بين البطالة والانتحار !

لم يسبق لنا ان تعاملنا مع تطور خطير كهذا في واقع الاحتجاجات، اذ تم رصد 22 تهديدا بالانتحار وإيذاء النفس في احتجاجات العمال العام الماضي، والمرعب في الأمر أن اربعة ممن انتحروا وافنوا أرواحهم كانوا من صفوف الباحثين عن عمل !اضافة اعلان
عاطل عن العمل يقرر ان ينهي حياته في لحظة بؤس ويأس، لم يكن قرار واحد او اثنين، إنهم اربعة، كان ذلك غريبا على المجتمع الاردني حتى وقت قريب، ومن غير المنطق ان يتم تجاهل كل هذه التطورات المجتمعية والنفسية والاقتصادية من غير الوقوف عندها بغية الفهم اكثر ومحاولة إيجاد حلول عملية تسهم في تضييق الخناق على حدوث مأساة لدى مزيد من الأسر، فما ذنب الأسرة التي ربت وتكفلت بمصاريف التعليم وغيرها كي يأتيها خبر ابنها منتحرا في شقة مجاورة أو في غرفته ببيت أهله؟
الحكومة بالعادة لا تلقي بالا لهذه التقارير الميدانية، فما صدر عن المرصد العمالي الاردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية يدق ناقوس الخطر من التفاصيل التي يكشفها واقع الاحتجاجات العمالية، فهذه الاحتجاجات انخفضت الى النصف مقارنة بالعام 2014، وبلغت أواخر شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي 236 احتجاجا، والمقلق في جديد هذه الاحتجاجات أن التهديد بالانتحار وايذاء النفس شكل اكثر من 9 بالمئة من مجمل هذه الاحتجاجات، وهي نسبة تدعو للبحث والتمحيص في مآلات الحالة المعيشية والعمالية وحقيقة اوجاع المواطنين في البلاد، فنسبة 9.3 بالمئة من مجمل الاحتجاجات انتهت إلى هذا المأزق المفتوح بسبب عدم جدية الحكومات في تحمل مسؤولياتها اضافة الى عدم انصات القطاع الخاص لشكاوى العمال العادلة، وهؤلاء قاموا او هددوا بايذاء انفسهم - 22 احتجاجا - إما للمطالبة بتوفير فرصة عمل او بحثا عن حقوق مالية جراء انهاء الخدمات او احتجاجا على إنهاء الخدمات.
وللتوضيح، فإن انخفاض حجم الاحتجاجات الى النصف العام الماضي ليس عائدا الى تحقيق عدالة استثنائية في القطاعين العام والخاص في ذات العام، وانما الى ارتفاع حجم التوتر السياسي والامني في الدول المجاورة للاردن لا سيما في الجهتين الشرقية والشمالية من البلاد، علاوة على عدم استجابة الحكومة لهذه الاحتجاجات، ويظهر ايضا في تفسير سبب تراجع الاحتجاجات تدخلات العديد من الاجهزة في الدولة لمنع حدوث هذه الاحتجاجات او من خلال ضغوطات تمارسها مؤسسات وشركات القطاع الخاص ضد المعتصمين والمحتجين عموما.
مرور الكرام على نتائج هذه الاحتجاجات وإحصاءاتها للعام الماضي ليس في مصلحة الاقتصاد او المجتمع او الدولة، والاجدى ان تدرس الحكومة ومعها القطاع الخاص لماذا انتحر اربعة من شبابنا وهم يبحثون عن فرصة عمل، وعلى القطاعين ايضا ان يعملا بنزاهة وموضوعية لرفع مستويات الاجور وتجاوز الحد الادنى للاجور من  190 دينارا حاليا الى 300 دينار في الفترة المقبلة، اذ يقل مستوى الحد الادنى للاجور حاليا عن نصف خط الفقر المطلع، ومن المأمول ان يتم ربط هذا الحد في الفترة المقبلة مع معدل التضخم.
اكثر من ثلثي العاملين بأجر في الاردن يتقاضون رواتب تقل عن 400 دينار شهريا، واي مساس بحقوقهم او التقليص منها يعني " تخريب " بيت العامل المحتج، والمسألة باتت صعبة على التحمل، وعلى المسؤولين ان يلامسوا واقع العمال لمساندتهم اكثر في نيل حقوقهم وتخفيف درجات الاحتقان لديهم، وما اعلاها اليوم!
 مع حكومة النسور ارتفع الغلاء الى مستويات شاهقة في مدينة عمان التي لا ينافسها في هذا الغلاء اي مدينة عربية واسلامية، وبدل ان يتبادل رئيس الوزراء ورئيس البرلمان التلاوم والمناكفات الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي بسبب خلافات تتصل بتعيينات شخصية وغير قانونية، حري بهما وبنا ان نفكر مليا، في الاسباب التي قلصت الاحتجاجات الى النصف في غضون عام، والى انتحار شباب عاطلين عن العمل.