الدعم الأميركي لإسرائيل أصبح تكاليف كله، ولا أرباح‏

بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، لمناقشة الحرب في غزة، 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 - (أرشيفية)
بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، لمناقشة الحرب في غزة، 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 - (أرشيفية)

بول بواست* - (ورلد بوليتكس ريفيو) 2024/3/1
لا يقتصر الضرر الذي يُحدثه تحدي إسرائيل لإدارة بايدن في طريقة إدارتها للحرب في غزة بمصالح واشنطن المباشرة في المنطقة فحسب. إنها تؤدي أيضًا إلى عزل الولايات المتحدة على المستوى الدولي.‏

*   *   *
‏قبل بضعة أيام فقط من كتابة هذه السطور، ‏‏أعلن‏‏ الرئيس الأميركي، جو بايدن، على الملأ أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يبدو مرجحًا، "ربما في أقرب وقت يوم الاثنين المقبل" (26 شباط/ فبراير 2024)، كما قال.

اضافة اعلان

 

ومع ذلك، ‏‏أكد‏‏ وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أنه حتى لو كان هناك وقف مؤقت لإطلاق النار، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة سوف تستمر إلى أن يتم إطلاق سراح جميع الرهائن.‏


في ما يذهب أبعد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان على تحقيق أهداف متعارضة، يشكل تصريح الرئيس مثالًا آخر على عجز واشنطن الظاهر عن كبح جماح حليف رئيسي.

 

مرة تلو المرة منذ أن بدأت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، انتقدت إدارة بايدن بشكل واضح النهج الذي اتبعته الحكومة الإسرائيلية.

 

وبشكل خاص، أشار وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ‏‏إلى‏‏ أن تكتيكات إسرائيل الخرقاء في مواجهة حماس في غزة تنطوي على احتمال أن تؤدي إلى "هزيمة استراتيجية"، نظرًا لأنها تزرع مشاعر السخط بين السكان الفلسطينيين، بما في ذلك في الضفة الغربية، وكذلك بين جيران إسرائيل العرب.

 

وأضاف أوستن أنه ضغط "شخصيا على القادة الإسرائيليين لتجنب إسقاط ضحايا مدنيين، والكف عن الخطاب غير المسؤول، ومنع العنف الذي يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية". لكن هذه الطلبات ذهبت كلها أدراج الرياح أو أنها لم تلق آذانا صاغية.‏


‏وفي يوم الجمعة الماضي فقط، 24 شباط (فبراير)، ذهب وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى حد ‏‏وصف‏‏ بناء إسرائيل لمستوطنات جديدة في الضفة الغربية بأنه "لا يتفق مع القانون الدولي"، مؤكدا أن "سياسة الولايات المتحدة القائمة منذ وقت طويل، في ظل الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، هي أن المستوطنات الجديدة تأتي بنتائج عكسية في جهود التوصل إلى سلام دائم".

 

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لم يفعل أي شيء لكبح جماح الأعضاء المتطرفين في حكومته الذين يسعون إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والذين اقترحوا حتى إعادة بناء المستوطنات في غزة بعد انتهاء الحرب.‏

 

وعلى نطاق أوسع، لم ‏‏يكشف نتنياهو عن‏‏ أي اهتمام بمتابعة خطوات بناءة نحو حل على أساس دولتين بعد الحرب، على الرغم من أن ذلك أيضًا كان سياسة رسمية للولايات المتحدة.

 

وكان هذا على رأس ‏‏المخاوف‏‏ التي أثيرت بشأن مدى التزام حكومة نتنياهو بالمعايير الديمقراطية حتى قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏


‏على الرغم من كل هذا، بدا أن إدارة بايدن تخرج عن مسارها المعتاد من أجل منح إسرائيل غطاء دبلوماسيا للحرب.

 

وفي الأسبوع الماضي فقط، استخدمت الولايات المتحدة مرة أخرى حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، حيث كانت واشنطن هي الوحيدة التي صوتت ضده.

 

وعند استخدام حق النقض، ‏‏أكدت‏‏ السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن القرار كان من شأنه أن يقوض الجهود المذكورة أعلاه للتوصل إلى وقف لإطلاق نار عن طريق التفاوض.

 

ولكن، باعتبار أن هذه كانت ‏‏المرة الثالثة‏‏ التي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار لوقف إطلاق النار، فإنها تمثل استمرارًا لنمط أوسع نطاقًا في كل من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تقف الولايات المتحدة بشكل متكرر وحدها تقريبًا ‏‏مع إسرائيل.‏


‏وبالطريقة نفسها، خلال جلسات الاستماع التي عقدت الأسبوع الماضي في "محكمة العدل الدولية" حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كانت الولايات المتحدة وفيجي فقط ‏‏مستعدتين‏‏ للدفاع عن إسرائيل خلال المداولات.

 

وعندما أصدرت "محكمة العدل الدولية" ‏‏حكما أوليا‏‏ في كانون الثاني (يناير) بشأن ‏‏اتهام‏‏ جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، وأمرت إسرائيل بتقديم تقرير عن خطتها لحماية المدنيين، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، إن إدارة بايدن ترى أن الحكم "يتسق مع العديد من مواقفها الخاصة"، لكنه نفى أن تكون تصرفات إسرائيل في الواقع ترقى إلى إبادة جماعية.‏
‏في المجمل، هذا وضع غريب.

 

فمن ناحية، أشار الباحثون الذين يدرسون العلاقات بين الحلفاء منذ فترة طويلة إلى دينامية يسمونها "‏‏الفخ‏‏"، حيث تتخذ القوة الصغرى، أو الدولة الوكيلة، في تحالف غير متماثل إجراءات تجبر القوة الكبرى، أو الدولة الراعية، على الدخول في صراع لا تريده هذه القوة الكبرى.

 

وفي بعض النواحي، هذا ما يحدث بالفعل. بالإضافة إلى توفيرها غطاء دبلوماسيا لإسرائيل، تواصل إدارة بايدن تزويد إسرائيل بالذخائر اللازمة لتنفيذ عملياتها في غزة، حتى على ‏‏حساب‏‏ دعم أوكرانيا وتايوان.

 

كما أن الاضطراب الإقليمي الأوسع الذي ولدته الحرب -الهجمات التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق والحوثيون في البحر الأحمر بالتحديد- لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة.‏


‏من ناحية أخرى، غالبًا ما يكون الفخ الحقيقي نادر الحدوث، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة. وكما ‏‏وجد‏‏ الباحث في العلاقات الدولية، مايكل بيكلي، قبل عدة سنوات، فإنه عندما أصبحت الولايات المتحدة متورطة في صراع حليف -مثل دعم تايبيه خلال أزمة مضيق تايوان 1954-1955 ودعم الحلفاء في الهند الصينية آنذاك في خمسينيات وستينيات القرن العشرين- كان ذلك لأن ذلك الصراع كان يخدم مصالح الولايات المتحدة.

 

وفي حالة إسرائيل، لدى الولايات المتحدة مصلحة حقا في الحفاظ على أمنها بشكل عام، ولدى إسرائيل مبررها للرد على الهجمات المروعة التي نفذتها حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏


‏ومع ذلك، ورطت الطريقة التي تدير بها إسرائيل عملياتها العسكرية الولايات المتحدة في صراع لا تريده واشنطن، ربما في أسوأ وقت ممكن، سواء على المستوى الدولي، نظرًا لعدد الصراعات التي تتكشف في العالم والتي تحتاج إلى الاهتمام، ومحليا، بالنظر إلى أن الإدارة في حاجة إلى التركيز على التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر). وبهذا المعنى، تبدو الولايات المتحدة عالقة في الفخ.‏


‏وفي هذه الحالة، لا تضر أعمال إسرائيل بمصالح واشنطن المباشرة في المنطقة فقط. إنها تؤدي أيضًا إلى عزل الولايات المتحدة على المستوى الدولي.

 

وهذا إشكالي بشكل خاص، بالنظر إلى الحملة الأميركية منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا قبل عامين لعزل موسكو -وهي حملة كانت ‏‏تواجه صعوبات مسبقًا‏‏.‏


‏يستطيع المرء أن يجادل بأن الوضع الحالي لعلاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل يعمل في الواقع على تجسيد قوة واشنطن داخل النظام الدولي. إنها مستعدة -وقادرة على- الوقوف مع حليف بغض النظر عن العواقب.

 

بعد كل شيء، ليس استخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن والوقوف بمفردها ضد إعلانات الجمعية العامة التي تدين إسرائيل بالأمر الجديد بالنسبة للولايات المتحدة. في بعض الأحيان تكون وحيدة لكونها مهيمنًا.

 

وبالإضافة إلى ذلك، ثمة فائدة أساسية للقوة المهيمنة هي أنها تحدد شروط الانخراط الدولي وتشكل النظام الدولي. إنها ليست رهينة لأهواء ورغبات "الرأي العام العالمي".

 

في الواقع، تشكل قدرة الولايات المتحدة على فعل ما تريد عندما تريد السبب الرئيسي وراء تصويرها تاريخيا على أنها ‏‏متنمرة‏‏ -أو حتى ‏‏أسوأ‏‏.‏


‏ولكن حتى لو كان هذا هو واقع الحال، فإنه لا يجلب الكثير من العزاء هنا. إن سلوك إسرائيل يتعارض مع كل من تفضيلات إدارة بايدن المعلنة ومصالح الولايات المتحدة. وتبدو الولايات المتحدة وكأنها قوة مهيمنة وحيدة، بسبب تصرفات حليف لا تستطيع السيطرة عليه، ولكنها غير راغبة في قطع الخطوط معها.

 

تحاول الولايات المتحدة -وتفشل في- تحقيق توازن بين حق إسرائيل في الأمن الجيوسياسي وحق الفلسطينيين في الأمن البشري.

 

ثمة أوقات تدفع فيها الولايات المتحدة تكلفة حقيقية لكونها صديقة لإسرائيل. وهذا واحد من تلك الأوقات.‏

*بول بواست Paul Poast: أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وزميل غير مقيم في "مجلس شيكاغو للشؤون العالمية".‏

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: U.S. Support for Israel Is Becoming All Cost, No Benefit

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

التاريخ يخبرنا كيف ستنتهي الحرب بين إسرائيل وحماس‏