سيدي الرئيس.. هذه ليست دمشق التي نعرف

سيدي الرئيس،
سأبقى أخاطبكم وأوجه إليكم رسائلي، رغم أن البعض يلومني، ويقول لي إنه لم يعد هناك أمل أو رجاء بعد هذه الدماء التي سفكت. ولكني سأبقى أخاطبكم من موقع المحب لسورية وشعبها (ويعلم نائبكم الأستاذ فاروق الشرع بمدى محبتي لدمشق وعروبتها). اضافة اعلان
وهذه رسالتي الثالثة إليكم، أحدثكم فيها عن مخاوفي وخوفي، وأقول:
أن يخاف المواطن العربي المحب لدمشق وياسمينها وعروبتها من السفر إليها، فهذا يعني أن دمشق الآن ليست هي دمشق التي نعرف ونعشق.. ليست دمشق التي كتبنا قصائد الغزل فيها، وتمسكنا بحبها حين تخلى عنها الآخرون.
أصبحنا نحن العرب الذين تمسكنا بدمشق مثل تمسكها بعروبتها نخشى السفر إليها والاطمئنان عليها، ليس خوفا من شعبها الذي يتظاهر مطالبا بالحرية والكرامة وبوقف القمع الأمني، وليس خوفا من التظاهرات والاحتجاجات وإطلاق الرصاص على الناس، بل أصبحنا نخشى أن نسافر إلى دمشق خوفا من أجهزة القمع الأمني التي من الممكن أن تعتقل أي زائر لدمشق – حتى ولو كان محبا– وتزج به في أحد سجونها التي قد لا تدري عنها سيدي الرئيس، مثلما اعتقل المهندس المصري خالد الغايش الذي قاده حظه العاثر أن يزور سورية في الأيام الأولى للمظاهرات، فوجد نفسه معتقلا في أحد سجون حمص، ولم يطلق سراحه إلا بعد ثمانية أيام بعد تدخل حكومة بلاده، ومثلما اعتقل الأردني شادي الزعبي لمدة 24 يوما لمجرد أنه سائق من مدينة "الرمثا" الأردنية كان في رحلة عمل عادية متوجها إلى مدينة درعا، إذ اعتقل وعذب على أيدي أجهزتك الأمنية بتهمة تهريب السلاح. ولو كان فعلا يهرب سلاحا، هل كان من الممكن أن يطلق سراحه؟
سيدي الرئيس،
هل تدري أن هناك 20 اردنيا اعتقلتهم أجهزتك الأمنية خلال هذه الأزمة التي تمر بها سورية لمجرد أنهم كانوا يزورون سورية؟ وقد قدم الأردن كشفا بأسمائهم طالبا إطلاق سراحهم.
يخشى المواطن العربي السفر إلى دمشق ليطمئن عليها، خوفا من أن تعتبر أجهزتك الأمنية المخلصة أن هذا الاطمئنان عملية تجسس ومؤامرة خارجية.
سيدي الرئيس،
بعض من لا يريدون لسورية الخير يتوقعون أنه حتى ولو خرج النظام الأمني في سورية منتصرا في معركته ضد الشعب، فإن سورية ستخرج بهزيمة سياسية تفقدها دورها الإقليمي المحوري "لأن العقوبات الدولية -الغربية بشكل خاص– التي تفرض على سورية الآن، ستعرض دمشق لابتزاز سياسي دولي، يطلب منها أول ما يطلب التخلي عن دورها الإقليمي المحوري (التوقف عن دعم حركة حماس، والتخلي عن حزب الله)"، أي أن تفقد سورية دورها كدولة ممانعه ضد الاستسلام للعدو.
هذا الابتزاز الدولي الذي بدأ ببعض العقوبات التي ستتصاعد، سيجعل سورية العروبة، وليس النظام، تدفع الثمن غاليا، وبالتالي سندفعه نحن العرب. وإذا كانت دمشق تعتقد أنها قادرة على التصدي لمثل هذه العقوبات والحصار، مثلما انتصرت على الحصارالسياسي الذي واجهته بعد اتهامها بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإن أوساطا عربية ودولية تقول إن هذه المرة الوضع مختلف، لأن النظام يتعرض لضغوط وثورة شعبية داخلية.
لا أريد أن أروج لمثل هذه التوقعات، وهي تمنيات عند البعض ممن لا يريدون الخير لسورية، ولكن أعداء سورية يريدون أن تتوسع المظاهرات والاحتجاجات في كل المدن السورية، وأن تتحول إلى مواجهات مسلحة، وهم مستعدون لمدها بالسلاح والمال. ولكن سيدي ما يسمح لهذه المظاهرات بالتوسع هو تصاعد القمع الذي يتعرض له شعبك، هو الرصاص الذي تطلقه قوى وأجهزة الأمن وعناصرها "الشبيحة" على الناس، هو اقتحام المدن السورية بدبابات الجيش وحصار هذه المدن وتجويع سكانها واعتقال المئات منهم. وعندما يجد الشعب نفسه يقتل أو معرضا للقتل، لا شك أنه سيلجأ للمواجهات المسلحة مع القوى التي تقمعه، وسيلجأ الناس للبحث عن السلاح وعن النجدة من الخارج، والمتآمرون في الخارج ينتظرون على أحرّ من الجمر.
سيدي الرئيس،
إن التجاوب مع مطالب شعبك، ووقف القمع وإعطاءه الكرامة والحرية ومن ثم الإصلاح، هو أفضل وأهون آلاف المرات من الاضطرار للتجاوب مستقبلا مع الضغوط الدولية المتآمرة والخضوع لها. وإذا كان اللجوء إلى الحلول الأمنية سيوقف احتجاجات وثورة شعبك –وهذا أمر نشك فيه- فإن نظامكم لن يكون قادرا على مواجهة الابتزاز الدولي والضغوط الدولية التي –لا سمح الله- ستُفقد سورية دورها الإقليمي المحوري في منطقتنا. وإذا كان النظام في السابق استطاع أن يواجه الضغوط والحصار السياسي الذي فرض عليه، فإنه استطاع ذلك لأن الشعب كان مع النظام، وكان الشعب أشرس المقاومين الرافضين لتلك الضغوط المتآمرة على بلده، أما بعد أن تصبح هناك دماء بين الشعب والنظام، فإن الشعب لن يكون معك.
سيدي الرئيس،
أعد الأمان للشعب السوري قبل أن تعيد الأمن. وأعد لنا، نحن العرب الذين نحب سورية، الأمان لنزور دمشق عاصمة العروبة والياسمين من دون خشية أو خوف.. أعد لنا دمشق التي نعرف، لأن دمشق اليوم ليست هي دمشق التي نعرف ونحب.