في البحث عن رغيف ساخن

التطمينات التي حملتها التصريحات الحكومية الكثيرة حول استقرار أسعار الخبز عند 16 قرشا للكيلو كانت هدية يستحقها الشعب الأردني في شهر رمضان المبارك، لكنها كانت كثيرة لدرجة تدعو للقلق فيما ستكون عليه أسعار الخبز بعد إنتهاء مدة 50 يوما التي نحتاجها لاستهلاك الـ 100 الف طن من القمح الألماني الذي تعاقدت الحكومة لشرائه بسعر 324.75 دولار للطن الواحد.

اضافة اعلان

حتى لا نعتاد "القلق"، ويصبح جزءا من طباعنا، فإن ما يجب التركيز عليه هو "الاستهلاك" الذي دفع الأردنيين الذين كانوا يعتمدون على إنتاجهم من القمح قبل عام 1950 أن يتحولوا ليصبحوا مستهلكين بالكامل للقمح عام 2010، وجعل معظم أبناء المناطق الزراعية يهاجرون إلى العواصم والمدن الصاخبة للاصطفاف في طوابير المخابز بدل تصفح أول إشراقات النهار برفقة رائحة الطابون، والخبز الساخن الذي حصد النشامى قمحه من الأرض الطيبة وطحنته الجدة وعجنته الأم بيديها الكريميتن.

"وينك يا عمي مازن القبج"؛ ترانا وقد أهملنا الزراعة وهربنا منها إلى أبعد مسافة للبحث عن المكاتب والوظائف والتناحر للحصول على بطاقة للدخول إلى ساحات الويل التي توعد به جبران الأمة التي تهمل واجباتها الأساسية حين قال: (ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر)؟

لماذا تتوجه معظم البلدان المتقدمة لدعم القطاعات الزراعية لديها، بينما تتخبط البلدان النامية ومنها الأردن لإيجاد استراتيجيات حكومية ترتكز على تفهم البعد الاقتصادي للتنمية وتظل عاجزة عن تخطيط رؤية واحدة للمنظومة الزراعية لديها، متذرعين بالكثير من العقبات مثل شح المياه ونقص الموارد والبنية التحتية الملائمة لتنوع المحاصيل التي تحظى بالحصة الكبرى من الاستهلاك المحلي، لاحظوا أن مراجعة واحدة سريعة تؤكد أن مشاركة القطاع الزراعي الأردني في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام 2006-2009 كانت حوالي 2 % فقط ، مقابل 14.4 % عام 1971، وهذا يعد انحدارا شديدا مؤرقا يحتاج إلى إعلان حالة طوارئ زراعية أردنية.

أين المبدعون القادرون على إنتاج مبادرات متخصصة وإعلامية تحارب هجرة المزارعين بدعمهم وتشجيعهم وحل مشاكلهم الواحدة تلو الأخرى وتدعو لحثّ التفكير في الشأن الزراعي بشمولية وتضع المخططات وتدق الأبواب الدولية والعربية وتجمع الجهود والكفاءات لتحفز عودة مشاركة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 15 % - مثلاً- خلال 10 أعوام فقط، أي بحلول عام 2020، وتعود بنا إلى تلك الأيام التي كنا نأكل فيها ما نزرع؟ هل نحن على هذا القدر من التحدي لإنقاذ الخبز "قوت الناس" من ساحات الويل؟

[email protected]