إلى وزير الصحة ونقيب الأطباء

لم أتعود أن اكتب عن مشاكل أو تجارب شخصية، ولكني مضطر أن أكتب عن معاناة شخصية بعد أن عشت تجربة علاجية جعلتني موضع ابتزاز واستغلال ممن يستغلون أمراض الناس وآلامهم ليزيدوا من أرباحهم على حساب سمعة أشرف مهنة في العالم، هي مهنة الطب.اضافة اعلان
أكتب عن تجربتي لعرضها على وزارة الصحة ونقابة الأطباء ليعرفوا أن أوضاع العلاج الطبي في الأردن ليست بخير، وأنه إذا كان الأردن يتغنى بالسياحة العلاجية، فإن العديد من الأطباء والمستشفيات يتعاملون مع المرضى، أردنيين وغير أردنيين، بمفهوم سياحي أكثر منه إنساني.
في الشهرين الماضيين عشت تجربة علاجية جعلتني أتعامل مع ثلاثة مستشفيات أردنية خاصة، وأطباء استشاريين كبار، اكتشفت خلالها فعلا أني مغترب وأني لا أعرف الأردن وما حصل فيه، وأن الأردن الذي كنا نحلف فيه بحياة الطبيب ونسلمه حالنا وحياتنا أصبح غير.
قبل نحو شهرين قررت أن أجري عملية جراحية "لزق فتاق جدار البطن"، وهي عملية عادية وبسيطة أسهل من عملية الفتاق العادية. وسلمت نفسي للطبيب الجراح الذي اتفقت معه وفق نظام "المبلغ المقطوع" أي "مقاولة": يأخذ الطبيب منك مبلغا مقطوعا يتضمن أجرته وتكاليف المستشفى.
وقرر الطبيب الجراح أن يجري العملية في أحد المستشفيات مقابل مبلغ مقطوع قدره 1300 دينار على أساس النوم ليلتين بعد العملية في المستشفى. وأجريت العملية في المستشفى الذي أعترف وأشهد له بأن خدماته التمريضية وعنايته أفضل من غيره من المستشفيات التي دخلتها بعد ذلك.
وفي نظام "المقاولة" أو المبلغ المقطوع لإجراء العمليات الجراحية، يعمل الطبيب قدر الإمكان على توفير ما لا لزوم له للمريض ليحقق ربحا أكثر. وتوفيرا لما لا لزوم له خرجت من المستشفى في اليوم التالي للعملية؛ وأعترف أنه برضى مني لأني أكره الإقامة في المستشفيات، ويا ليتني ما خرجت. لأنه بعد يومين من خروجي من المستشفى حصلت معي مضاعفات (انسداد في الأمعاء) اضطرتني للعودة للمستشفى، وهذه المرة مستشفى آخر.
وفي المستشفى نمت ليلة واحدة عالجني خلالها الطبيب الجراح نفسه بالمحاليل والأدوية المطلوبة إلى أن تحسنت حالتي ثاني يوم، وخرجت من المستشفى على أساس أني معافى وسليم (وكلفتني هذه الليلة 234 دينارا أجرة مستشفى).
ولكن بعد يومين عادت لي المضاعفات السابقة (انسداد الأمعاء). وراجعت طبيباً استشاري أمراض هضمية قيل لي إنه شهير في تخصصه، وهو عراقي. وبعد الكشف علي أوهمني بأن حالتي خطيرة، وأنه يجب أن أدخل المستشفى فورا، وأن الطبيب الذي عالجني قبله لا يفهم، وأن الأمر قد يحتاج إلى إجراء عملية. ولأنه دكتور مهم، فهو لا يتعامل سوى مع مستشفى معين مقابل لعيادته.
ودخلت المستشفى (في غرفة درجة أولى لا يختلف مستواها عن مستوى المستشفيين الأولين)، وأدخلوا لي أنبوبة من أنفي لأمعائي ونمت ليلة تحت العلاج. وبعد أن وجدوا أني لا أحتاج إلى عملية خرجت ثاني يوم على أساس أني معافى وسليم، وفوجئت بأن فاتورة العلاج 840 دينارا مقابل ليلة واحدة للعلاج (منها 150 دينارا للدكتور المعالج، و70 دينارا لدكتور استشاري جراحه زارني بناء على طلب الدكتور المعالج، والباقي أدوية ومحاليل و3 صور أشعة). وهذا المبلغ أخذ مني بدون عملية أو تنظير. وحين شكوت لهم من هذه القيمة المبالغة في الفاتورة، أجابوني "هذه أسعارنا وإذا لم يعجبك راجع المدير".
المهم خرجت على أساس أني سليم ومعافى، ولكن بصراحة كان يعتصرني ألم من نوع آخر على مثل هذا الابتزاز الذي تعرضت له في مستشفى يبدو أن على المريض ان يدفع ثمن شهرته. وبعد يومين عادت لي المضاعفات نفسها وهاتفت الطبيب العراقي نفسه الذي عالجني بفاتورة الـ840 دينارا، فطلب مني التوجه إلى المستشفى الأول مرة ثانية وأخذ صور أشعة في قسم الطوارئ لأمعائي لمعرفة ما بي تمهيدا لإدخالي المستشفى مرة ثانية.
وذهبت وأخذت صورتي أشعة. وقال لي الطبيب المناوب "لا شيء يستدعي دخولك المستشفى، كل ما تحتاجه أن تشرب سوائل كثيرة". وطبعا لم أقبل أن أراجع الدكتور الاستشاري خوفا من طمعه واستغلاله.
وبقيت لنحو شهر أعاني بين وقت وآخر من انسداد "جزئي في الأمعاء" إلى أن ذهبت إلى طبيب آخر استشاري لأمراض الجهاز الهضمي، وجدت اسمه صدفه في كتيب طبي. وبالفعل أبلغني هذا الطبيب أن سبب ما يجري معي هو فشل عملية "لصق جدار البطن"، وطلب مني إجراء صور "سيتي سكان" للتأكد من ذلك. وبالفعل، أكدت الصور فشل العملية الأولى وأني بحاجة إلى عملية جديدة لإزالة الالتصاقات وللزق جدار البطن بشبكة. وحين راجعت الطبيب الجراح الذي أجرى العملية أبلغني أن فشلها ليس من مسؤوليته، وأني بالفعل بحاجة إلى عملية جديدة، وطلب مبلغ 500 دينار أجرة له لإجراء العملية، مشيرا إلى أنه سيستعين بطبيب آخر معه، ونحو ألف دينار للمستشفى.
وحين سألت أحد الأطباء الأصدقاء عما إذا كان من الممكن أن أشكو لنقابة الأطباء، رد قائلا: "بصراحة من النادر أن تقف نقابة الأطباء معك أو مع أي مريض ضد طبيب عضو فيها".
ولا أدري لمن يشكو مريض صدّق إعلانات الترويج السياحي للأردن والتي تشيد بالسياحة العلاجية فيه وبمهارة أطبائه (ولا تتحدث عن فقدان إنسانية بعض هؤلاء الأطباء). فطبيب جراح من أجل أن يوفر، لا يجري الفحوصات اللازمة قبل إجراء العملية ولا بعدها، حتى يتأكد أن العملية سليمة؛ واستشاري -شهير- كان همه أن أدخل المستشفى الذي يتعامل معه وفق نسبة على ما يبدو، ويعالجني من دون أن يصارحني بأن العملية فاشلة، أو أنه لم يكتشف فشلها، وفي هذا إساءة لسمعته بأنه أشهر اختصاصي في علاج أمراض الجهاز الهضمي.
إن التجربة العلاجية التي عشتها خلال الشهرين الماضيين، وإن كانت خاصة، تشير إلى أوضاع العلاج الطبي في الأردن الذي يتغنى بأنه إحدى الدول العربية الأولى في السياحة العلاجية. وهي أوضاع تتطلب تدخل وزارة الصحة ونقابة الأطباء.