استهداف صهيوني مبرمج للمدارس في غزة.. طلاب خارج المستقبل

1697995508646250100
نازحون غزيون في إحدى مدارس الوكالة بدير البلح هربا من قصف الاحتلال - (وكالات)

لم تسلم المنشآت التعليمية من العدوان الهمجي المستعر الذي يقترفه جيش الاحتلال الصهيوني ضد الأبرياء في قطاع غزة، والذي يتجلى أنيابه باستهداف نحو 160 مدرسة منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي.

اضافة اعلان


فحرب الإبادة الدموية الذي ينفذها الكيان الصهيوني مستمرة على كل مقومات الحياة، بما فيها الأبنية المدرسية وإلحاق الضرر بها، ضاربا عرض الحائط بكافة المواثيق الدولية التي تدعو لحماية المدارس من الهجمات، ومؤكدا بهذا النهج، وفق مختصين وتربويين، أن عملية الاستهداف لهذه المنشآت لا تأتي من فراغ بل هي مكيدة مبرمجة وممنهجة من أجل خلق أزمة تدفع بسكان غزة إلى الهجرة القسرية تحت تهديد السلاح.


وبين هؤلاء الخبراء في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، أن البنية التحتية للمسيرة التعليمية في القطاع أصبحت الآن شبه معطلة، وعلى المؤسسات الدولية المعنية بالتعليم وحقوق الأطفال، أن تدرك بأن الجريمة التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي لن تتوقف آثارها مع وقف العدوان، بل ستكون هناك فصول جديدة متمثلة في كيفية تجاوز تداعيات الحرب بالنسبة للمدارس والصدمات النفسية على الطلبة والمعلمين.


ودعوا المنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان والحق في التعليم بعدم الاكتفاء بالاستنكار والشجب، بل يجب أن تكون لديهم القوة لكشف الممارسات التي تمارس بحق أفراد المجتمع المدرسي، وما تتعرض له البنى التحتية من دمار، وأن لا يستخدموا معايير مزدوجة في تعاملهم مع النزاعات، لافتين الى ضرورة أن تنفصل هذه المنظمات عن الحكومات التي تمارس الكيل بمكيالين.


وفي هذا الصدد، قال وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق بهاء بسيسو، أن الهدف الإستراتيجي للعدوان المتواصل على قطاع غزة يتمثل في خلق بيئة طاردة لأي مستقبل للحياة، كونه يستهدف الكثافة السكانية، وهذا ما يفسر سبب استهداف المنشآت المدنية، بما فيها المؤسسات التعليمية والمستشفيات.


وأضاف بسيسو أن استهداف المدارس لا يأتي من فراغ، بل تحاول ماكنة التضليل العسكرية الإسرائيلية أن تمارس نوعا من أنواع التضليل للرأي العام العالمي حول طبيعة المدارس، وبأنها محاذية لمناطق اشتباك أو مراكز عسكرية مستهدفة، لكن على الرغم من كل هذه المبررات فإن الاستهدافات المذكورة تعد جرائم حرب.


وقال بأنه لا توجد أي أدلة على الادعاءات الإسرائيلية، خصوصا عندما نرى كيف كذبت ماكنة الدعاية الإسرائيلية بخصوص المستشفى المعمداني في قطاع غزة، وفي العديد من القضايا المرتبطة بطبيعة عدوانها.


وأكد أن الحياة التعليمية في قطاع غزة قد تصبح مشلولة، خصوصا مع إمكانية بناء مدارس جديدة أو ترميم بعضها التي أصيبت بأضرار نتيجة القصف، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأوضاع الطبية والصحية، فهناك العديد من المستشفيات التي خرجت عن الخدمة نتيجة القصف الإسرائيلي، فهناك فعلا كارثة طبية وإنسانية، وتعليمية، واجتماعية بالغة التعقيد نعيشها اليوم في القطاع.


وأشار إلى الإشكالية المتكررة في العدوانات الصهيونية المتوالية على غزة، التي تجعل كل محاولات البناء الجديدة في القطاع أمرا بالغ الصعوبة ما لم يترافق ذلك مع انتباه حقيقي من المجتمع الدولي، وسيظل الكيان الاسرائيلي يبحث عن ذرائع لمهاجمة التجمعات الفلسطينية، مبينا أن هناك كل عامين تقريبا هجمات مبرمجة وممنهجة على القطاع من أجل تهجير سكان القطاع، وذلك عبر قطع شريان الحياة من خلال استهداف المدارس والجامعات والمنشآت المدنية، بما فيها المنازل والمستشفيات. 


وأكد بسيسو أن السياسة الصهيونية واضحة من خلال تعطيل مقومات الحياة، بغية خلق أزمة تدفع سكان غزة للتهجير بقوة السلاح، مشيرا الى ان الاحتلال لا يكترث إن تم استهداف المدارس أو تعطيل العام الدراسي في قطاع غزة، بل هو يمعن في ذلك. 


وأوضح أن الاحتلال يدرك ماذا يفعل، فهو يسعى جاهدا لتعطيل الحياة في القطاع وجعلها غير ممكنة، وهذا الأمر لن يؤثر فقط على جودة التعليم بل على المسيرة التعليمية برمتها، فلو فرضنا جدلا بأن الكيان الصهيوني لم يقم باستهداف المدارس فما الحالة النفسية للطلبة الذين سيلتحقون بمدارسهم بعد قصف دام حتى الآن أكثر من نحو أسبوعين متواصلين ؟  


ولفت إلى أن الحالة الإنسانية العامة في قطاع غزة ستؤثر على المسيرة التعليمية بأركانها المختلفة، موضحا أن الجريمة التي اقترفها الاحتلال تفوق الخسائر البشرية على أهميتها، لكن هذه الجريمه لها أكثر ومن وجه، لأنها تنطوي على استهداف الحياه المدنية أيضا.


ونوه بأن البنية التحتية للمسيرة التعليمية في القطاع أصبحت الان شبه معطلة، وعلى المؤسسات الدولية المعنية بالتعليم وحقوق الأطفال أن تدرك أن الجريمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني لن تتوقف آثارها مع وقف العدوان، بل ستكون هناك فصول جديدة متمثلة في كيفية تجاوز تداعيات الحرب بالنسبة للمدارس والطلبة.


وتابع أن الحديث الدائر الآن عن تهجير أكثر من نصف سكان قطاع غزة من شماله الى جنوبه، سيساهم في زيادة العبء والضغط على البنية التحتية في مناطق الجنوب، فضلا عن أن حلول الطوارئ المتمثلة بنظام الفترتين او التناوب لن تكون كفيلة بمعالجة الخسائر التعليمية الفادحة التي حلت بقطاع التعليم، فما قامت به دولة الاحتلال يشكل انتهاكا واختراقا صارخين للمواثيق والأعراف الدولية التي تؤكد أن المؤسسات التعليمية يجب أن تكون بمنأى عن أي استهداف. 


وشاركه الرأي الخبير التربوي الدكتور صالح بركات، الذي قال إن الحرب على غزة نتج عنها تدمير الكثير من المدراس، وتحول بعضها الى ملاجئ، ما أدى إلى توقف الدراسة، فيما تعرضت الموارد البشرية والمالية للخطر.


وبين بركات ان هذا الانقطاع عن التعليم يولد فجوة تعليمية، إذ يحرم الأطفال من التعليم الأساسي، وبناء المهارات الاجتماعية والعاطفية، مشددا على ضرورة حماية الأطفال في أوقات الحرب، والتوقف عن استهداف البنية التحتية والمنشآت من طرق ومؤسسات تعليمية وثقافية ومستشفيات.


وأضاف أن ثلث الطلبة في قطاع غزة قبل العدوان الأخير يحتاجون إلى الدعم في مجال التعليم والمساندة النفسية، مشيرا الى ان الحرب تزيد معاناة الطلبة، فالآلاف منهم خسروا والديهم أو أحدهما، ما يجعل الواحد منهم عرضة للتشرد والاكتئاب وفقدان الدعم التربوي والعاطفي الأسري، وتخلف الحرب وراءها آثارا نفسية واجتماعية مدمرة.


وأوضح أن تقريرا منفصلا صادرا عن منظمة "Save The Children" عام 2023 أظهر أن 80 % من أطفال غزة أبلغوا عن اضطرابات عاطفية، مقارنة بـ55 % في عام 2018.


وتابع أن تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، وتقرير "أنقذوا الأطفال" غير الحكومية كشفا عن أن الحرب على غزة ساهمت في زيادة حدة الحوادث المسجلة للأطفال الذين يمنعون من الوصول إلى المدارس أو التعلم، أو مهاجمتهم بدنيا لمجرد محاولة الذهاب للمدرسة، أو قصف مدارسهم، كما تعيق الحرب توفير متطلبات الأطفال وعائلاتهم، مثل الغذاء والماء والمأوى والخدمات الصحية والتعليم.


وأشار الى تقرير "أزمة في تعليم اللاجئين" أظهر أنه مع تقدم الأطفال اللاجئين في السن، تصبح الحواجز التي تحول دون حصولهم على التعليم أكثر صعوبة، إذ يرتاد 63 % من الأطفال اللاجئين المدارس الابتدائية فقط، مقارنة بـ91 % على مستوى العالم.


ومع تقدم الأطفال اللاجئين بالعمر، تزداد هذه الفجوة، إذ لا يصل ثلثا الأطفال اللاجئين الملتحقين بالمدارس الابتدائية إلى المدرسة الثانوية تقريبا، حيث يلتحق 23 % فقط منهم بتلك المدارس، مقارنة بـ84 % من الأطفال على مستوى العالم، بحسب بركات.


كما خلص تقرير نشره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عام 2022  إلى أن 91 % من أطفال غزة يعانون من الصدمات المرتبطة بالنزاع. 


بدوره، قال مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد أبو غزلة، إن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أجمعت على أن التعليم حق وتم إقراره من الجمعية العامة للأمم المتحدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، كما أكده العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966 في المادة 13 منه، وأيضا القانون الإنساني الدولي الذي ركز على الحد من الآثار المترتبة على الصراعات المسلحة من خلال تنظيم تصرفات الدول الأعضاء.


وأضاف أبو غزلة، أن التشريعات الدولية لم تحد من أثر هذه النزاعات وآثارها المدمرة على التعليم، ولعلنا شاهدنا في العديد من الدول كيف يكون الهجوم المستمر على المدارس وتدميرها، والإضرار بالمعلمين والطلبة والكوادر العاملة وتعريضهم للخطر الذي يصل أحيانا حد القتل. 


فضلا عن التعبات التي تتركها هذه النزاعات المتمثلة في إغلاق المدارس، وعدم الالتحاق بالتعليم وتدني جودته، والأثار النفسية، والتسرب المدرسي، وانتشار عمالة الأطفال الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية  والإنسانية والتعليمية حماية العاملين من المعلمين والإداريين والطلبة بصفتهم مدنيين، وحماية المباني المدرسية، ومعالجة أسبابها وآثارها التي أصبحت تؤثر على تشكيل الإنسان في المستقبل، وتدمر جميع مجالات الحياة، بحسب أبوغزلة.


وقال: "لا يعقل أن ينتهك الحق في التعليم وفق القانون الإنساني الدولي وبموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، ويستبدل بقانون شريعة الغاب، من همجية حروب تستهدف المباني المدرسية وتدمر بنيتها التحتية، والغريب في الأمر أيضا أن المنظمات الدولية والإنسانية تصدر تقارير تشير إلى أن 78 مليون طفل حول العالم هم خارج المدارس بسبب النزاعات والحروب، دون أن يكون هناك أي ردود فعل دولية تضمن لهؤلاء حقوقهم في التعليم وتؤمن لهم الحماية".   


ودعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، واتخاذ خطوات ملموسة لتأمين حق التعليم وتوفير سلامة الطلاب والمعلمين والبنى التحتية له، من السياسات والخطط والبرامج والتمويل وتقديم المساعدة، وحماية المدارس والجامعات وجميع المرافق التعليمية من الهجمات، والاعتراف بطبيعتها المدنية، لضمان أن تظل دائما أماكن آمنة لتعزيز السلام والتنمية والاستقرار كآلية لاستمرارية التعليم. 


وأكد أبو غزلة أن على المنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان عامة، والحق في التعليم، أن لا تكتفي بالاستنكار والشجب، بل يجب أن تكون لديهم الجرأة في كشف الممارسات بحق أفراد المجتمع المدرسي، وما تتعرض له البنى التحتية من دمار، وضرورة الكف عن استخدام معايير مزدوجة ترتبط بالعرق والجنس واللون في تعامل المجتمع الدولي مع النزاعات.


ونوه بضرورة أن تنفصل هذه المنظمات عن الحكومات التي تمارس الكيل بمكيالين، وأن لا تبرر أفعال الأطراف المحتلة والمغتصبة لحقوق الآخرين، وأن تكون لها مواقف دولية معلنة حيال ذلك.

 

اقرأ المزيد : 

دموية الاحتلال تدفع أردنيين لإلغاء حجوزات الأفراح