هل د.قورشه حقا "وسطي ومعتدل"؟

اكتشف د.أمجد قورشة، وفق محاميه، حقيقة تنظيم "داعش" بعد جريمته بحق شهيدنا البطل معاذ الكساسبة، التي أحرقت قلوب الأردنيين وفجرت غضبهم؛ وأن موقف د.قورشة اليوم ليس كما كان العام 2014. لكن هذه الحجة حيلة لن تنطلي على القضاء. فلماذا لم نسمع منه إدانة للتنظيم وأفعاله الإجرامية قبل وأثناء وبعد استشهاد البطل معاذ الكساسبة؟ وماذا عن "حمائم السلام"؛ "النصرة" و"القاعدة"؟ هل "الداعية" حامل درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية (مبتعثا من الدولة)، والمؤتمن على طلبتنا في الجامعة الأردنية، لا يميز بين "الخوارج" ودين الإسلام العظيم؟اضافة اعلان
ولنسلم جدلا أن الله أعاد إليك رشده، فاكتشفت الحقيقة المُرّة. طيب، ماذا عن أقواله وفتاواه التي تسمم الوحدة الوطنية وتهدد السلم الاجتماعي وتزرع الفتنة؟ يكفي تصفح صفحة د.قورشة على "فيسبوك"، وتتبع نشاطاته المتعددة؛ المقروءة والمسموعة والمرئية، لتجد عشرات المواقف التي يوجب كل واحد منها إحالته الى القضاء. فهو مؤيد لداعش و"النصرة"، ويهاجم حرب الأردن على "المجاهدين"، ويكفر "النصارى والأقباط" ويدعو إلى تحريم معايدتهم في أعيادهم، ويكفر العلمانيين واليساريين والليبراليين ويعتبرهم أعداء للإسلام، ويحرم الفن والموسيقى والرقص الفلكلوري الذي تؤديه الفرقة المبدعة لنادي الجيل عن التراث الشركسي، ويهاجم مهرجان جرش وبعض القائمين عليه. كما يهاجم النساء غير المحجبات، ويوزع تهم "الإلحاد" يمينا ويسارا.. ولا أريد ان أعلق على خطابه الديني اللامعقول، الذي لا تخطئه العين أو الأذن.
هذه عينات من "فكر" د.قورشة "الوسطي المعتدل" على حد تعبير حزب جبهة العمل الإسلامي ولجنة علمائه. وأظنهم يرون فيه عبدالله عزام الجديد؛ منظر السلفية الجهادية وتنظيم "القاعدة". من المؤسف والمحزن أن يجري التعامل مع الأفكار والأعمال الداعشية باعتبارها "وجهة نظر وحرية تعبير".
د.قورشة يصول ويجول، كما أمثاله، من دون رقيب أو حسيب. فهو يربي الأجيال أستاذا في الجامعة الأردنية (اسمعوا طلبة الجامعة ماذا يقولون). وهو من قدم برامج في التلفزيون الرسمي الأردني والإذاعة الأردنية، ويقدم برنامجا دينيا عبر إذاعة "حياة FM"، وتُنقل آراؤه عبر صحيفة "السبيل" و"الحقيقة الدولية" وقنوات فضائية أخرى. وهو ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي، ينشر الفيديوهات المصورة ويحاضر في النقابات المهنية والجمعيات الدينية، ويعطي دروسا دينية في مسجد. هذا ما استطعت جمعه بعجالة من الشبكة العنكبوتية. ويسألونك عن الداعشية وحاضنتها الفكرية!
د. قورشة وأمثاله، تتسامح معهم الدولة، لأنها لا تعير الاهتمام لـ"الفساد الثقافي" الذي يسوق الأفكار الداعشية في كل مناحي الحياة، ويهدد السلم الاجتماعي، ويروج لـ"رذيلة الإرهاب". لم تقتنع دولتنا بعد بأن محاربة الإرهاب والتطرف ودرء الفتنة، يوجبان خوض غمار معركة فكرية لا مجاملة فيها أو مداهنة، وعلى كل الصعد، لمواجهة الفكر التكفيري والإرهابي والطائفي والإقصائي، وزرع القيم السمحة والنبيلة، الدينية وغير الدينية؛ قيم المواطنة الفاعلة، ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحماية المجتمع من الإرهاب الفكري وحراس الواقع الفكري الذي يغيّب العقل ويعلي من شأن الخرافات والأساطير ويدعو إلى الانغلاق، ويرفض التصالح مع الحضارة الإنسانية وروح العصر.
متى تقتنع دولتنا بأن التنوير ونشر الثقافة الديمقراطية وحدهما ما يحصن المجتمع ويحمي الدين من آفة التطرف والمقدس من التوظيف الملوث؟
لن ننتصر على الإرهاب والداعشية ونحمي دولتنا الوطنية من ذوي النزعة فوق الوطنية وكل الشرور، من دون خوض غمار المعركة الفكرية، وشن "غزوات فكرية تنويرية" على كل الجبهات؛ أولاها المناهج والكتب المدرسية (مع تقديرنا للوزير د.محمد ذنيبات الذي بدأ العمل وأمامه الكثير الكثير)، وفتح منابرنا الإعلامية بكل جرأة وثقة أمام علماء الدين المتنورين والمثقفين وقادة الفكر والرأي.
وإلى المسؤولين في الحكومة عن الشؤون التعليمية والسياسية والثقافية والإعلامية والشبابية: أخرجوا الأوراق النقاشية الملكية الخمس من الأدراج وثقفوا بها الشعب، ليحفظ مضامينها الشباب عن ظهر قلب. ولتُدرّس مع "رسالة عمان" في المدارس والجامعات كجزء من المنهاج، فهي والله تساوي في أهميتها أياً من المواد الأساسية، لأنها تؤسس لبناء عقلية ديمقراطية منفتحة تنتمي إلى روح العصر وتحول الدين إلى رافعة للتقدم والبناء.
***
ملاحظة: وصل إهمال الأوراق النقاشية الملكية حد تدخل رئيس الديوان الملكي، دولة د.فايز الطراونة، لدى مجلس الأعيان والطلب منهم مناقشة هذه الأوراق، والسعي إلى تنظيم حوارات حولها.