أصل المشكلة!

سياسيا سجلت الحكومة هدفا مهما من خلال مبادرة رئيس الوزراء أول من امس بالطلب من اللجنتين المالية والقانونية في مجلس الاعيان رد القانون المؤقت المعدل لضريبة الدخل، بدلا من ان تدافع عن مشروع قانون مرفوض من كل القطاعات لمخالفته ادنى قواعد العدالة وللأضرار الكبيرة التي ستلحق بالمواطن.

اضافة اعلان

هذا الموقف من الحكومة جعلها تخرج من مأزق صنعته الحكومة السابقة في ايامها الاخيرة، لكن المكسب الذي حصلت عليه الحكومة كان مقابل غياب المبادرة من اطراف اخرى، وربما كان على مجلس الاعيان الا ينتظر مبادرة الحكومة بل ان يبادر الى رفض القانون، وتصفيق اعضاء اللجنة بعد مداخلة رئيس الحكومة كان تنفسا للراحة التي وفرتها الحكومة للسادة الاعيان، وكأنهم يعتقدون ان القانون وحي لا يرد.

وخروج مشروع القانون المرفوض ليس نهاية القصة، والفرح برد المشروع يجب ان لا يذهب بنا بعيدا عن اصل المشكلة وهي المنطلقات التي تحكم طبقة من صناع القرار في الحكومات تضع قوانين تلحق الضرر بأكثرية الاردنيين، ولا تحقق العدالة وتنحاز لبعض المستثمرين ومصالحهم لزيادة ارباحهم.

ومن حق كل اردني ان يسأل: كيف لأي حكومة ان تتبنى قانونا يزيد الاعباء على الفقراء بينما يتحدث مسؤولون عن تهرب ضريبي يصل الى حوالي (600) مليون دينار؟ وهذا التهرب ليس من فئات الموظفين والمتقاعدين وعمال المياومة، بل من شركات ومصانع وتجار استطاعوا ان يتحايلوا على دفع ما عليهم، وعجزت التشريعات والاجراءات عن تحصيل حق الدولة في اموال هؤلاء.

رئيس الوزراء اشار في مداخلته امام لجنتي مجلس الاعيان الى ان كتاب التكليف الملكي طلب من الحكومة اعادة النظر بقانون الضريبة بما يحقق العدالة وينشط الاستثمار ويمنع التهرب الضريبي ويرفد الموازنة. وحين تطلب الحكومة رد المشروع فان هذا يعني قناعتها بانه لا يحقق الاهداف السابقة، فالعدالة تقتضي ان يدفع الضريبة اصحاب الدخل، وان يمنع التهرب الضريبي ممن عليه ضرائب، لكن ان تذهب القوانين الى اصحاب الدخول المتواضعة لتفرض عليهم الضريبة فهذا لا يحقق عدلا ولا ينشط استثمارا ولا يمنع التهرب الضريبي.

الحكومات كانت قوية عندما اخذت حقها "بالصاع الوافي" من الناس وتحديدا الفقراء عبر ضريبة المبيعات منذ ان كانت 4% وحتى الان، والتي شملت الكثير من السلع الاساسية، وتأخذ حقها عبر فواتير الهاتف والكهرباء والمياه بتشكيلة واسعة من الرسوم، ويتأثر الفقراء اكثر من غيرهم برفع اسعار المشتقات النفطية وتحديدا الكاز والغاز. لكن الرحمة او العجز في الاجراءات والتشريعات يكون تجاه اصحاب المال والشركات، لهذا كان التهرب الضريبي عبر مئات الملايين. كذلك يمكن لتاجر ان يبيع قطعة ارض او مبنى بمليون او اثنين او ثلاثة ملايين دينار لكنه لا يدفع اكثر من الرسوم التي يدفعها لدائرة الاراضي، اما ضريبة الدخل فهي عاجزة عن الوصول اليه!

نعود مرة اخرى الى اصل المشكلة وهو المنطلق والعقلية التي تضع تشريعات غير عادلة، وتجلب الضرر على فئات من عامة الناس بينما تخفضها على من يجب عليهم الدفع، وهذا يجعل فرحنا برد مشروع القانون محدودا، فمن يضمن لنا ان لا يتكرر الحال في تشريعات اخرى ولا تتوفر لها اللحظة السياسية لردها وحماية الاردنيين من مخاطرها وآثارها السلبية؟!

[email protected]