شد الأحزمة سبيل الإصلاح

في خضم الحديث عن أولويات الحكومة الاقتصادية ومحاربة الفساد يغيب تناول قضية حيوية، ويبدو أنها للآن لا تعتلي ما تستحق من اهتمام، وهي التي يمكن أن تكون موضع حملة مشابهة للحملات التي تديرها مؤسسات حكومية لرفع الوعي البيئي والصحي والمجتمعي وخلافه وتهدر فيها أموال أحيانا لفائدة جمعية دون أخرى!.اضافة اعلان
إن حملة لشد الأحزمة ربما أكثر أهمية، لأنها ليست فقط أحد مظاهر الحرص على المال العام، بل تعبير عن مواطنة حقة عندما تشعر بأنك تسهم في بناء مجتمع أكثر إنتاجية.
وشد الأحزمة هنا لا يقصد به بالطبع مزيد من الضغط على أفراد من الطبقة الوسطى والدنيا الكريمة التي باستقامتها لا تدخل في حسبة المنتفعين.
 إن شد الأحزمة يعني وقف أوجه التبذير الحكومي المستفزة التي نراها، وباتت مسألة لا تنتظر وخصوصا أنها تجيء في زمن الربيع العربي والثورات والهتافات المتصاعدة المنادية بعدالة مجتمعية أكبر أساسها القضاء على الفساد.
 فلا يعقل مع كل ما يحدث ومع مطالبات الاصلاح الجارفة أن يغيب عن بال معتلي المناصب العامة أن لا يكون في قاموس سلوكهم ما يدفع الشبهة عن أي توظيف للموقع العام للمصلحة الشخصية.
 إن تعزيز شعور المواطنة يقتضي أن يتعزز مفهوم "الدولة للجميع"، وأن المنصب العام ليس مطية للمتسلقين والمنتفعين، لأن الاصلاح يبدأ عندما نرى إزالة لممارسات المحاباة التي نعيش اليوم والتي فجرت هذا الاحتقان المجتمعي وضعضعة الثقة بالدولة.
أما بقاء مظاهر سوء استخدام السلطة التي تبيح لمسؤول في مؤسسة عامة أن يجير موقعه لمصلحة شخصية فمسألة مستفزة.
 ونزاهة الحكومة وصدقيتها على المحك أمام وقف تلك الممارسات التي كانت سببا في تعميق الفجوة وفقدان الثقة بين الشارع والحكومة.
 ويجب أن لا تستغفل العقول بمظاهر صورية من الترشيد التي لجأت إليها حكومات سابقة من تخفيض للإنارة أو وقف لبعض سفرات المسؤولين هنا وهناك، وتتغاضى عن مشاريع أبنية لا معنى لها في مناطق نائية أو مشاريع توسعة طرق لا تخدم إلا تجمعات سكانية قليلة في وقت تتدفق المجاري في أحياء سكنية مكتظة بالسكان ولا من مجيب.
 إن سياسة شد الأحزمة تعني إيقاف صرف سيارات المرسيدس الفارهة للمراتب العليا واختيار أصناف أقل استفزازا حتى لا تصبح صورة معتلي  المنصب العام مقرونة بالتنفيع الفج كما هي الآن.
إن سياسة شد الأحزمة تعني تفعيل رقابة مالية ومحاسبية صارمة على كل أشكال توظيف للمال العام.
 إن سياسة شد الأحزمة تعني الإفصاح تلو الإفصاح في كل عطاء حكومي والحصول على أفضل الأسعار وبنفس المواصفات وكسر احتكار المتنفعين في العطاءات.
إن سياسة شد الأحزمة والترشيد تعني فعلا لا قولا، دمجا للمؤسسات المتشابهة دمجا مؤسسيا ليس مبنيا على الأهواء والتنفيعات والفئوية التي تستثني وتقصي.
 إن سياسة شد الأحزمة تعنى تغييب المحاباة ووضع الصالح العام قبل أي اعتبار.
 إن سياسة شد الأحزمة تعني وقف استباحة الوظيفة العامة كحق مكتسب وضمن منطق محاصصة مجتمعية تخلق التبلد وإحساس المواطنة والإنتاج.