هل تكف واشنطن عن انحيازها وتعمد إلى إنهاء العدوان؟

الدمار الكبير إثر الغارات الإسرائيلية على أحياء متفرقة من مدينة غزة-(وكالات)
الدمار الكبير إثر الغارات الإسرائيلية على أحياء متفرقة من مدينة غزة-(وكالات)

ما يزال الاحتلال ماضيا في شن حملة تطهير عرقي ضد الفلسطينيين في غزة، ولم يكتف بعد بأعداد الشهداء والجرحى خلال عملية الإبادة الجماعية لسكان القطاع، بينما تعلو أصوات يمينية متطرفة، داخل الكيان وخارجه، تطالب بعدوان بري واسع، بزعم اجتثاث حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وإنهاء وجودها نهائيا.

اضافة اعلان


العملية التي نفذتها كتائب القسام، الجناج العسكري لحركة (حماس)، تحت اسم "طوفان الأقصى"، يوم السابع من الشهر الحالي، أربكت الاحتلال، وجعلت حساباته غير دقيقة على أرض الواقع، فهو أرادها حربا للثأر، تبدأ بضربات كثيفة، وتنتهي بعدوان بري واسع على قطاع غزة المحاصر. طبول الحرب التي يقرعها الاحتلال، تعلو تارة وتهدأ أخرى، وغالبا ما تستخدم طبلا "مثقوبا" في تصريحات شديدة اللهجة بالعدوان العسكري البري، من دون أن يتم ذلك حتى الآن، برغم أن جيشه غرز جنازير دباباته في غلاف غزة، منتظرا الطرقة الأخيرة لإعلان العدوان وبدء الحرب.


ومن حجج المطر والسماء الملبدة بالغيوم التي أخافت المنظومة العسكرية الإسرائيلية، ودفعتها قبل ثلاثة أيام إلى تأجيل تنفيذ العدوان، إلى الرغبة بالاستعداد التام واستثمار عنصر المفاجأة، وأخذ الوقت الكافي لإجلاء مستوطنات غلاف غزة، واستدعاء قوات الاحتياط، إلى غيرها من التبريرات، يقول مراقبون إن الاحتلال غير مستعد بالفعل لمثل هذه المواجهة، والتي قد تكبده خسائر فادحة بين صفوف عسكره.


لكن العنوان الأوضح اليوم، هو التخبط في القرارات واختلاف في وجهات النظر بين بعض السياسيين في المشهد الحزبي والائتلاف الحكومي حول طبيعية وحجم العدوان المنوي تنفيذه، فالإخفاق الأخير أقلق المنظومة العسكرية وأربك قرارتها، وحصول فشل آخر سيرمي بهم إلى الهاوية. 


"طوفان الأقصى" كانت معركة نفسية بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي قبل كل شيء، ليستشيط غضبا بعقل غير متزن بقتله المدنيين والأطفال في قطاع غزة، الأمر الذي لا يعد أنجازا ولن يحقق له راية النصر.. فهل ستأمر قوات الإحتلال جنودها بالتوغل داخل قطاع غزة أم أنها ستكتفي بقتل الأبرياء؟


غضب وثأر


الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، قال إن شباب غزة المكلوم اليوم، في حالة نوعية استشهادية، يتملكها الغضب والثأر، فهم الآن يكاد لا يخلو بيت في القطاع لم يفقد عزيزا أو قريبا، سواء بحرب طوفان الأقصى أو ما سبقها من حروب وانتهاكات بحقهم. 


أمّا بالنسبة لكتائب القسام، وغيرها من الفصائل والكتائب، أوضح الرنتاوي أنه بالتأكيد قد دار في عقولهم سيناريو التوغل العسكري، الأمر الذي من الممكن أن تفاجئ به مرة أخرى جيش الاحتلال الاسرائيلي بضربة حقيقية أشد قسوة على أرض القطاع، مشيرا إلى أن هذا النوع من الحرب البرية تتفوق به فصائل المقاومة على نظيرتها. 


كلف الاجتياح البري


وأشار الرنتاوي في حديثه لـ"الغد"، إلى أن حكم الكلف السياسية التي سيدفعها الاحتلال، يعتمد على نتيجة الحرب، فهي الآن بحاجة لترميم فتات صورتها المنكسرة، أمام شعبها وباقي الدول بالنصر على حماس ورد الصاع صاعين.


ولكن بالنظر لقابلية وجاهزية الجيل الحالي من جيش الاحتلال الإسرائيلي، يرى الرنتاوي أن خوف الاحتلال الإسرائيلي، بات يكمن في الكلفة البشرية التي ستترتب عليه، مشيرا إلى  أن جندي الاحتلال اليوم، ليس نفسه من 60 عاما، فهو أقرب للموظف نتيجة الهشاشة والشروخ والانقسامات التي أصابت الحكومة الإسرائيلي خلال سنوات سابقة. 


وباعتقاد الرنتاوي، فإن التوغل البري خيار "خاطئ"، مشيرا في حديثه الى تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن حول هذا الأمر، بأنه خطوة خاطئة، وإن تم الاجتياح، فقد يجعل الحرب في غزة إقليمية بامتياز وبالتالي استدراج الجبهة الشمالية للمشاركة ما سيستفز الكثير من الأطراف لنصرة حزب الله من مليشيات في سورية، إلى حوثيي اليمن، ومرورا بالحشد الشعبي في العراق. 


بايدن وقمة عمان.. ماذا سيتغير؟


وركز الرنتاوي على نقطة جاهزية واشنطن لخوض حرب إقليمية جديدة شاملة في الشرق الأوسط بعد العراق وأفغانستان، بعد كل انشغالاتها في أوكرانيا، وبعد التغطية على حرب أوكرانيا والخدمة الجليلة التي قدمتها أحداث غزة الى بوتين، ما يثير احتمالات عديدة في هذا المنحنى لأوجه الصراع، وسط تحذيرات بعدم التصعيد من قادة دول المنطقة. 


وبعد الإعلان عن قمة رباعية تستضيفها الأردن اليوم، تضم، إلى جانب جلالة الملك عبدالله الثاني، كلا من: بايدن والرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس، اعتبر الرنتاوي أن في جعبة بايدن رسائل دعم للجانب المحتل الإسرائيلي، ورسائل طمأنة للحلفاء العرب، بخاصة بعد إدراكهم بأن واشنطن لا ترى إلا مصالح الاحتلال فقط. 


وأضاف أن رسائل بايدن المطمئنة الوحيدة التي يمكن أن يطرحها  للزعماء العرب، تتجلى بالموافقة على ملف الممرات الإنسانية والذي قارب على النضوج. 


حل الدولتين


ويرى الرنتاوي، بأن الاحتلال الإسرائيلي غير مستعدة لمناقشة فكرة حل الدولتين في الوقت الحالي، حتى على الرغم من تأييد الرئيس بايدن لهذا الحل، والذي قد يكون منبعه غايات وسبل لتحقيق نجاح في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وبالتالي فإن بايدن سيكون مدفوعا بمصالح انتاخبية له. 


وأوضح أن الاحتلال يستغل الدعم القوي الأميركي الغربي الذي من الممكن ألا يتكرر في الأعوام المقبلة، بتفعيل مشروع التهجير في غزة، والذي سيمتد إن نجح  إلى الضفة الغربية بالحجج والأسباب نفسها، وبالتالي يكون الاحتلال قد أحال الكارثة التي ألمت به في الـ7 من تشرين الاول (أكتوبر) إلى فرصة للخلاص من كل الملف الفلسطيني.


ويبدو أن زيارة بايدن الذي سينتقل إلى كيان الاحتلال ليلتقي قادته اليوم أيضا، تحمل في جعبتها محاولات لتجنيب المنطقة كارثة تحيق بها، وهي تقف على أعتاب توسع لحرب الاحتلال على غزة، قد توصلها إلى حرب اقليمية شاملة، لكن أحدا لا يعلم كيف سيكون ذلك، ما يترك سؤال طريق الخروج من عنق الزجاجة، ومنع إنزلاق المنطقة إلى داخلها دون إجابة، حتى الآن على الأقل.


الاحتلال: كلف أمنية وأزمة سياسية


وحول الكلف السياسية التي سيدفعها الاحتلال، إذ ما توغل جيشه بريا، اعتبر الباحث والمحلل الإستراتيجي عامر السبايلة، بأن الاحتلال دفعها مسبقا في الـ 7 من تشرين الاول (اكتوبر)، الذي خلق أزمة أمنية سياسية عسكرية استخبارتية في داخله. 


وبالنظر لما حدث، فهو كان عاملا مهما بالنسبة للاحتلال، بتوحيد الدعم من الجانب الأميركي والأوروبي واعتباره أولوية، وتكمن الأزمة الحقيقية بانتقال الصراع إلى الداخل، مما سيحمل الاحتلال تكلفة أمنية، وخلقه لأزمة سياسية متكاملة، وإن استطاع حزب الله القيام بعمليات لو كانت متفرقة، فهذا سيؤدي إلى صراع إقليمي. 


ولفت السبايلة، إلى أن التوغل العسكري لا يمكن أن يتم في المرحلة الحالية، نظرا لعدم استكماله الأولويات المطلوبة، وهي استمرار القصف وتعميق الأزمة الإنسانية في القطاع، لتحقيق هدف التفريغ الديموغرافي ليتشكل لدى الاحتلال عمق أمني مستقبلي في القطاع، حسب السبايلة الذي أكد أن الضوء الأخضر من أميركا، شكل عاملا مهما بتحقيق هدفه وانهاك القطاع.


كما شدد السبايلة، أنه وخلال زيارة الرئيس بايدن الى المملكة، للمشاركة في قمة عمان، فسيسعى للحصول على مباركة لما يفعله الاحتلال لاجتثاث "حماس"، وهو ما تريده واشنطن، بالإضافة  الى تأمين الاحتلال وتعزيز تحركاته. 


لكن ذلك، هو الأمر الذي لم يتمكن من تحقيقه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، الذي زار المنطقة والتقى الزعماء العرب، لكنه فشل بتمرير رغبة الإدارة الأميركية، وعلى الأرجح، فإن رغبات بايدن ستواجه المصير نفسه في هذا الجانب.


وباعتقاد السبايلة، فإنه سيجري الدفع باتجاه حلول عملية للتعامل مع الأزمة المفتعلة، ويمكن أن يكون هناك ضغوط تشكل بداية لحل عملي جيوسياسي.

 

اقرأ المزيد : 

"طوفان الأقصى".. يفضح مزاعم مصداقية الإعلام الغربي