الحرب مستمرة بدون صفقة وبدون هدف

هآرتس
هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل  13/6/2024
بعد أسبوعين تقريبا، تم، أول من أمس، تسلم رد حماس على الاقتراح الإسرائيلي-الأميركي الأخير لعقد صفقة التبادل. لم يكن من المفاجئ أن حماس تواصل المطالبة بوقف مطلق للحرب في قطاع غزة وضمانات خارجية كي تقوم إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها -الأمران اللذان يبدو أن حماس لن تحصل عليهما. الرد الذي جاء من غزة سيصعب أكثر على التوصل الى الصفقة، حيث يجري في هذه الأثناء تسخين آخر في لبنان بعد اغتيال إسرائيل للقائد الكبير في حزب الله. وردا على ذلك، فقد أطلق حزب الله، أول من أمس، صلية ثقيلة على الجليل وبحيرة طبرية.اضافة اعلان
خلال الأيام الأخيرة، نثرت شخصيات أميركية رفيعة، من بينها وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكين ومستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليبان، تصريحات متفائلة حول الاتصالات على عقد الصفقة في غزة. وقد أثنت هذه الشخصيات على مرونة إسرائيل في الاقتراح الأخير الذي عرضه الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 أيار (مايو) الماضي. ولأنه منذ ذلك الحين حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التملص من بعض الصياغات فيه، وألقت على حماس المسؤولية عن تقدم الصفقة.
بعد ذلك جاء الرد وجر خلفه الخلاف المعتاد. إسرائيل سارعت الى الإعلان بأن حماس ردت سلبا على خطاب بايدن. وحماس قالت ردا على ذلك إنها ردت بشكل عام بالإيجاب، وإن المشكلة هي في رد إسرائيل. وحسب حماس هي لم ترفض الاقتراح، بل هي أرادت توضيحات. يبدو أننا عالقون في نوع من الجداول الزمنية التي تكرر نفسها كل بضعة أشهر. بلينكن، الذي واصل الطريق الى قطر يميل الى موقف إسرائيل. فقد قال، أول من أمس "إن حماس بدلا من أن ترد بكلمة واحدة وهي "نعم"، انتظرت الكثير من الوقت وبعد ذلك طلبت تغييرات كثيرة. ويطرح سؤال هل حماس تعمل بحسن نية وبصياغة مهذبة جدا إزاء هذه الظروف؟".
جوهر الخلاف، مثلما في نسخ سابقة من الاقتراحات، يتعلق بالمطالبة الحازمة لرئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، بأن إطلاق سراح المخطوفين على نبضتين سيجلب معه إنهاء الحرب، وفي الواقع بقاء حكمه في القطاع. هذا طلب لا ينوي نتنياهو تحقيقه، لذلك يبدو أن القتال سيستمر، في الوقت الذي تشدد فيه حماس بالتدريج طلباتها، الانسحاب والحصول على ضمانات. مقابل إشارات إسرائيل الكثيرة على أن الاتفاق لن يصمد لفترة طويلة، فإنه من غير الغريب أن حماس غير مستعدة للاكتفاء بصياغات أميركية غامضة بدرجة معينة.
خلفية موقف السنوار يمكن شرحها فيما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أول من أمس. المراسلون في الصحيفة، الذين، حسب قولهم، اطلعوا على عشرات الرسائل بين السنوار وقيادة حماس الخارج (الطريقة التي وصلت فيها اليهم هذه المعلومات لم يتم ذكرها في المقال)، وصفوا رضا رئيس منظمة حماس داخل القطاع من وضع الحرب. "نحن أوصلنا إسرائيل بالضبط الى المكان الذي أردناه"، قال السنوار في رسالة للمفاوضين من قبل حماس. في مراسلات من الأنفاق، فإن السنوار يظهر حسب الصحيفة "نظرة باردة ولا تبالي بحياة البشر"، حتى في الجانب الغزي.
السنوار يشبه موت عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين في الحرب (حسب بيانات حماس) بقتلى حرب الاستقلال في الجزائر ضد فرنسا في الخمسينيات. وقد وصف ذلك بـ"التضحية المطلوبة". وبالنسبة له، فإن بقاءه وبقاء حماس على قيد الحياة بعد انتهاء الحرب سيعد انتصارا على إسرائيل. في ساحة واحدة بالتأكيد، نجاحات حماس تفوق كل أحلام السنوار، الدعم الذي تحصل عليه حماس من حركات اليسار وتنظيمات طلابية في الغرب، في حين أن إسرائيل تهاجم بسبب الدمار والقتل الذي تلحقه بغزة. ربما أنه بالنسبة له الأمور تسير حسب الخطة.
إزاء رد حماس، فإن الإدارة الأميركية في وضع حرج. قناة تأثير أخرى توجد كما يبدو في مجلس الأمن، الذي صادق يوم الاثنين الماضي على مشروع قرار يؤيد الاقتراح الذي عرضه الرئيس الأميركي. من هنا يمكن التقدم نحو فرض الاتفاق على الطرفين، ضمن ذلك بواسطة فرض العقوبات، ولكن هذه العقوبات بالأساس تهدد الطرف الإسرائيلي. أيضا إسرائيل تواجه مشكلة. ففي الأسابيع القريبة المقبلة، سيتم استنفاد النشاطات العسكرية في رفح. ويبدو أن الولايات المتحدة ما تزال تعارض الاحتلال الكامل للمدينة، وفي هذه الأثناء نتنياهو وافق على طلبها. والسؤال هو ما الذي سيتم فعله بعد أن عمل الجيش الإسرائيلي بشكل عنيف، على الأرض وتقريبا في كل أجزاء القطاع ولكنه لم يهزم حماس، وأيضا لا توجد صفقة تلوح في الأفق.
في ظل غياب الصفقة، حيث في الخلفية تستمر وعود نتنياهو العبثية بالنصر المطلق والضغط على الجيش من أجل مواصلة الهجوم في القطاع من دون أي هدف استراتيجي منظور. هذا الوضع سيعرض للخطر حياة المخطوفين المحتجزين في القطاع. في الحقيقة لا توجد أي احتمالية لإنقاذهم جميعهم كما حدث في عملية الإنقاذ المثيرة للانطباع للمخطوفين الأربعة في النصيرات يوم السبت الماضي. من هنا يأتي أيضا استمرار القتال في الشمال، لأن رئيس حزب الله، حسن نصر الله، أعلن في السابق أن رجاله لن يوقفوا إطلاق النار الى حين وقف إطلاق النار في القطاع.
في هذه الأثناء، يتدهور أيضا الوضع في الشمال. أول من أمس، قامت إسرائيل باغتيال طالب عبد الله، قائد وحدة "ناصر"، الذي قتل في هجوم من الجو هو وثلاثة نشطاء آخرين في حزب الله في بلدة في شرق مدينة صور. عبد الله الذي رتبته تشبه رتبة قائد فرقة في الجيش الإسرائيلي، هو القتيل الأرفع مكانة في حزب الله في هذه الحرب، الى جانب قائد وحدة الرضوان، وسام الطويل، الذي قتل في عملية مشابهة نسبت لإسرائيل في كانون الثاني (يناير) الماضي.
حزب الله رد بإطلاق كثيف للصواريخ، أكثر من 200 صاروخ منذ الصباح، على منطقة الجليل والشاطئ الغربي لبحيرة طبرية، ولم يتم الإبلاغ عن إصابات. يبدو أن هذا هو القصف الأكثر شدة منذ بداية الحرب. وقنوات الإعلام المقربة من حزب الله هددت بأن هذا الهجوم لن يكون الأخير. هذا تجاوز لمقاربة "معادلة الرد" التي يتبعها حسن نصر الله منذ سنوات، لكنه حتى الآن لا يبدو هنا تحطيم مطلق للأدوات من ناحية حزب الله. ربما هو أراد محاولة المس بجهة إسرائيلية رفيعة في عملية ثأر.
استراتيجية إسرائيل أمام حزب الله عالقة منذ فترة طويلة، حيث إن الإنجازات التكتيكية الكثيرة لا تتراكم لتصل الى موقف تفوق حقيقي في القتال. اغتيال عبد الله يعكس نموذج عمل معروفا: خلق فرصة عملياتية واستخبارية، ويتم اتخاذ قرار التصفية، لكن ليس بالضرورة يتم فحص كل الجوانب الاستراتيجية. في بداية شهر نيسان (أبريل) الماضي، كان اغتيال الجنرال الإيراني حسن مهداوي في دمشق جر إسرائيل الى مواجهة غير مسبوقة مع إيران، التي أطلقت فيها الأخيرة على إسرائيل حوالي 330 صاروخا ومسيرة. في هذه المرة، إيران ليست في الصورة، لكن يبدو أن سيكون هناك تجاوز آخر أمام حزب الله. من المهم معرفة إذا تم اتخاذ عملية تفكير استراتيجية قبل المصادقة على العملية، أو إذا لم تكن هنا مرة أخرى حالة ذيل الكلب الذي يهتز.
الجيش محبط ويتعرض للانتقاد، وبعد ذلك يقوم بعملية -ناجحة بحد ذاتها من ناحية عملية، لكنها يمكن أن تقربنا من شفا الحرب، دون أن يناقش المستوى السياسي بجدية نتائجها. في الوقت نفسه نشأ ضغط جماهيري وإعلامي على الحكومة لتشديد خطواتها في الشمال إزاء الدمار الكبير هناك، وغياب حل لضائقة 60 ألفا من المخلين من بيوتهم واستمرار القتال من دون أي نتائج واضحة للعيان. هذه ظروف يمكن أن تدهور الطرفين نحو الحرب الشاملة.
لا يمكن عدم الإشارة، في نهاية المطاف، الى الفجوة المحتملة بين الوضع المعقد للحرب والعبء الثقيل والخطير الملقى على جنود الخدمة النظامية والاحتياط وبين سلوك أعضاء الائتلاف. فجر أول من أمس، صادقت الكنيست بأغلبية 63 ضد 57 على الدفع قدما بمشروع قانون يهدف الى تمكين نتنياهو من مواصلة تخليد تهرب الحريديين من الخدمة العسكرية. من بين كل أعضاء الائتلاف، فقط وزير الدفاع يوآف غالنت، كان مخلصا لضميره وتجرأ على التصويت ضد موقف الليكود والحكومة.
الابتسامة العريضة لنتنياهو في نهاية الفوز في التصويت، سيتم تذكرها كإحدى الصور المؤسسة للحرب. الغضب في أوساط الجمهور وفي الشبكات الاجتماعية كان كبيرا. ما لا يحدث في هذه الأثناء هو ترجمة هذا الغضب الى احتجاج ناجع أو خطوات سياسية تحقق شيئا ما. طوال الوقت سلوك الحكومة يضر أيضا بالجهود الحربية. الكثير من المدنيين والجنود لم يعودوا يستطيعون مواصلة الإسهام مع معرفة واضحة بأن قيادتهم تكذب عليهم وتضر بهم، من خلال استغلال خطوات في صالح جمهور لا يسهم على الإطلاق في تحمل العبء الأمني.