هل تؤثر إدارة بايدن "المتأهّب" في دعمه"لإسرائيل" على الداخل الأمريكي وقواعد الناخبين ؟

1697995834966261500
شهداء وجرحى بين النازحين في قصف ملاصق لمدرسة إيواء بخان يونس-(وكالات)

وسط انهمار الدعم الأميركي على إسرائيل، الذي لا يتوقف، ماديا وإعلاميا، من الإدارات الأميركية المتعاقبة، والمنبثق أصلا من الصورة الذهنية لإسرائيل في المجتمع الأميركي الذي تميل أغلبيته للانحياز لها، يتساءل مراقبون إذا كان العدوان الصهيوني القائم على غزة حاليا، سيخدش هذه الصورة أو بعضها على الأقل. 

اضافة اعلان


وفي واحدة من أحدث حلقات الدعم المباشر من الإدارة الأميركية لإسرائيل في حربها "المستعرة" على قطاع غزة، أعلن الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن في خطابه من المكتب البيضوي الخميس، عزمه الطلب من الكونغرس الموافقة على حزمة مساعدات "إضافية" بقيمة 106 مليارات دولار، مخصصة لكل من إسرائيل وأوكرانيا ودعم تايوان وتمويل بنود بعض الملفات الداخلية. 


ووصف الرئيس الأميركي هذه الخطوة في خطابه، بأنها "دفعة دعم غير مسبوقة" خاصة لإسرائيل، وتأتي في أعقاب نشر حزمة استطلاعات محلية داخلية تشير إلى بروز اتجاهات جديدة بين الناخبين الأميركيين، سواء الديمقراطيين منهم أو الجمهوريين، حيال إدارة بايدن لملف الحرب على غزة، وسط توقعات محللين بالموافقة على طلب هذا التمويل الإضافي إذا ما اقترن تسويق الإدارة الأميركية لهذه المساعدات بمخاطر عودة "الإرهاب إلى الولايات المتحدة الأميركية." 


وتقدم الولايات المتحدة الأميركية سنويا، ما يتراوح بين 3-4 مليارات دولار أميركي كمساعدات أساسية للكيان الاسرائيلي، فيما أنفقت نحو 75 مليار دولار مع بداية العام 2022 كمساعدات لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لها. 


أما حزمة المساعدات الإضافية، فبحسب تقارير أميركية نقلت عن مشرّعين كبار في الكونغرس الأميركي، أشاروا إلى أنهم بدأوا يتلقون تفصيلات حزمة الدعم، ورجحوا أن يخصص 60 مليار دولار لدعم أوكرانيا على أن يشمل باقي الطلب 40 مليار دولار لتقديم المساعدات لإسرائيل وتايوان، وحماية الحدود الجنوبية مع المكسيك، و100 مليون دولار للفلسطينيين في الضفة الغربية.  


في الأثناء أيضا، خرجت عدة استطلاعات رأي عام للأميركيين حول تقييم إدارة بايدن لملف الحرب على غزة، وتقييم والاتجاهات نحو العلاقة الأميركية الإسرائيلية، إلى جانب بروز أصوات معارضة سياسية لإدارة بايدن لهذا الملف ووزير خارجيته أنتوني بلينكن الذي تلقى "برقية معارضة" من عدد من الموظفين العاملين في الخارجية.


فيما قدم جوش بول، مدير مكتب شؤون الكونغرس والشؤون العامة في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية للشؤون العامة في الخارجية الأميركية، استقالته قبل أيام احتجاجا على المساعدات العسكرية لإسرائيل في الحرب على غزة.  


ولعل أحدث الاستطلاعات ذات الصلة، أجرتها مؤسسة بيانات من أجل التقدم data for  progress على مدار يومي 18 و19 من الشهر الحالي، أظهرت نتائجها التي نشرت أول من أمس الجمعة، تأييد 66 % من الناخبين الأميركيين المحتملين في المجمل، لضرورة قيام واشنطن بالدعوة إلى وقف "إطلاق النار والحد من التصعيد في غزة"، والاستفادة من دبلوماسيتها الوثيقة في العلاقة مع "إسرائيل" لمنع مزيد "من العنف ووفيات المدنيين".


فيما أظهرت الاتجاهات الحزبية للناخبين المحتملين أيضا، تأييد 80 % من الناخبين الديمقراطيين منهم بالمجمل لذلك، مقابل تأييد 56 % من الناخبين الجمهوريين، وكانت حصة المستقلين مقاربة للجمهوريين بنسبة 57 % أيدت ذلك. 


وفي الإطار، لا يرى محللون سياسيون ومراقبون أن أي انقسامات سياسية داخلية أميركية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي من جهة، وبين قواعد الناخبين من جهة أخرى، ستؤثر على تبدل الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل باعتباره أحد الثوابت الرئيسية في الإدارة الأميركية في ظل تأثير نفوذ اللوبيات الإسرائيلية، وأن هامش "المناورة" للحزبيين والناخبين، سينصب على تحقيق "مكاسب" لخدمة المصالح الأميركية الخارجية والداخلية. 


وفي هذا الصدد، يفصل أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، والمختص بالشأن الأميركي الدكتور عدنان هياجنة، بين مستويين لدى الناخب الأميركي في تغيير اتجاهات تصويته أو التأثير بها، يتمثل الأول في مستوى السياسة الداخلية، ويتصدرها "الوضع الاقتصادي" كمحفّز رئيسي لتحديد خيارات التصويت، فيما تعتبر "محاربة الإرهاب" على مستوى السياسة الخارجية، الأولوية الرئيسية لجمهور الناخبين الأميركيين. 


ويربط هياجنة في هذا السياق، بين تأثير هذين الملفين على تقييم إدارة بايدن مرحليا ولاحقا، خاصة في استخدام مسوغّات الدعم الضخم لإسرائيل كجزء من سياسة "محاربة الإرهاب" وحماية الأمن القومي الأميركي.


ويضيف: "في أدبيات السياسة الأميركية تلعب محاربة الإرهاب دورا محوريا في دعم الإدارة الأميركية سياستها، وإذا ما روجت إدارة بايدن حاجتها إلى هذا الدعم المتواصل كأداة لمحاربة الإرهاب، ومحاربة حماس والترويج لمخاطرها على الأمن الداخلي الأميركي، فهذا سيكون مؤثرا حتما على الناخب الأميركي في الانتخابات المقبلة"، مشيرا إلى توظيف الإدارة الأميركية  لملف"الرهائن" الأميركيين لدى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" اليوم. 


وفيما أشار هياجنة إلى أن خطاب بايدن للشعب الأميركي، جاء مواتيا لمضامين استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2022، بين أن استطلاعا سابقا لقياس الرأي العام الأميركي تجاه إسرائيل في 2022 صدر عن مركز "Pew" للأبحاث (مركز أبحاث أميركي غير حزبي)، أظهر أن 55 % من الأميركيين لديهم نظرة إيجابية لهذه العلاقة بالمجمل. 


ويعتقد أن الحزب الديمقراطي الذي يعتبر "حزب الأقليات"، لا يميل إلى استخدام "العصا الغليظة" في إدارة الملفات الخارجية على غرار ما فعلته إدارة جورج بوش الابن إبّان أحداث سبتمبر 2001، وأن التصويت المنتظر على مشروع القرار المؤيد لإسرائيل في مجلس النواب الأميركي، سيحظى برفض أقلية معارضة مقابل أغلبية موافقة، لا تبتعد كثيرا عن تصويت مجلس الشيوخ الأميركي على هذا القرار الذي جاء بإجماع 97 صوتا مقابل صفر اعتراض. 


وفي الوقت الذي أفاد فيه 66 % من الأميركيين بتأييد وقف إطلاق النار في غزة بحسب مركز "بيو"، يرى هياجنة أنه لا توجد "انقسامات حقيقية" في الرأي العام الأميركي تجاه إسرائيل، كما أن تمرير حزمة المساعدات الجديدة لن يواجه "مشكلة" في اعتقاده، لافتا إلى أن بايدن اليوم وعقب زيارته إلى "إسرائيل"، رّكز في مخاطبته الشعب الأميركي على "المحاكاة العاطفية" مع أهالي الرهائن، مبينا أن ذلك يلقى صدى لدى الرأي العام الأميركي، بالرغم من وجود أصوات معارضة من سياسيين لإدارة بايدن.


وأشار إلى أن مجلس النواب الأميركي، اليوم، ما يزال يشهد حالة من الفراغ بسبب تعذر حصول مرشح جديد حتى الآن خلفا لرئيسه السابق كيفن مكارثي، على الأغلبية المطلوبة. 


من جهته، يرى المحلل السياسي الدكتور منذ الحوارات، بأن أرقام الاستطلاعات الأميركية حول سلبية اتجاهات الناخبين من إدارة بايدن، لا تتعلق بعموم الناخبين بقدر ما تتعلق بأقصى اليسار في الحزب الديمقراطي، الذي وإن بدت اتجاهاته غير مؤيدة لسياسة بايدن فإنها تندرج تحت بند "المناورة" لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية للحزب. 


ويرى الحوارات بأن الشعب الأميركي عموما يؤيد إدارة بايدن في ملف الحرب على غزة، وأن الأصوات الديمقراطية المعارضة لبعض سياسات بايدن تتمثل في اليسار الديمقراطي الذين هدده مؤخرا بعدم التصويت له في الانتخابات المقبلة لما اعتبروه "ازدواجية في التعامل بين الأوكرانيين والفلسطينيين". 


ويعتبر الحوارات أن ثقل اليسار في الحزب الديمقراطي الذين يمثلون نحو 20 %، يضغط لتحقيق مكاسب داخلية سياسية وانتخابية لهم، مثل تبني ملف "حقوق المثليين" وغيره، وأن إحجامهم عن التصويت في الانتخابات المقبلة إذا ما ذهب لصالح خصم بايدن الجمهوري دونالد ترامب، فإننا أمام خصم داعم أيضا لإسرائيل في المطلق.


وأشار إلى أن الأصوات المعارضة في اليسار الديمقراطي أمثال السيناتور بيرني ساندرز الذي طلب مساعدة المدنيين في غزّة، قد يؤثر في طريقة التعامل مع الضحايا المدنيين، إلا أنه لن يؤثر في الموقف من دعم "إسرائيل" السياسي ككل. 


وقال: "صحيح أن الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل بدأت تظهر للرأي العام بشكل أكثر وضوحا في الولايات المتحدة الأميركية، لكن الدعم اللامتناهي لإسرائيل لا يتوقف ولم يظهر تأثيرا سياسيا على عمل الأحزاب من الداخل، وأغلب المنصات الإعلامية منعت تداول المحتوى الفلسطيني للحرب على غزة". 


ولعل الخطاب العاطفي الذي سوّقه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لاستمالة دول العالم في أحد مؤتمراته الصحفية، عندما وصف حركة المقاومة الإسلامية حماس بـ"داعش" وتحدث عن رؤيته "لأطفال مكبلة أيديهم أطلقت النيران على رؤوسهم، ونساء أحرقن وهن على قيد الحياة، وشابات اغتصبن وذبحن ومقاتلين قطعت رؤوسهم، تركت أثرها على الرأي العام العالمي"، معتبرا أن ذلك كان مؤثرا في التغطية على الإخفاق العسكري له. 


ويتمسك الحوارات بصعوبة التغيير في الرأي العام الأميركي وفي القرار السياسي، مع استمرار ترويج "الأكاذيب" وتأثير "اللوبيات الإسرائيلية" على القرار السياسي، ووجود قاعدة تأييد واسعة لإسرائيل في أوساط المثقفين والفنانين والممثلين، و"متجذرة في نسيج المجتمع الأميركي"، بالرغم من وجود أصوات معارضة، مثل حركة "يهود من أجل السلام" وغيرها، مستشهدا بالحرب على العراق التي لم يتم التأثير في منعها. 


وأضاف: "المؤسسة العسكرية والسياسية هي من ترسم القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وبايدن في خطابه الأخير للشعب الأميركي استخدم حيلة ذكية، عندما أعلن عزمه طلب تمويل إضافي ليكسب التعاطف مع إسرائيل، حيث مرر عدة بنود موازية للموافقة على هذا التمويل، ومن أهمها بند دعم تايون في مواجهة الصين وتمويل أوكرانيا." 


وشدد على أن "إسرائيل من الثوابت الأميركية" لدى اليسار أو اليمين، وأن أي دعم للقضية الفلسطينية لن يكون بأي حال من الأحوال على حساب "إسرائيل"، حتى وإن فشلت الإدارة الأميركية في دعم العملية السلمية في الشرق الأوسط وانحيازها.


إلى ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد مصالحة، بأن قرارات الإدارة الأميركية في السياسة الخارجية تنعكس بالتأكيد على السياسة الداخلية، قائلا إن الهيئة الانتخابية في أميركا في الانتخابات المقبلة بعد عام من الآن، ستتأثر حتما بها. 


وأوضح مصالحة أن هذا التأثير سينعكس على بعدين رئيسين هما؛ أن بايدن لجأ إلى استخدام المخزون الأميركي للسلاح لإرساله إلى أوكرانيا وإسرائيل، وأن الدعم المحتمل الجديد سيبلغ نحو 74 مليار دولار أميركي لكل منهما، من بينها 14 مليار دولار إلى إسرائيل، ما يعني أن هذا التمويل سيسدّه دافع الضرائب الأميركي.  وأضاف: "ليست هناك مبررات أخلاقية لتحمّل هذا التمويل من جيب المواطن الأميركي." 


وفي البعد الآخر، رأى مصالحة أن صورة الولايات المتحدة الأميركية أمام العالم، عبر تبنيها لهذه السياسات القائمة على الدعم "غير المسبوق" لإسرائيل، لا بد أن تؤثر على سلوك الناخب الأميركي الذي يرى بأن هذه السياسية ستنعكس "سلبا" على الأوضاع الداخلية في أميركا. 


ويعتقد أن بايدن سيخسر الكثير من أصوات الأميركيين بسبب هذه السياسات في القضايا الدولية، مشيرا إلى أن سلوك بايدن في تجاوز المواثيق الدولية المتعلقة بحل النزاعات بسلمية واحترام حقوق الإنسان والضغط على الشركاء لاتخاذ مواقف منحازة لا تلتزم بالمواثيق الدولية لا يصب في صالح انتخابه لدورة ثانية. 

 

اقرأ المزيد : 

استهداف صهيوني مبرمج للمدارس في غزة.. طلاب خارج المستقبل