سرقة المياه جريمة اقتصادية

عندما تحدث أكثر من 25 جريمة اعتداء يوميا على خطوط المياه في الأردن، وكذلك الاستنزاف المؤذي للمياه الجوفية؛ تكون ذات قيمة ومعنى، وتستحق كل الدعم من الإعلام والقضاء وباقي الأجهزة التنفيذية، تلك الحملة التي أطلقتها الحكومة قبل أشهر لتضييق الخناق على مرتكبي الجرائم بحق هذا المورد الحيوي الشحيح.اضافة اعلان
الحديث الرسمي عن نحو 800 حالة اعتداء شهريا، وأكثر من 8400 حالة اعتداء سنويا على مصادر المياه، يستدعي وقفة مجتمعية حقيقية تدين هذا السلوك الإجرامي الذي يعتدي على حقوق الدولة وأفرادها اقتصاديا، علاوة على مساسه مباشرة بسيادة القانون، وما في ذلك أيضا من تغييب لمفهوم العدالة لحساب أصحاب النفوذ الذين يتصدرون قائمة المعتدين على هذه الثروة الوطنية.
جغرافيا، الجريمة مفتوحة في كل البلاد. فخطوط المياه الرئيسة في العاصمة تتعرض للسرقة، وكذلك الأمر في المحافظات. وحفر الآبار المخالفة التي تستنزف رصيد المياه الجوفية، يتم في أحواض عمان والجيزة والزرقاء وديرعلا والأزرق والمفرق والكرك ومعان. ولعل ارتفاع النسبة التي أعلنتها الحكومة بهذا الشأن، تنذر بخطر كبير. إذ إن سرقة المياه والاستخدامات غير المشروعة تشكل 70 % من إجمالي الفاقد المائي. ويشكل كل 1 % من الفاقد مليون متر مكعب، لترتفع الخسارة إلى مليون دولار لكل مليون متر مكعب.
إذن، الأمر يستدعي الحزم. فالخسائر مليونية، وأنماط الجريمة تتسع وتتزايد، وتأخذ أبعادا جدية يوميا تبعا للأرقام والإحصاءات، ولا سبيل إلا إنهاء هذا السلوك الاجرامي بموجب القانون، وتحقيق عدالة اقتصادية غائبة في هذه الشأن. ولعل تعديل قانون العقوبات في سياق تكييف طبيعة هذه الجريمة، هو ضرورة ملحة. فهي جريمة اقتصادية بامتياز، بل هي واحدة من أخطر الجرائم الاقتصادية، وينبغي تغليظ العقوبة بحق مرتكبيها بعد ان اتسعت رقعة العبث والسرقة لمورد شحيح.
الحملة التي بدأت في شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (أكتوبر) الماضيين، وقفت على مخاطر وتهديدات عديدة، وحولت عشرات القضايا للمحاكم، كما أنهت آلاف الاعتداءات على خطوط مياه رئيسة. لكنها، مع ذلك، تحتاج ذراعا قانونية أكثر قوة للجم هذه الجريمة. فثمة من يسرق المياه من مصادرها، ليقوم ببيعها في مناطق أخرى في صهاريج، مع غياب شروط الصحة والسلامة. وهناك من يطلق النيران على خطوط مياه في الصحراء ليسقي ماشيته. وثمة من يتلاعب بالعدادات في العاصمة والزرقاء وإربد، على نحو ممنهج. فيما الأخطر من يحفر آبارا تسرق ما تبقى من مياه جوفية. وكل هذه الممارسات وغيرها تستلزم أدوات قانونية صارمة لمواجهتها.
في تقديري أن الحملة الحكومية للقضاء على هذه الجريمة الخطيرة، تحتاج إلى أدوات تتعدى بيروقراطية أجهزة الدولة. كما أن الغرامات المالية الكبيرة، وفصل المياه، وتحويل المخالفين إلى لجان السلامة العامة لدى الحكام الإداريين، وحرمانهم من قروض زراعية، أو فصل التيار الكهربائي عنهم، وسواها من العقوبات، لن تحدث فرقا في سيرة هذه الجرائم الممتدة. ولعل تكييف هذه الجرائم بوصفها جرائم اقتصادية، سيعني الكثير لمرتكبيها. فالمسألة ستكون بذلك قد دخلت في إطار الجرائم التي تمس الأمن الاقتصادي، وتقع ضمن أولوية الحكومة للحسم بشأنها. وهذا وحده ما سيحدث فرقا، ويضع حدا لهذه الجرائم التي ترتكب في النهار لا في الليل، ويقودها متنفذون "كبار"!

[email protected]

alghadnews@