سورية: شعب ثائر في الداخل ومعارضة "بعضها خائن" في الخارج

من حق الشعب السوري أن ينتفض ويثور ضد نظامه الذي استباح دمه؛ ومن حق المعارضة السورية أن تدعو إلى إسقاط النظام الذي اعتمد الحل الأمني والقمع والقتل لحل الأزمة التي تمر بها سورية، ولكن ليس من حق المعارضة السورية (التي في الخارج) أن تخون بلادها. والمعارضة التي تخون بلادها هي التي تدعو إلى تدخل عسكري دولي ضد النظام على طريقة ما حدث في ليبيا. صحيح أن القدرات العسكرية السورية يستخدمها النظام لقتل المتظاهرين والمحتجين، ولكن قدرات سورية العسكرية هي ملك سورية في النهاية، وتدميرها هو تدمير لقوة سورية وإنهاء لها ولدورها في المنطقة.اضافة اعلان
كتبنا سابقا عن التدخل الغربي الذي يريد تحويل سورية من دولة "مقلقة" إلى دولة "قلقة"، وذلك لإنهاء دورها الإقليمي الممانع والمقلق للقوى الإقليمية والدولية في عالمنا العربي، وأن الغرب لا يريد إسقاط النظام في سورية بقدر ما يريد إضعافه وإلهاءه بمتاعب أمنية داخلية تستنزف النظام وتمنعه عن الإمساك ببعض أوراق قوته الإقليمية. وفي هذا مصلحة أيضا لبعض أنظمة العجز العربي التي ضعف دورها وترهل في العالم العربي، وتريد إضعاف الدور السوري.
وكتبنا أن النظام السوري يتحمل المسؤولية عن إيصال سورية إلى ما وصلت إليه، وإلى إسقاط وإنهاء دورها وإضعافها إلى درجة أن السلطات السورية غير قادرة على منع سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من التحرك بحرية في سورية للاتصال مع المعارضين للنظام والتدخل بشؤونها والتصريح العلني ومن داخل دمشق ضد النظام.
كم يرثي العربي المخلص لعروبته ولسورية أن يصل الحال بسورية إلى هذا الوضع! شعب ثائر يستبيح النظام الأمني دمه، شعب أصبح مستعدا للمقاومة المسلحة ضد النظام دفاعا عن نفسه وأصبح مستعدا لتلقي السلاح من الخارج لمواجهة جيش النظام و"شبيحته"، ولكنه غير مستعد لأي تدخل خارجي عسكري وغير عسكري في بلاده كما يدعو بعض المعارضين في الخارج. ونظام متعنت وعنيد يرفض نصائح الأصدقاء حين يدعونه للتصالح مع الشعب. وسبق أن كتبنا في أيار (مايو) الماضي للرئيس بشار الأسد رسالة نصحناه فيها بالرضوخ للشعب، فهذا أفضل من الرضوخ لأعداء سورية الذين سيواصلون حصارها والضغط عليها إلى درجة إذلالها. أليس في تحركات سفراء الغرب الثلاثة في دمشق، والسلطات غير قادرة على فعل شيء لمنعهم، استهانة بالنظام وإذلال له؟
ومعارضة (نقصد بعض المعارضة في الخارج) "معاقة" على حد تعبير كاتب صحفي سوري معارض، تستعجل قطف ثمار دم شهداء الشعب الثائر في الداخل، وسرقة دور المعارضة في الداخل، فترهن نفسها لأعداء سورية إلى درجة الخيانة، وتدعوالغرب إلى التدخل العسكري ضد بلادها "لإسقاط النظام". هل توجد خيانة أكثر من أن يقوم بعض دعاة التدخل العسكري الدولي من أعضاء المجلس الوطني الانتقالي بنشر صور خرائط الدفاعات الجوية في سورية على صفحة الموقع الالكتروني للمجلس، وفق ما ذكرت مجلة "فورين بوليسي" بأن "الخرائط 1، 2، 3، و4 تبين مواقع دفاعات جوية سورية وبالتحديد صواريخ أرض-جو من طراز  أس-25 وأس-75 وأس-125 وأس-200 سوفيتية التصميم، ومنظومة 2 كي 12 كاب للدفاع الجوي. وهي مواقع سيتعين على أي قوة دولية أن تدمرها على ما يُفترض لفرض منطقة حظر جوي".
هذه المعارضة (التي تقول إنها سورية) تقدم معلومات لأعداء سورية لضرب الدفاعات الجوية والقدرات العسكرية لبلادها، وهل في ذلك شك أنها خيانة؟
في سورية الشعب الثائر مستعد أن يقاتل ويقتل لإسقاط النظام بنفسه ويدفع الآلاف من الشهداء، ولكنه غير مستعد لأن يقبل بقوات أجنبية تدمر بلاده بحجة "تحريره". في سورية هل ما تزال الفرصة متاحة للنظام لمصالحة شعبه بعد هذه الدماء التي سالت؟
أشك في ذلك، وإن كنت أتمنى ذلك، بشرط أن يعيد النظام لشعبه الأمان والحرية قبل الإصلاح. والأمان يعود إذا أنهى الرئيس تسلط الأجهزة الأمنية على الشعب وعزل قياداتها التي ورطت النظام بالحل الأمني الدموي.

[email protected]