تجربتنا مع باراك أوباما

يُفترض بتجربتنا مع باراك أوباما، مرشّح الحزب الديمقراطيّ للرئاسة في الولايات المتّحدة، أن يكون لها دور تنبيهيّ. ففي العالم العربيّ، لا سيّما في أوساط الممانعين من كارهي أميركا، ظهرت تعابير متفاوتة عن تأييد أوباما وتمنّي فوزه. بل ذهبت مبالغات قليلة إلى أن الرجل في حال وصوله إلى الرئاسة في بلده سوف يقدم على تعديلات جوهريّة، ليس فقط في الشأن الأميركيّ الداخليّ بل أيضاً في خصوص الموقف من الدولة العبريّة.

اضافة اعلان

لكن هذا ما لم يحصل إطلاقاً. فما إن فاز أوباما على منافسته على الترشّح الديمقراطي، هيلاري كلينتون، حتى أصدر في "إيباك" مواقف ليست مألوفة في توكيديّتها، عن القدس كعاصمة لإسرائيل وعن الالتزام بدعمها الذي يرقى لديه الى "تعهّد مقدّس".

هكذا توقّفنا عند لون أوباما الأسود وعند اسم أبيه، حسين، أكثر مما فعلنا حيال القضايا الأعمق المتّصلة بالولايات المتّحدة وسياساتها وإجماعاتها. وحتّى في ما خصّ اللون واسم الأب المسلم، لم يدفعنا الأمر الى تقصّي الدلالات الفعليّة والأهمّ، أي الطبيعة الجديدة للمجتمعات التعدّديّة، لا سيّما منها الولايات المتّحدة، حيث بات في وسع "الأسود" و"المسلم" أن ينافس جدّيّاً على رئاسة الجمهوريّة، وأن يصل، ربّما، إليها. وطبعاً، لم يخطر لأيّ من الممانعين كارهي أميركا لسبب أو غير سبب اعتماد المقارنة بينها، من خلال أوباما وتجربته، وبين طائفيّاتنا وعنصريّاتنا على أنواعها الكثيرة.

وكان مما غاب عن بالنا، أو، في أحسن الأحوال، بقي ضمن المسكوت عنه لدينا، أن أوباما، تبعاً للمواصفات التي نُسبت إليه، أو عبّر عنها فعلاً، مدعوّ أكثر من أيّ مرشّح آخر لأن ينفي عن نفسه نعت اللاساميّة مما غدا التبرّؤ منه قاسماً سياسيّاً ومجتمعيّاً مشتركاً في عموم الغرب، وبالأخصّ الولايات المتّحدة. وإذا صحّ هذا عموماً فهو يصحّ خصوصاً حين يكون مرشّحاً للحزب الديمقراطيّ، حزب تحالف الأقليّات التاريخيّ. وجدير بالذكر أن ثمّة أعداداً من المحلّلين الذين يرون أن انفراط حلف الأقليّات إنما بدأ بالخلاف الأسود – اليهوديّ ونجم عنه، وهو الخلاف المولود من رحم هزيمة 1967 العربيّة.

وكان لافتاً أن الذين سرّوا بموقف أوباما الداعي الى الانسحاب من العراق، فاتتهم أيضاً أشكال صناعة القرار السياسيّ الأميركيّ وحدود إجماعاته واستمراريّة اشتغالها، كما فاتهم التمييز بين الحملات الانتخابيّة و"أدبيّاتها" اللفظيّة وبين الإلزامات والالتزامات الضمنيّة. من هذا القبيل، جاء الكلام على معاهدة أمنيّة بين الولايات المتّحدة والعراق ليضع مزيداً من الصعوبات أمام أيّة رغبة قاطعة في تنفيذ الانسحاب العسكريّ، أصدرت هذه الرغبة عن أوباما أو عن سواه.

هكذا تحدّثنا، ولا نزال، من موقع خارجيّ لا نفهم الاجماعات الأميركيّة، بل نؤوّلها تبعاً لأمانٍ ذاتيّة أو كانعكاس لشروط أوضاعنا العربيّة ذاتها. وكان الأنكى من هذا كلّه أننا استخدمنا اللون والاسلام ذريعةً ولم نُعنَ فعليّاً بالموضوعات المثارة، بل أبدينا من ضروب عدم الاكتراث بالسود وبالمسلمين، كبشر أفراد، ما لا يعوّضه الانتصار الخطابيّ والانشائيّ للإسلام وللعدالة.

على أننا نبلغ إلى ذروة عدم الفهم إذ نتطرّق الى العلاقة بإسرائيل، غير مكترثين بتاتاً بحقيقة أن تبنّي الدولة العبريّة واحتضانها باتا بين الإجماعات القليلة جدّاً التي تخترق الحياة السياسيّة الأميركيّة من يسارها الى يمينها وبالعكس.

وبعض ما يعنيه هذا أننا حين نبني استراتيجيّاتنا وخططنا مطالَبون بأخذ هذا العنصر الكبير في الحسبان، مختارين أم مضطرّين، بحيث لا نؤخذ بالمفاجأة التي لا تكفّ عن التكرار.

ويُخشى، في هذه الغضون، الوقوع في فخّين نهدسهما بأيدينا، واحد يمكن أن ندعوه التشاطُر والتذاكي، مفاده الرهان على قوّة ذاتيّة ما في حوزتنا تتيح لنا التلاعب على العلاقات الأميركيّة – الإسرائيليّة والاستفادة من "توسيع التناقض" بين الطرفين. أما الفخّ الأدعى للبؤس، والأشدّ خطراً علينا، فهو أن نفهم من تجربة أوباما "أنهم جميعاً سيّئون"، و"أنهم كلّهم ضدّنا". وهكذا يكتمل انسحابنا من العالم المعاصر الذي لا يتبقّى في يدنا من وسائل فهمه إلاّ أداة القياس بالمؤامرة!

إذاً كلهم سيئون.