الأردن يرمِّم ما أفسده تغير المناخ.. زراعة 3 ملايين شجرة حرجية سنويا

أشجار حرجية
أشجار حرجية (أرشيفية)
لم يكن الضجيج العالمي لتدارك ما أفسده التغير المناخي من جماليات كوكبنا الارضي هو الوحيد الذي دفع وزارة الزراعة الى استزراع وتوزيع ملايين الأشجار الحرجية والمثمرة وبالمجان لغرسها على امتداد الجغرافيا الاردنية من شمالها إلى أقصى الجنوب ومن شرقها إلى غربها، فهناك أيضا مخاطر الحرائق التي تلتهم سنويا جزءا عزيزا من المساحة الأكثر جمالا في المملكة هي غابات الصنوبر والسرو والسنديان والبلوط والصنوبر الحلبي والقيقب.اضافة اعلان
فمع بدايات كل صيف تنشط الجهود الوطنية على مختلف المستويات لمواجهة الأخطار التي قد تلحق بالرقعة الخضراء تارة بفعل الحوادث البشرية سواء المفتعلة أو بسبب الإهمال، وتارة أخرى بفعل تداعيات التغير الطبيعي الذي بدأ يضرب العالم ويترك آثاره المريعة والعميقة التي يمتد أثرها طويلا، لتنصب هذه الجهود على الوقاية أولا وتعويض النقص بالرقعة الخضراء ثانيا.
ومن دون شك، البداية دائما من وزارة الزراعة التي تستزرع ملايين الأشجار الحرجية والمثمرة والرعوية سنويا وتوزيعها بالمجان لتعويض النقص في هذه الثروة الوطنية، في وقت لا يألو الأردن جهدا في معالجة المناطق المتضررة من الحرائق في الغابات الطبيعية، إذ يتم إغلاق المنطقة لعدة أعوام كي تتجدد من تلقاء نفسها، كما حدث أخيرا في غابتي عجلون وجرش، وفي حالات أخرى يتم إعادة الغابات المتضررة.
أما محور الوقاية فيركز على مراقبة الغابات من خلال أبراج المراقبة العادية والالكترونية، بالإضافة الى الكوادر البشرية التي تتناوب على ذلك طيلة ساعات الليل والنهار وعلى مدار العام لحماية الغابات.
وكالة الأنباء الاردنية (بترا) تابعت هذه الجهود، ومن دون كانت البداية كما هي دائما بوزارة الزراعة التي قال مساعد أمين عام الوزارة للحراج والمراعي خالد القضاة، إن مساحة الأراضي الحرجية المسجلة في الأردن تبلغ حوالي مليون و67 ألف دونم تقريبًا، منها 880 ألف دونم مغطاة بالأشجار الحرجية، أي ما يعادل 1 بالمئة من مساحة المملكة وهي نسبة بسيطة جدًّا مقارنةً بالمساحات المغطاة في البلدان الأخرى؛ لذا فإن الضرورة ملحَّة، كما يؤكد القضاة، للحفاظ على تلك المساحات وزيادتها قدر الإمكان، تماشيًا مع فلسفة وأهداف الوزارة في الحفاظ على الغابات.
وأشار القضاة الى أن من أهم الأدوار المنوطة بوزارة الزراعة تحريج الأراضي القابلة للتحريج، حيث تقدر المساحات التي (حرّجتها) الوزارة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن وحتى الآن بحوالي 450 ألف دونم وبنسبة 50 بالمئة من الغابات الحرجية في الأردن، والنسبة الباقية هي غابات طبيعية.

وأضاف، إنَّ الوزارة تعتزم تطبيق خطة صارمة للحد من الحرائق والاعتداءات الأخرى، موضحا أن مديرية الحراج في الوزارة تعمل على تطبيق خطتين في هذه المسألة؛ الأولى: خطة (طوارئ) في فصل الشتاء للحد من الاعتداءات البشرية المتمثلة بالتحطيب، والثانية خطة طوارئ صيفية وتتمثل بمواجهة موسم الحرائق بالتعاون في مع الشركاء وفي مقدمتهم مديرية الدفاع المدني من خلال التواصل الدائم مع غرفة العمليات الرئيسية في مديرية الحراج والتي بدورها تُبلغ عن أي حريق لإخماده بالسرعة القصوى.


وقال، إن هناك أكثر من 10 مواقع حرجية منها محمية عجلون وضانا واليرموك والحديقة النباتية الملكية المطلة على سد الملك طلال وغيرها تتوزع مسؤولية حمايتها ومراقبتها ضمن خطة الطوارئ على الشركاء الآخرين وهم وزارات البيئة، الأشغال العامة،الإدارة المحلية، الداخلية، بالإضافة الى أمانة عمان الكبرى والبلديات الكبرى وسلطة وادي الأردن وسلطة المياه والري و الجمعية الملكية لحماية الطبيعة.


وأشار إلى وجود قسم خاص بالحراج في كل مديرية زراعة مرتبط بغرفة الطوارئ بالدفاع المدني عن طريق شاشة تتبّع لجميع الكوادر وجميع المناطق لمتابعة الملاحظات المتعلقة بالحرائق وغيرها، مبينا أن هناك أبراجًا للمراقبة مثبتة داخل الغابات ذات الكثافة العالية تتوزع بواقع 6 في غابات البلقاء، 7 عجلون، 6 جرش، 5 في محافظة إربد، 3 محافظة الكرك 3، في الطفيلة ومحطتين في الشوبك، وتشرف هذه الأبراج على أكبر قدر ممكن من الغابات لرصد الحريق والإبلاغ عنه حال وقوعه.

وأكد أن للمواطن الأردني في المناطق المحاذية للغابات دورًا هامًّا في حمايتها والحد من وقوع الحرائق فيها؛ حيث إن الغابة في المقام الأول ملك للمواطن، وهو الشريك الأول لوزارة الزراعة في ذلك، كما أنه المستفيد الأول منها من خلال رعي المواشي، والتنزه والاستمتاع بالهواء الطلق وجمع الأحطاب والمخلفات الناتجة عن الأشجار الميْتة أو تلك التي يتم تقليمها، والتي تباع لهم من قِبل الوزارة بسعر رمزي، (52 دينارا مع الرسوم للطن الواحد).

ولفت الى أن 99 بالمئة من الحرائق غير مقصودة وناتجة عن عدم المبالاة والإهمال مثل ترك بقايا الشواء وأعقاب السجائر، ورمي النفايات والمواد القابلة للاشتعال، أما التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة غير المعتاد، فله دور كبير في انتشار الحرائق، وصعوبة السيطرة عليها وإطفائها، موضحا أن نسبة الحرائق عام 2021 بلغت حوالي 500، انخفض العدد عام 2022 إلى 190 حريقًا، في حين لم يسجل في العام الحالي سوى حريقين في غابات جرش وعجلون وبنسبة أضرار قدرت بـ 60- 80 بالمئة من أشجار الغابتين.

وبحسب القضاة هناك نوعان من الأشجار الحرجية: نوع يتجدد وبحيث تعيد الغابة بناء
نفسها بنفسها وتتجدد حتى بعد الحرائق بفعل نمو بذورها أو جذورها، والنوع الثاني غير متجدد إلا إذا تم أعادة تأهيل الغابة وتحريجها بغراس جديدة، لافتا إلى أنه إذا كان الموقع المتضرر من الحريق قابلا لإدخال آليات لإعادة تحريجه من جديد، يتم العمل على ذلك، بالتشارك مع جهات ممولة أما إذا حالت الأسباب دون ذلك فنعمل على حماية الغابات الحرجية عن طريق إغلاقها لبضعة أعوام ليتسنى لها أن تجدد نفسها تلقائيا مثل غابات السنديان والبلوط والصنوبر الحلبي والقيقب.

وأشار إلى أن هناك ما يزيد عن ستين نوعًا من الأشجار الحرجية والرعوية تنتجها وزارة الزراعة في نحو 14 مشتلاً تابعًا لها، إذ تقوم بإنتاج نحو ثلاثة مليون غرسة سنويًا من الأشجار الحرجية، يتم توزيعها بالمجان على الجهات الحكومية والعسكرية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني وعلى المواطنين، بهدف المساهمة في زيادة الغطاء الأخضر، مشيرا الى تنوع أشجار الغابات الاردنية بين الصنوبر الحلبي والصنوبر المثمر والسرو الفضي والسرو العمودي والسنديان والفلفل الكاذب والكينا والخروب والمورينجا والبلوط والسدر.


وتعتزم وزارة الزراعة تحريج المزيد من المناطق بموجب الخطة الوطنية للزراعة، بحسب ما يؤكد القضاة، الذي أشار الى مشروع تحريج 150كم على الطريق الصحراوي، وتحريج خمسة آلاف دونم بالاعتماد على المياه المعالجة ضمن مشروع غابة القطرانة من خلال استغلال المياه المعالجة التي تم تنفيذ 80 بالمئة منها حتى الآن، واستصلاح حوالي 1000 دونم بالاعتماد على الحصاد المائي في منطقة الأبيض، إضافة الى مشروع تحريج ألفي دونم في منطقة عنيزة الشوبك.
وأشار كذلك الى تنفيذ خطة تحريج بالتعاون مع منظمة العمل الدولية لزراعة 4 آلاف دونم في محافظتي جرش وعجلون ولواء الكورة في إربد، باستخدام تقنية "الشرنقة" الحديثة التي استوردتها الوزارة من هولندا هذا العام.



مدير مديرية حماية الطبيعة بوزارة البيئة المهندس بلال قطيشات، يشير الى عوامل أخرى في مسألة حرائق الغابات تضاف الى الاهمال والاعتداءات البشرية والتغير المناخي،
من هذه العوامل بحسب قطيشات ازدياد نسبة الجفاف واشتعال الأعشاب الجافة بفعل ارتفاع درجات الحرارة وامتداد النيران الى الغابات المتاخمة، معتبرا أن إنشاء المحميات الطبيعية في المناطق الغابوية، واستدامة برامجها الإدارية، تعد من أحد اهم الوسائل في مواجهة حرائق الغابات، وهو ما يؤكده مدير عام الجمعية الملكية لحماية الطبيعة فادي الناصر الذي يرى في المحميات الطبيعية وسيلة ذكية لحماية الغابات من الحرائق أياً كانت أسبابها.
وقال، إن ميزة المحميات أنها تشتمل على بنية تحتية تمكن من استقبال آليات الإطفاء وعمل خطوط النار وإزالة الأعشاب الجافة وغير ذلك من الإجراءات التفصيلية.

وأشار الناصر إلى أن خطط الوقاية والمكافحة يجب ان تركز على التوعية كإجراء أولي لمستخدمي الغابات سواء للاستخدامات التقليدية من قبل المجتمعات المحلية أو الاستخدامات السياحية ، بموازاة تكثيف الرقابة على المناطق ذات الخطورة العالية.



ودعا مدير المناطق المحمية بالوكالة في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة المهندس عامر الرفوع الى تطبيق وتنفيذ مجموعة من الإجراءات الوقائية اللازمة للحد من الحرائق من خلال حراثة المناطق المحيطة بالمحميات ومناطق التنزه والمناطق الحساسة وتنظيف جوانب الطرق وإزالة الأعشاب الجافة بالتنسيق مع مديريات الزراعة.

وأشار الى أن إدارة المحميات تقوم بعمليات مسح للمواقع التي تعرضت للحريق لمعرفة المساحة والأضرار والوقوف على الأسباب التي أدت لحدوث هذه الحرائق، مضيفاً انه يتم إعداد تقرير بالحرائق وتنزيل مواقع الحرائق على خريطة خاصة بهذا الموضوع، كما تتم مراقبة مواقع الحريق وفق مدد زمنية محددة للوقوف على ظروف التجدد الطبيعي ودراسة إمكانية إعادة تأهيل المواقع في حال كان التجدد الطبيعي ضعيف بشكل لافت.

رئيسة جمعية دبين للتنمية البيئية هلا مراد دعت الى اتباع عدد من الاجراءات بعد نشوب الحرائق، كإغلاق المنطقة بشكل تام ومنع الرعي الجائر والتحطيب، لتسريع عملية التجدد دون الحاجة إلى الاستزراع البشري، مشيرة الى أن الغابة قد تجدد نفسها في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام.

المتخصص بتقنيات "الميتافيرس" المهندس رامي الدماطي، اعتبر أن الذكاء الاصطناعي أحد الابتكارات التكنولوجية الحديثة في مجال مكافحة حرائق الغابات والتصدي لتغير المناخ.
وأضاف، يمتاز الذكاء الاصطناعي بقدرته على تحليل ومعالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة فائقة، ما يجعله أداة قوية للتنبؤ والكشف المبكر عن حرائق الغابات والتعامل معها بفعالية.
وأشار الى استخدام الشبكات العصبية الاصطناعية لتحليل البيانات المستمدة من الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية وأجهزة الاستشعار الحراري، وبحيث يستطيع النظام التعرف على النمط الحراري الخاص بالحرائق والتنبؤ بتطورها.
كما يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين استجابة الطواقم الإنقاذية والإطفائية لتحديد مساحة الحريق ومكانه وطرق مكافحة بالسرعة الممكنة، موضحا أنه يمكن للنظم الذكية أن تحلل بيانات الطقس والتغيرات المناخية ودعم جهود معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ على الغابات.


أستاذ هندسة البيئة والتغير المناخي في جامعة الحسين بن طلال الدكتور عمر الخشمان، اعتبر حرائق الغابات جريمة بحق الثروة النباتية، داعيا إلى عمل دراسات ومشاريع متخصصة ضمن جهود وطنية شاملة.
وأشار إلى أن حرق الغابات يؤدي إلى عكس آثار عزل الكربون وإطلاق الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي وتغيير نمط سطح الأرض وزيادة امتصاص الطاقة الضوئية من الشمس على شكل حرارة، لافتا إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى زيادة الظروف الحارة والجافة التي تساعد على انتشار الحرائق وامتدادها بشكل أسرع وكذلك طول فترة الحريق وزيادة شدته لارتفاع درجة الحرارة.

مدير إدارة الأرصاد الجوية في وزارة النقل رائد آل خطاب، بين أن شهر تموز الماضي يعد ترتيبه الثالث ارتفاعا في درجات الحرارة على مدى مئة عام الماضية، لافتا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة مع تسهم بشكل أكبر في انتشار النيران على نحو أسرع.

وأشار آل خطاب في حديثه إلى أن إدارة الأرصاد الجوية تعمل على إرسال التحذيرات أولا بأول إلى المؤسسات والدوائر الحكومية، فضلا عن ارتباطها مع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.

المؤرخ الدكتور علي محافظة، لفت إلى اهتمام الأردن منذ تأسيس الدولة بالتشجير والغطاء الأخضر، مشيرا الى جهود الجهات الرسمية المعنية في هذا السياق.
وأشار الى مبادرات إشراك طلبة المدارس والجامعات في عمليات التشجير منذ ستينيات القرن الماضي، وفعاليات التحريج في يوم الشجرة سنويا، ومشاركة القوات المسلحة الأردنية في حملات التشجير وتوفير الأدوات والمواد لهذه الغاية.