش الإسرائيلي بالفعل في مهاجمة رفح، المدينة ذات ‏ال‏كثافة‏‏ السكانية التي تبلغ الآن نحو 22.000 شخص لكل كيلومتر مربع.

 

وردًا على إعلان إسرائيل أنها ستدخل مدينة رفح، قال "المجلس النرويجي للاجئين" – وهو من المجموعات القليلة التي تعمل في الجزء الجنوبي من غزة– ‏‏إن‏‏ مثل هذا الغزو "يمكن أن يسبب الانهيار الكامل للاستجابة الإنسانية".

 

وقام المجلس النرويجي للاجئين بتقييم تسعة من أماكن الإيواء في رفح، والتي تؤوي نحو 27.400 مدني، ووجد أنه ليس لدى السكان مياه للشرب.

 

ولأن أماكن الإيواء تعمل بنسبة 150 في المائة من طاقتها، يعيش المئات من الفلسطينيين في الشوارع. وفي كل منطقة من المناطق التي درسها "المجلس النرويجي للاجئين"، وجد اللاجئين الفلسطينيين واقعين في قبضة أمراض مثل التهاب الكبد الوبائي من النوع (A)، والتهاب المعدة والأمعاء، والإسهال، والجدري، والقمل والإنفلونزا.

 

وبسبب انهيار الاستجابة الإنسانية من "المجلس النرويجي للاجئين"، ومن الأمم المتحدة– التي فقدت وكالتها لإغاثة اللاجئين (الأونروا) تمويلها وتتعرض للهجوم من قبل الإسرائيليين– فإن الوضع سيذهب إلى مزيد من الانهيار.


ممر آمن‏

 


‏يقول نتنياهو إن حكومته ستوفر "ممرًا آمنًا" للفلسطينيين. وقد سمع الفلسطينيون هذه الكلمات نفسها منذ منتصف تشرين الأول (أكتوبر) عندما طُلب منهم مواصلة السير جنوبًا لمنع تعرضهم للقصف الإسرائيلي. ولا أحد يصدق أي شيء يقوله نتنياهو.

 

وقد أخبرني سليم، وهو عامل صحي فلسطيني، أنه لا يستطيع تخيل أي مكان آمن داخل غزة. وكان قد جاء إلى "حي الزهور" في رفح من خان يونس، سيرًا على الأقدام مع عائلته، في جهد يائس للخروج من مرمى المدافع الإسرائيلية.

 

وسألني سليم: "إلى أين نذهب الآن؟ لا يمكننا دخول مصر. الحدود مغلقة. ولذلك، لا يمكننا الذهاب جنوبًا.

 

ولا يمكننا الذهاب إلى إسرائيل لأن هذا مستحيل. هل سنذهب شمالاً ونعود إلى خان يونس ومدينة غزة"؟‏


‏يتذكر سليم أنه عندما وصل إلى "حي الزهور"، استهدف الإسرائيليون منزل الدكتور عمر محمد حرب، مما أسفر عن مقتل 22 فلسطينيًا (من بينهم خمسة أطفال).

 

وتمت تسوية المنزل بالأرض. وبقي اسم الدكتور عمر محمد حرب عالقًا في ذاكرتي لأنني تذكرت أنه قبل عامين كانت ابنته عبير ستتزوج من إسماعيل عبد الحميد الدويك.

 

وأسفرت غارة جوية إسرائيلية على مخيم الشهداء للاجئين عن مقتل إسماعيل. وقُتلت عبير في الغارة على منزل والدها الذي كان ملجأ للفارين من الشمال. وكان سليم قد انتقل إلى هذه المنطقة من رفح. وهو الآن غير مستقر. ويسأل: "إلى أين نذهب"؟


إبادة سكنية‏


‏في 29 كانون الثاني (يناير) 2024، كتب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، الدكتور بالاكريشنان راجاغوبال‏‏، مقالاً‏‏ قويًا في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "الإبادة السكنية: يجب أن يكون الدمار الشامل للمنازل جريمة ضد الإنسانية".

 

وأرفق بمقاله مقالاً مصورًا كتبه يقين بكر، الذي دُمر منزله في جباليا (شمال غزة) بسبب القصف الإسرائيلي. وكتب بكر: "لقد أصبح تدمير المنازل في غزة أمرًا شائعًا، وكذلك الشعور بأن "الشيء المهم هو أنك آمن -كل شيء آخر يمكن استبداله".

 

وقد أصبح هذا الآن تقييمًا مشتركًا في جميع أنحاء غزة بين أولئك الذين ما يزالون على قيد الحياة. ولكن، كما يقول الدكتور راجاغوبال، لا ينبغي اعتبار حجم تدمير المساكن في غزة أمرًا مفروغًا منه. إنه شكل من أشكال "الإبادة السكنية"، وهي جريمة ضد الإنسانية.‏


و‏كتب الدكتور راجاغوبال إن الهجوم الإسرائيلي على غزة هو "أسوأ بكثير مما رأيناه في دريسدن وروتردام خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تم تدمير حوالي 25.000 منزل في كل مدينة".

 

أما في غزة، كما يقول، فقد تم تدمير أكثر من 70.000 وحدة سكنية بالكامل، كما تضررت 290.000 وحدة جزئيًا.

 

ويشير إلى أنه في هذه الأشهر الثلاثة من النيران الإسرائيلية، "تضررت أو دمرت ما بين 60 إلى 70 في المائة من المباني في غزة، وما يصل إلى 84 في المائة من المباني في شمال غزة".

 

وبسبب هذه الإبادة السكنية، لا يوجد مكان للفلسطينيين في رفح يذهبون إليه إذا اتجهوا إلى الشمال. فقد دمرت منازلهم.

 

ويضيف الدكتور راجاغوبال: "إن هذا السحق لغزة كمكان يمحو ماضي وحاضر ومستقبل الكثير من الفلسطينيين". ويشكل هذا البيان الذي أدلى به الدكتور راجاغوبال اعترافًا بالإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة.‏


بينما كنتُ أتحدث مع سليم، كان صوت الانفجارات التي ترافق التقدم الإسرائيلي يُسمع من بعيد. وقال: "لا أعرف متى يمكننا أن نتحدث مرة أخرى بعد الآن. لا أعرف أين سأكون".

*فيجاي براشاد Vijay Prashads: كاتب ومؤرخ هندي أميركي. وهو أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات الأميركية في الجامعة الأميركية ببيروت وأستاذ العلاقات الدولية في كلية ترينيتي، هارتفورد، الولايات المتحدة الأميركية. له عدة مؤلفات في قضايا التحرر الوطني والإجتماعي واليسار في موقع "القارت الثلاث، والعديد من الكتب، منها "ربيع عربي، خريف ليلي" (2012)، وآخرها (بالاشتراك مع نعوم تشومسكي) "الانسحاب: العراق، ليبيا، أفغانستان وهشاشة القوة الأميركية، (نيو برس، آب (أغسطس) 2022),


*نشر هذا المقال في Globetrotter تحت عنوان: There is No Place for the Palestinians of Gaza to Go

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

ما نهاية لعبة إسرائيل في غزة؟