إيمانويل ماكرون يقف في جانب الفاشيين الإسرائيليين

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
ألان غريش* - (أوريان 21) 6 آذار (مارس) 2023 ما الذي يتطلّبه الأمر بعد؟ لو كان وزراء الائتلاف الحاكم الذي وصل إلى السلطة في إسرائيل يعملون في أي دولة أخرى، لوُصفوا بالفاشيين. وقد نعت دانيال بلاتمان، الأستاذ في معهد الدراسات اليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية والمتخصص في الهولوكوست، بعضهم بالنازيين الجدد. فجميعهم ينادون بعقيدة التفوق اليهودي، ويعتقدون بأن حقوق الإسرائيلي اليهودي تسمح بوأد حقوق الفلسطينيين. ما الذي يتطلّبه الأمر بعد؟ جدّدت حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة رفضها إقامة دولة فلسطينية، وكثّفت سياسة الاستيطان التي يعتبرها القانون الدولي جريمة حرب، كما اتخذت إجراءات لإذلال الأسرى الفلسطينيين -كالحد من وقت الاستحمام، والحق في الطهي، إلخ. كما غيّرت هذه الحكومة الوضع الراهن (النسبي) الذي ساد في الضفة الغربية منذ العام 1967، من خلال نقل السلطة من إدارة عسكرية إلى إدارة مدنية برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أحد الوزراء الذين يعتبرهم بلاتمان نازيين جددًا. وتؤكد افتتاحية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (1) أن هذا القرار "يشكّل ضمًّا للضفة الغربية بالاستناد إلى القانون. ونظرًا لعدم وجود أي نية لمنح ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية حقوقاً مدنية، فإن النتيجة هي إضفاء الطابع الرسمي على نظام فصل عنصري (أبارتايد) حقيقي".

في حوارة، "كان ردّ الجنود أن أطلقوا النار عليّ"

ما الذي يتطلّبه الأمر بعد؟ في ليلة السادس والعشرين من شباط (فبراير)، أضرم عشرات المستوطنين النار في قرية حوارة قرب نابلس، وقاموا بعدة اعتداءات، وأصابوا عشرات السكان -توفّي أحدهم. ويتحكّم الجيش والأجهزة الأمنية في كل شبر من الضفة الغربية، وفي أي تحرّك –سواء كان على الأقدام أو بالدراجة أو بالسيارة- من خلال تقنيات تكنولوجية متطورة، سلّط عليها مسلسل "فوضى" الإسرائيلي الضوء. وعلى الرغم من ذلك، لم يفعل الجيش والأمن شيئًا لمنع وقوع هذه الأحداث، بل قاما بحماية المستوطنين خلال الساعات الأولى من الهجوم. وفي شهادة له على موقع الـ"بي بي سي"، ذكر عدي الضميدي، وهو أحد أهالي القرية، أنه كان محبوساً في منزله مع أطفاله: "صرختُ على الجنود وطلبت أن يحموا الأطفال ويمنعوا المستوطنين من تخويفهم، لكنهم ردّوا بإطلاق النار علي، وصرخوا في وجهي أن عليّ البقاء في المنزل". في نهاية المطاف، قام الجيش بإجلاء الفلسطينيين، لكن مليشيات المستوطنين استمرّت في دورياتها بحرية مطلقة خلال الأيام التالية، في هذه القرية التي قال عنها سموتريتش إنه وجب "هدمها". بالنسبة لكاتب العمود بجريدة "هآرتس" جدعون ليفي، فإن هذه الأحداث التي يصفها بالـ"بوغروم" (أي هجوم أو مذبحة موجّهة ضد مجموعة عرقية أو دينية معيّنة) تنبئ بإمكانية حدوث مذابح جديدة، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول (سبتمبر) 1982 ببيروت، عندما قُتل مئات الفلسطينيين تحت رعاية الجيش الإسرائيلي. "لم تقع مذبحة في حوارة، ولكن لم يكن لأحد أن يعرف مسبقًا المجرى الذي ستتخذه الأمور. لو أراد المشاغبون قتل السكان أيضًا، لما كان أحد ليقف في طريقهم. لم يقف أحد في وجه قوات "الكتائب" في صبرا، وكذلك حدث في حوارة"، ولكن مع فارق مهم، هو أن المليشياتَ إسرائيلية هذه المرة، وتتمتع بتواطؤ أهمّ بكثير من جميع أجهزة الدولة.

تعاويذ من أجل "حلّ الدولتين"

ما الذي يتطلّبه الأمر بعد حتى تردّ الحكومة الفرنسية الفعل، وتعيد النظر في مراعاتها -أو بالأحرى في تواطئها مع إسرائيل؟ إن المسألة أكبر بكثير من مجرّد بيان تصدره فرنسا وبعض الدول الأوروبية. وليست سياسة رئيس الدولة الحالي سوى مواصلة لسياسة سلفه فرانسوا هولاند، الذي كان يأسف -في حضرة نتنياهو- لعدم قدرته على الإعراب عن كلّ "حبه لإسرائيل وقادتها" (2). تتهادى هذه السياسة بين ركيزتين غير متساويتين: تعاويذ من أجل حلّ الدولتين وإدانة الاحتلال -ولا شك بأن البيانات الفرنسية التي يتم تبنيها بانتظام في هذا الصدد تبثّ الرعب في إسرائيل!- ودعم سياسي واقتصادي وأمني وعسكري متزايد للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، التي ترفض حلّ الدولتين وتواصل توسيع الاستيطان. كان إيمانويل ماكرون هو الرئيس الغربي الوحيد الذي استقبل نتنياهو بعد انتخابه. ووفق البيان الذي صدر، فقد عبّر الرجلان على "رغبتهما في تعميق الشراكة الاستراتيجية التي تربط بين بلديهما، وتعزيز العلاقات الثنائية في جميع المجالات. وجدّد رئيس الدولة التزام فرنسا الراسخ بأمن إسرائيل. هل يطمح ماكرون إلى استرضاء نتنياهو؟ كان يجدر به استشارة سلفه نيكولا ساركوزي، الذي كان أول من تبنّى استراتيجية التقارب مع رئيس الحكومة الإسرائيلي، على أمل "التأثير عليه". وقد أسرّ للرئيس باراك أوباما في نهاية المطاف، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011: "لم أعد أستطيع رؤية بنيامين، إنه كذّاب" (3). الشيء المرجح هو أن الرئيس الفرنسي لا يسعى أبدًا إلى التأثير -لا على نتنياهو ولا على السياسة الإسرائيلية، فهذا يتطلّب تبنّي عقوبات من أجل تطبيق القانون الدولي، وهو ما تفعله فرنسا من أجل وضع حدّ للغزو الروسي في أوكرانيا، لكنها ترفض القيام به من أجل إيقاف الاحتلال الذي يتواصل في فلسطين منذ أكثر من نصف قرن. بل يصل اصطفاف الحكومة الفرنسية (ودناءتها) –وهي التي لا تتردد في كل مناسبة في الإشادة بـ"القيم المشتركة" التي تربطها بإسرائيل- إلى حد ملاحقة المحامي الفلسطيني الفرنسي اللاجئ في فرنسا صلاح حموري، في محاوله لمنعه من ممارسة التعبير.

أين ذهبت حريّة التعبير الملازمة لـروح "شارلي إيبدو"؟

لقد ذهب إيمانويل ماكرون أبعد من سلفه في تبنّي الخطاب الإسرائيلي، ومحاولات تكميم الأفواه المدافعة عن فلسطين. كان الرئيس الفرنسي الأول الذي جعل من معاداة الصهيونية مرادفاً لمعاداة السامية. كما أيّد تعريف معاداة السامية الذي قدّمه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، والذي يهدف في الواقع إلى حماية إسرائيل من أي نقد، وقد تم الطعن فيه من قبل كل من نقابة المحامين الأميركية و"نداء القدس" الذي وقّع عليه مئات المثقفين المتخصصين في تاريخ الهولوكوست ومعاداة السامية. كذلك، واصل ماكرون تجريم حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، وأعطى تعليماته لوزير العدل، إريك دوبون موريتي، بإصدار منشور للتحايل على قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي أكّد شرعية حركة المقاطعة. أين هي دولة القانون؟ وأخيراً وليس آخراً، ندّد الرئيس الفرنسي بتقرير منظمة العفو الدولية حول الفصل العنصري (أبارتايد) في إسرائيل وفلسطين. وهكذا جعل من كفاح معاداة السامية سلاح حرب -ليس للدفاع عن اليهود، وإنما لتجريم التضامن مع فلسطين.

"معادو السامية الجيّدون"

بالمناسبة، هل ينبغي إشراك الحكومة الإسرائيلية في الكفاح الضروري ضد معاداة السامية؟ الكل يعرف المحاباة التي خصّت بها إسرائيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومحيطه المتآمر، أو مغازلة نتنياهو لحركات أقصى اليمين في أوروبا، لا سيما في شرق القارة. من الواضح بالنسبة لهم أن البعض يمكن أن يكون "معادياً جيّداً للسامية"، طالما أنه يدافع عن إسرائيل. في هذا السياق، ما الذي يمكن لفرنسا فعله؟ في حزيران (يونيو) 1967، وعلى الرغم من شن حملة صحفية ضخمة لصالح إسرائيل، ندّد الرئيس شارل ديغول بالاعتداء الإسرائيلي. وقد لخّص خلال ندوة صحفية شهيرة في السابع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 جوهر الصراع قائلاً: "لقد باتت إسرائيل تُنشئ على الأراضي التي سيطرت عليها احتلالاً سيكون حتماً مصحوباً بالاضطهاد والقمع والتهجير.. وأصبحت هناك مقاومة تصنفّها إسرائيل بدورها على أنها إرهابية". وقد حدّد ديغول توجّهاً ألزم كلّ خلفائه، حتى جاك شيراك، ومنح فرنسا مكانة لا مثيل لها في المنطقة. وبطبيعة الحال، تغيّر الزمن، ولكن للأسوأ، فالقمع يتصاعد، وكذلك المقاومة الفلسطينية التي يواصل البعض وصفها بـ"الإرهاب". فما الذي يتطلّبه الأمر بعد لدفع إيمانويل ماكرون إلى التحرّك؟ *ألان غريش: مدير مجلة أوريان 21، متخصص في شؤون الشرق الأوسط، له مؤلفات عديدة منها "علام يدل اسم فلسطين"؟ من منشورات "les liens qui libèrent 2010، و"أغنية حب، فلسطين وإسرائيل، قصة من تاريخ فرنسا"، مع هيلين آلدغير، منشورات" La Découverte 2017. ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة. مراجع (1) "هآرتس"، 26 شباط (فبراير) (2) اقتباس من كتاب ألان غريش وهيلين هلدوغير "Un chant d’amour. Israël-Palestine, une histoire. française"، لاديكوفارت، 2017.2023. (3) انظر نفس المصدر. اقرأ أيضا في ترجمات  اضافة اعلان

فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني؟ (6): التهافت على التقنية الإسرائيلية، بأي ثمن؟

فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني؟ (5): إسرائيل في قلب جهاز الدفاع الفرنسي فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني (4): مع “إلنت”، اكتشفوا إسرائيل، ومستوطناتها، وتقنياتها للمراقبة فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني؟ (3): غش على الحلبة الإعلامية فرنسا وإسرائيل.. أي لوبي صهيوني؟ (2) قانون الصمت يخنق منتقدي إسرائيل

فرنسا وإسرائيل: أي لوبي صهيوني؟ (1) قانون صمت يعود إلى زمن بعيد