على طاولة الإفطار مع الملك: تباطؤ الحكومة لا يثير سأم الإعلاميين فقط!

 

في غمرة نضوب المعلومات، وضبابية الرؤية، والتباس التقديرات يغدو اللقاء مع جلالة الملك مطلبا حيويا وملحا يتعطش إليه الصحافيون.

ولو أن اللقاء الملكي يتكرر مع الصحافيين كافة دونما استثناء، لتبددت الكثير من الاستفهامات، ولتمّت الإجابة عن العديد من الأسئلة.

على الأقل هذا هو الانطباع الأبرز الذي خرجتُ به من اللقاء بجلالة الملك ورئيس ديوانه ناصر اللوزي ومستشاره الزميل أيمن الصفدي، أول من أمس، خلال حفل نقابة الصحفيين في قصر المؤتمرات بالبحر الميت.

وكعادته، كان الملك شفّافا وواضحا ومبادرا. بيد أنه، وهذا ملمح عميق الدلالة، كان مشعا بروح التفاؤل والأمل، حتى إنني شعرت بعد اللقاء بأن غمامة سوداء انقشعت عن تفكيري، وبدت الصورة أكثر اتساعا، وأحسستُ بأن البوصلة الداخلية لنا كإعلاميين عادت إلى العمل، بعد تردد شابه توقف وتململ، وغباش.

اللقاء كان، فضلا عن ثرائه، حميميا، حتى إن جلالة الملك لم يتناول فطوره جيدا، باستثناء بعض لقيمات، من أجل الإجابة عن أسئلة رؤساء التحرير الذين مضى على آخر لقاء لهم بجلالته قرابة العام.

وتجلى ثراء اللقاء بالملك من خلال إماطة اللثام عن بعض الملفات "العالقة"، وتسليط الضوء على المناطق التي تبعث على التفاؤل بالمستقبل من خلال مشاريع استثمارية ضخمة ينشد الملك تحقيقها، وفي مقدمها مشروع الطاقة، ومشروع سكة الحديد، ومشروع قناة البحرين، وهي مشاريع تكتسب صفة الاستراتيجية، لأن من شأن إنجازها أن يعبر بالمملكة إلى مرحلة جديدة من تصدير الطاقة، والاكتفاء المائي والنمو الزراعي، وتسريع وتيرة النقل والتجارة البينية.

ويعوّل الملك كثيرا على ملف الطاقة، وبخاصة النووية، ليس من أجل إنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية فحسب، بل وأيضا من أجل تصدير هذه الطاقة إلى الدول الأخرى، لا سيما أن للأردن سمعة سياسية طيبة من شأنها أن ترفد هكذا مشروع لا يلقى اعتراض أحد باستثناء إسرائيل بطبيعة الحال.

وأبدت دول كسورية ولبنان رغبتها في الاستفادة من مشاريع الطاقة النووية، كما أن بلدانا كاليابان، مثلا، أضحت تنظر للأردن بعيون مختلفة بعدما علمت أنه يستعد للشروع في هذا المضمار الحيوي والاستراتيجي.

ومن الضروري أن يكون موقع المفاعل النووي قريبا من مصادر المياه، وبالتالي فإن إنجاز مشروع قناة البحرين سيفتح آفاقا مستقبلية لعدد آخر من المحطات النووية، وهو ما تسلط "الغد" عليه أضواءً ساطعة في ملف خاص ينشر اليوم في "ملحق سوق ومال".

وبإزاء هذين المشروعين، وبما يعزز آفاقهما ويسهل حركتهما، فإن مشروع سكة الحديد سيكون نقطة ربط وتنشيط للحركة التجارية بين الأردن وجيرانه، فضلا عن كونه سيخلق فرص عمل كبيرة.

المشروع الذي تقدر كلفته بـزهاء 4.5 بليون دينار، ويتوقع أن ينتهي العمل به في العام 2013، سيربط ميناء العقبة مع الحدود السورية عبر عمان والمدينة الصناعية في الزرقاء. كما ستربط سكة الحديد، التي تغطي 1600 كلم، الحدود العراقية والسعودية مع مدينة إربد، علاوة على مدينتي الأزرق والمفرق. ولا يضير هذا المشروع أن يكون التركيز فيه منصبّا في البداية على النقل التجاري، لأنه يخلق مستقبلا بنية تحتية مجرّبة للاستفادة منه في عمليات نقل الركاب.

ومثلما كان مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير (كادبي) مفخرة أردنية لجهة مشاريع التحديث وإنتاج الآليات المصفحة الخفيفة منها والثقيلة مثل طائرات الاستطلاع الصغيرة والدبابات وناقلات الجنود المدرعة، وسواها، فإن مشروع موقع "مكتوب" الإلكتروني الذي استحوذت عليه شركة ياهو العالمية يروي حكاية نجاح جعلت الأردن مركزا متطورا للبرمجيات وتكنولوجيا المعلومات.

ويعوّل جلالة الملك كثيرا على الإعلام من أجل إبراز هذه النجاحات الأردنية، وعدم الاكتفاء بالتركيز على السلبيات والمثالب، رغم اعتراف جلالته بها وبكونها جزءا طبيعيا من حراك أي مجتمع. ومن هنا يأتي تضافر جهود الإعلام، بالابتعاد عن التهويل والإشاعة، مع جهود المؤسسات الأمنية من أجل الحفاظ على الأمن، بالتوازي مع حفظ حقوق الناس وكرامتهم. ولعل تنظيم عملية عدم تداخل جهود الأمن العام مع قوات الدرك، ومعرفة كل فريق لمهماته، التي طاولها تداخل في الأيام الأخيرة، ما يعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي.

فإدارة الملف الأمني في هذا الجانب لا تخلو من إخفاقات تتجلى في ظاهرة العنف، وبخاصة الذي يتخذ منحى عشائريا، وإطلاق العيارات النارية، وعدم القدرة على السيطرة على مطلقي ومروجي ومستوردي وبائعي الألعاب النارية التي قتلت قبل أسبوعين فتى في الثانية عشرة، وجرحت ستة من رفاقه.

وما وزارة الداخلية التي تشرف على الملف الأمني إلا جزء من الفريق الوزاري الذي لم يعد يخفى على المراقبين والسياسيين إخفاقه الواضح في إدارة الملف الاقتصادي، وهو الملف الذي يوليه الملك جل عنايته، لأن جلالته يرى أن إدارة هذا الملف بطريقة خلاقة من شأنها أن تجنّب الأردن الاستمرار في الاستعانة بالمساعدات الخارجية لسد العجز المالي، وبخاصة في الموازنة الذي يرجح أن يتجاوز العجز فيها البليون دينار.

وإذا كانت الحكومة أعطيتْ من الفرص ما يكفي، فإن الفسحة التي تتحرك الآن من خلالها تبدو وكأنها الفرصة الأخيرة، لكي تثبت انسجامها مع تطلعات جلالة الملك الذي لا يروق له أبدا التباطؤ الشديد في الإنجاز، فمن الصعب أن تسير بسرعة الصاروخ ورديفك يسير بسرعة السلحفاة!

ولا يبدو أن التعديل الحكومي بمقدوره أن يحل هذه المعضلة. الحل يبدو مرحليا في إعطاء الفرصة الأخيرة، والبحث، في هذه الأثناء عن ظروف تنتج مناخا ملائما لتغيير حكومي جذري يتعين قبل البدء به إنتاج سياسات واستراتيجيات موازية، كيلا نعود إلى مربع المأزق الذي نراوح فيه منذ فترة طويلة.

وعندما تكون الحكومة مضطربة، وتحتاج كل حين إلى التدخل من أجل تصويب مساراتها، فإن ذلك من شأنه أن يرهق صاحب القرار، ويثنيه عن النظر إلى ملفات سياسية شائكة في طليعتها الصراع العربي الإسرائيلي الذي يبدو أن آخذ في التأزم، في ظل سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية التي تعاني انفصاما حادا ضاقت الإدارة الأميركية به ذرعا.

ومن شأن تمادي نتنياهو وحكومته العنصرية في عنجهيتها أن يبدد آمال الإدارة الأميركية وأوروبا والعالم أجمع بفكرة حل الدولتين، إلا إذا كان الإسرائيليون يفضلون حل الدولة الواحدة الفلسطينية الإسرائيلية، وهو أمر أشد تعقيدا من حل الدولتين، وأكثر بعثا على القلق داخل المجتمع الإسرائيلي من أي مشروع آخر.

وإسرائيل مثلها مثل أي مجتمع مغلق ستكون إن آجلا أم عاجلا في مواجهة استحقاقات سياسية ربما تجبرها على تجرع العلقم إن لم تتقدم بخطوات حقيقية في عملية السلام، وتوقف الاستيطان فورا، وتكف عن عملية التهويد للمقدسات، وهي، أي المقدسات، من الخطوط الأردنية الحمراء التي أكد جلالة الملك، أكثر من مرة، أن المسّ بها لن يقابل بالصمت أبدا، وأن تثبيت المواطنين العرب من مسلمين ومسيحيين في القدس الشريف يعد أولوية هاشمية.

ولئن حملت زيارة جلالة الملك أمس إلى سورية طابعا وديا وحميميا، فإن الأردن لا يحمل رسالة وساطة بين دمشق وبغداد، ويفضل أن يكون في منأى عن التدخل في تفاصيل هذا الملف الذي لن يبحثه رئيس الوزراء المهندس نادر الذهبي في زيارته إلى سورية أواخر الشهر الحالي.

وفضلا عن مناخات الثقة التي يشيعها الملك في نفوس من يلتقيهم، فإنه يحرص على التأكيد على انحيازه المطلق للفقراء من أبناء شعبه، وكذلك حراس أمنه من أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة، فهؤلاء لهم لدى الملك حصة لا ينازعهم فيها أحد. لذا كان الملك حريصا على التشديد منذ بداية اللقاء على أن لا رفع لأسعار الكهرباء والماء، فالملك أدرى بمعاناة الناس، وأشد تحسسا لآلامهم، حيث أبلغنا بأنه يتابع حالات المحتاجين التي تنشرها الصحف، ويتابعها من خلال أجهزة الديوان الملكي وفرقه، رغم أن هذا جزء من مسؤولية الحكومة التي لم ترقَ إلى وضع حلول خلاقة لمشكلة الفقر، ولم تدر ملف البطالة بالطريقة التي تخفف من آثارها الكارثية، بل على العكس تماما، فقد زاد منسوب الفقر، وارتفع معدل البطالة خلال الربع الثالث من العام الحالي إلى 14% بزيادة نقطة مئوية واحدة عن الربع الثاني من العام نفسه.

فهل تغتنم الحكومة الفرصة الأخيرة، فتصوب أوضاعها، وتعيد ترتيب أوراق فريقها الاقتصادي على وجه التحديد، أم أن لسان حالها يقول: لن يصلح العطار ما أفسده الدهر؟

اضافة اعلان
[email protected]