أصوات "الاعتدال" الإسرائيلي.. تجميل لوجه الاحتلال

جانب من المواجهات مع جيش الاحتلال بمخيم الجلزون أفضت إلى استشهاد شابين فلسطينيين أمس -(وكالات)
جانب من المواجهات مع جيش الاحتلال بمخيم الجلزون أفضت إلى استشهاد شابين فلسطينيين أمس -(وكالات)

نادية سعد الدين - لم يُقيض لأصوات ما يسمى "بالاعتدال" الإسرائيلي الذهاب أكثر من حد التنديد الباهت بعدوان الاحتلال الإسرائيلي، ومستوطنيه، ضد الفلسطينيين، أسوة باتهامها أمس لهم بالوقوف وراء التصعيد الراهن في الضفة الغربية، بما يجعلها مجرد "إطار" تجميلي فقط لتغطية وجه الاحتلال القبيح.

اضافة اعلان


وإثر صمت عميق؛ خرجت أصوات من داخل عِقر الكيان الإسرائيلي نفسه، ومنها من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، للتحذير من استمرار المستوطنين في "استفزاز" الفلسطينيين، على غرار قيامهم أمس برشق الفلسطينيين ومركباتهم وممتلكاتهم بالحجارة، ما تسبب في اندلاع مواجهات عنيفة بمختلف أنحاء الضفة الغربية.


غير أن تلك الأصوات، التي تتخذ غالباً صفة ما يسمى "معسكر السلام الإسرائيلي"، لاذت بالصمت أمام جريمة الاحتلال، أمس، بإعدام الشابين الفلسطينيين، باسل بصبوص (19 عاماً) وخالد عنبر (21 عاماً)، بدم بارد وهما داخل مركبتهما في شمال رام الله، بالضفة الغربية، التي أعلنت الإضراب الشامل والحداد على روح شهيدي الوطن المحتل.


ولم يُحرك ذلك التيار، الذي يُطلق على نفسه صفة "الاعتدال"، ساكنا حيال جريمة استشهاد الشابين الفلسطينيين برصاص قوات الاحتلال أثناء اقتحامها رام الله واختطاف جثمانيهما، وإصابة آخرين بجراح بليغة، قرب مخيم الجلزون شمالاً، وسط تنديد رئاسي فلسطيني ودعوات الفصائل الفلسطينية لتصعيد المواجهة مع الاحتلال في مختلف أنحاء الضفة الغربية.


ولا يعد موقف تلك الأصوات غريباً؛ إذ تغلب سمة العنصرية والتطرف والكراهية لكل وجود فلسطيني على أي صفات يخلعونها على أنفسهم، مثل "الاعتدال" و"اليسار" و"معسكر السلام"، ما يدفعهم إلى التزام الصمت أمام الدم الفلسطيني النازف من جرائم الاحتلال، مُكتفية بإطلاق التنديدات الباهتة حيال "استفزازات" المستوطنين تجاه الفلسطينيين.


فيما تلعب تلك الأصوات، المنبعثة في أغلبها مما يعرف "بمعسكر السلام الإسرائيلي"، دوراً ثانوياً في المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث لم تستطع خلال الفترة الماضية إجبار النخبة الحاكمة على التوجه في مسار معين أو دفع الحكومة لاتخاذ قرار يتسم بطابع جوهري، أو إلغاء قرار يمس أساس الصراع، في وقت تستثني فيه بعض القضايا الأساسية في الصراع من بؤر الخلاف.


وفي بعض الأحيان؛ تنتقد تلك الأصوات موقف حكومة الاحتلال المتعنت تجاه العملية السلمية و"حل الدولتين"، فضلا عن الكلفة الباهظة التي تتحملها نتيجة احتلالها المتواصل للمناطق الفلسطينية، وإحداثها الدائم للاضطراب والالتفاف على مفاوضات الوضع النهائي بشتى الطرق، مما يخلق التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.


وفي ضوء السياسة الخارجية الأمنية الإسرائيلية التي لا تشكل عنصراً دافعاً لعملية السلام، وإنما محركا للتطرف والتصعيد، فضلاً عن غلبة التيار اليميني المتشدد، بخاصة الليكود، والتيار الديني، اللذين يشتركان في حمل مبادئ رفض الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، فإن الأصوات الخارجة عن تلك الأطر المُتشددة لن يكون لها أي دور فعلي مغاير عنها.


وبعيداً عن "القشرة" التجميلية التي تحاول تلك الأصوات الإمساك بناصيتها؛ فإنه لا يوجد خلاف داخل الكيان الإسرائيلي، بتياراته اليمينية واليسارية والدينية، تجاه رفض الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، ورفض إزالة المستوطنات وتقسيم القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين، مقابل كيان فلسطيني محدود المساحة وناقص السيادة والسلاح الموكولين للاحتلال فقط.


وعلى الرغم من أن بعض اليسار الإسرائيلي يزعم علنا تصالحه مع فكرة إقامة دولة فلسطينية، إلا أنه يرفض تقديم تنازلات تتعلق بالأراضي المحتلة اللازمة لإقامة الدولة، وسط تغييرات مستحدثة فيها لا يمكن أن تؤدي معها إلى دولة قابلة للحياة أو النمو، بما يجعلها أشبه بمجموعة من الجزر في بحر تسيطر عليه سلطات الاحتلال.


ومع تسارع وتيرة الحركة الاستيطانية وسياسة التهويد، لاسيما في القدس المحتلة، فإن ثمة تساؤلات تثار حول إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً على ذات الأرض المحتلة عام 1967، مثلما يقوض "حل الدولتين"، وذلك في ظل تعارض مفهوم السلام مع الركائز الأيديولوجية للكيان الصهيوني القائمة على العنصرية والتوسع، وسط بحث دائم عن أمن وحماية مفقودين في ظل الوجود والمقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة.


وبخلاف السلطة الفلسطينية التي سعت في أوقات سابقة للتواصل مع ما يسمى "معسكر السلام الإسرائيلي"، اعتقاداً منها أنه سيعزز فرص السلام و"حل الدولتين"، ولكنه لم يفلح في ذلك حتى الآن، فإن مختلف القوى والفصائل الفلسطينية لا تجد طائلا من وراء هذا التحرك في ظل مواصلة العدوان والاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.


ولعل جريمة أمس تدلل على ماتذهب إليه الفصائل الفلسطينية؛ التي اعتبرت أنها تعكس حالة الهلع التي يعيشها الاحتلال بعد الفشل اليومي الذي تُمنى به منظومته الأمنية في أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، بفعل تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية.


ودعت الفصائل الفلسطينية إلى وحدة الموقف الفلسطيني، وتفعيل المواجهة للتصدي لجرائم الاحتلال ومخططاته على الأرض، فيما أدان الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة ضد أبناء الشعب الفلسطيني.


وطالب أبو ردينة، حكومة الاحتلال بالتوقف عن هذه السياسة الخطيرة وغير المسؤولة التي أوصلت الأمور إلى مرحلة ستدمر كل شيء، مؤكداً أن التصعيد الإسرائيلي الخطير والمتواصل ضد الشعب الفلسطيني سواء في القدس وضد المقدسات الإسلامية والمسيحية أو في جنين أو نابلس أو في أي مكان من الأراضي الفلسطينية المحتلة، تجاوز للخطوط الحمراء.


وأضاف أبو ردينة أن السلام لن يكون بأي ثمن وأن الشعب الفلسطيني وقيادته لن تقبل باستمرار الاحتلال أو بقائه، وأن هذه السياسة الإسرائيلية العدوانية لن تجلب الأمن والاستقرار لأحد.

اقرأ المزيد :