هل هي دولة دينيّة؟

أريد أن أصدّق الإسلاميين، سواء "النّهضة" في تونس أو "الجماعة" في مصر، بأنّهم لن يقلبوا الدولة المدنيّة إلى دولة دينيّة، ولن يكون هاجسهم تطبيق الشريعة.. هذا الكلام يقولونه على منابر الآخر الليبراليّ أو العلمانيّ أو اليساريّ. وقد استمعنا إلى الشيخ الغنوشي يشيد بتجربة تركيا ويعِد بأن يكون حكمهم في تونس على غرار حزب العدالة والتنمية هناك. وكذلك استمعنا إلى رموز الإخوان في مصر ومنهم المرشَّح السابق للرئاسة المهندس خيرت الشاطر وهو يتحدّث عن نهضةٍ علمية واقتصاديّة على غرار ماليزيا وتركيا والبرازيل، معطياً الانطباع لمحاوره على قناة "دريم" أنّ شاغله وشاغل جماعته ليس تطبيق الشّريعة والدّولة الدينيّة.اضافة اعلان
أريد أن أصدّق خيرت الشاطر ومحمد مرسي وأبو الفتوح (المرشحين الإخوانيين للرئاسة في مصر)، ولكن كيف أستطيع ذلك وقد أرادت مجموعة سلفية إجبار الطالبات في جامعة تونسية على الحجاب؟ وقد حصل أبو الفتوح (الذي يدعمه الليبراليون) على تأييد السلفيين وحزب النور (أي أنه وعدهم بتطبيق الشريعة)، وقد رفع مرسي شعاراً لحملته "الإسلام هو الحل"؟ وهو كما شرحنا غير مرة شعارٌ عاطفيّ لاستقطاب الأصوات أكثر من أنه شعارٌ قابل للتطبيق. بالإضافة إلى أنه شعارٌ غامضٌ فضفاضٌ يراد به التهييج والتحميس أكثر من أنّه يخاطبُ العقل. فمن سيطبّق هذا الشعار؟
هل سيطبّقه أشخاصٌ سمحوا لأنفسهم أن تكون كلمتهم في الإسلام هي وحدها الأصحّ فلا تجوز معهم خصومةٌ ولا خلاف؟ وهل هؤلاء السادة المبجلون يحتكرون الحقيقة الإسلاميّة فلا رأي –فيما زعموا– فيما فيه نصّ؟ أوليس النصّ –أيّ نصّ– يخضع للتأويل أي للرأي واختلاف الثقافة والخبرة؟ أي يخضع للاختلاف حكماً؟ أوَليس القرآن الكريم أول هذه النصوص التي ذهب فيها التفسير والتأويل مذاهب شتى؟ أوَليست المذاهب الأربعة والعشرة في الفقه الإسلاميّ  صور من الاختلاف الذي أكّده الحديث الشريف "اختلاف أمتي رحمة"؟
نعود إلى تطبيق الشريعة الذي يبطنُه الإخوان ويُعلنه السلفيّون جميعاً، ونسأل كيف سيطبّقُ الشريعة أناسٌ يجهلون الشريعة أصلاً، أي يجهلون تنوّعَها وتعدّدَها وانفتاحها ووسعها واختلافَها؟ أي يجهلون المساحة المطلقة التي تركتها الشريعة للمجتمعات لإدارة شؤون دنياها، والمساحة الشاسعة للأفراد في العقيدة بحيث لا يُجبر فردٌ على عقيدة أو فريضة أو حجاب أو لحية أو حف شوارب. فلم يحصل قطّ في السنة النبويّة أن جُلد تارك صلاة، أو عُزّرَت امرأةٌ لأنها لم تلتزم بحجاب، أو عزّر أو جلد مختلِفٌ في عقيدته حتى لو كانت برقَّة دين أبي العتاهية أو أوهن من بيت عنكبوت. وكل العقوبات (الحدود) انصرفت إلى ما فيه إيذاءٌ للمجتمع أو لأحد أفراده: القتل، والسّرقة، والزنا. والأخيرة صعّب الشارع إقامة الحدّ فيها إلى درجة تشبهُ منعها بحيث إذا لم يتوافر أربعة شهودٍ عدولٍ أقيم حدّ "قذف المحصّنات" على الشهود الثلاثة! فلا مزاح في توزيع التّهم في الإسلام!
وقد كنت رأيت أنّ المنابر الإسلامية من فضائيات ومواقع إلكترونيّة وغيرها هي أجرأ الناس على التكفير والسّبّ والإخراج من الخلُق والدين (في حين أنّ معظم المنابر الأخرى غير الإسلامية أعلنت قبولها بنتائج الانتخابات التي أتت بالإسلاميين). فهل أنّ أمثال هؤلاء الدعاة والخطباء والمذيعين والمتحدثين هم الذين سيطبّقون الشريعة بأخلاقهم هذه؟ وهل هؤلاء هم الذين واللواتي سيجعلون من شعار "الإسلام هو الحل" واقعاً ملموساً؟ هؤلاء الذين هواهم في الشّعار يشبه هواهم في قمع النساء والسيطرة عليهن، كما هواهم في إظهار التعبّد باكتساب الزبيبة في الجبين كدليلٍ على التقى والورع! كما هروعهم إلى إقامة الأذان في قلب مجلس الشعب؟ كما إلى إقامة دعوى الحسبة على فنانين وكتاب! كما تلمظهم على نظام الرقّ والجواري! كما جهلهم المطلق بالحلول الحقيقية لرفع التّعاسة عن الشّعوب العربيّة وأولاها الحرية والتعدديّة والانتعاش الاقتصاديّ والبحث العلميّ!
معنى ما سبق أن البيئة مواتية لكي ينتشر الفكر الدكتاتوريّ القائم على سطوة الأغلبية. وعندئذٍ ما هي هذه الانتفاضات والثورات التي أخرجتنا من استبداد الأنظمة البائدة إلى استبداد الإسلاميين؟
دعونا لا نفقد الأمل...