تبديد موارد الاقتصاد

منذ بداياتها الأولى، تخلو مسيرة الاقتصاد في الأردن من أي مؤشر على امتلاك الإرادة الجادة لبناء اقتصاد وطني متماسك، قادر على مواصلة النمو واكتساب المناعة الكافية لمواجهة ما يمكن أن يتعرض له من صدمات لأسباب داخلية أو خارجية. وبدلاً من ذلك، توارت إرادة التنمية والتطوير خلف مقولة إن الأردن بلد فقير الموارد، وبُذلت الجهود لزراعتها في أذهان الأردنيين، حتى وضعتهم وجهاً لوجه أمام سياسة مد اليد للأشقاء أو لمن نسميهم الأصدقاء، رغم ما تركته على الأردن والأردنيين من آثار لا تليق بهم وبقدراتهم وعصاميتهم. وليس أدل على الافتقار للإرادة الجادة لتنمية وتطوير الاقتصاد، من حال الموارد الاقتصادية الأساسية من ثروات أرضية ومائية وبشرية ومالية.اضافة اعلان
الأرض التي تصلح للزراعة يأكلها التوسع العمراني. والمراعي التي يمكن أن تحيي الأرض وتمنع تصحر 70 % من أراضي المملكة، وتوفر ما قيمته عدة مئات من الملايين من الأعلاف، مسّتها التنمية على استحياء. والأراضي التي سُجلت حراجاً على أمل تحريجها، ليتها بقيت على حالها بدون تحريج! فقد تم الاعتداء عليها رسمياً، ما شجع الاعتداء عليها من قبل المواطنين أيضاً، وظهرت عيون كثيرة تتربص بالغابات الطبيعية بدون كلل. أما الثروات المعدنية والطاقة، فلم نكد نسمع سابقاً بالصخر الزيتي. وتعرضت ثروات الإسمنت والبوتاس والفوسفات لإهمال وسوء إدارة وفساد، لتنتهي إلى خصخصة شبهتها سرقة عوائد الفوسفات.
الثروة المائية جاءت سياساتها بمثل ضعف سياسات الأراضي. فالجاري منها تأخر حصاده كثيراً على مستوى السدود على المجاري المائية؛ وفي البادية، موطن الرعي والمراعي، لم يزل حصاد المياه في بداية البدايات. ولم يكن الوضع بشأن المياه الجوفية أفضل منه في المياه السطحية، إذ اتسمت إدارتها بالعشوائية وغياب العدالة عن فرص الاستفاده منها، وانتشرت الآبار غير المرخصة، واستنزفت مياهها من قبل أصحاب الآبار دونما رقابة. وفي مياه الشرب، ما تزال نسبة فاقد الشبكات تتجاوز 45 %، وهي تتعرض جهاراً للسرقة من قبل متنفذين يستهترون بالقانون وبسلطة الدولة.
المورد البشري تعرض هو الآخر للتشويه؛ إذ دُفع آلاف الشباب إلى الجامعات دفعاً، بدون التفات للتخصصات العملية المطلوبة لسوق العمل، أو اهتمام بالتخصصات المهنية الوسيطة المساعدة لها. وقد نتج عن ذلك عجز واضح في تخصصات مهنية وعملية أساسية في سوق العمل، تقابلها تخمة في بعض التخصصات الجامعية. وعندما أخفقت استثمارات التنمية في إتاحة ما يكفي من فرص العمل، اندفعت الحكومة إلى استيعاب أضعاف احتياجاتها بوظائف زادت من البطالة المقنعة لديها، وأربكت أداء أجهزتها، وأرهقت الخزينة بفاتورة رواتب مضاعفة. ومن ناحية أخرى، تركت إدارة مصالح وحقوق العمال لاتحاد بائس لنقابات العمال، تكفل باحتواء مطالبهم وتطلعاتهم.
مورد رأس المال الذي يوفر التمويل لمشاريع التنمية يواجه مأزقاً مثل باقي الموارد. فخزائن البنوك التي كانت تفيض بأموال لا تجد لها طريقاً لطالبي التمويل لمشروعات يحتاجها ويطلبها السوق، لم تجد جهداً منسقاً مشتركاً من الحكومة والبنك المركزي والبنوك للإفراج عن الأموال المكدسة في هذه الأخيرة ووضعها في خدمة المشاريع التنموية. وبدورها، أفضت برامج التمويل الحكومية إلى فشل بنك التنمية الصناعية، واللجوء إلى خصخصته. كما أخفق التدخل الحكومي في الحركة التعاونية، إذ تم إغلاق البنك التعاوني، ففقدت التعاونيات مصدر تمويلها، وانحسر نشاطها إلى حد كبير. وحدها مؤسسة الإقراض الزراعي حافظت على دورها، لكنها إلى اليوم لم تتحول إلى مؤسسة لتمويل التنمية الريفية بدلاً من تمويل التنمية الزراعية فقط.

[email protected]