بسمة النمري: رسم بالكلمات بسردية مكثفة وشعرية بالغة

بسمة النمري: رسم بالكلمات بسردية مكثفة وشعرية بالغة
بسمة النمري: رسم بالكلمات بسردية مكثفة وشعرية بالغة

قاصة أردنية تصدر الجزء الثاني من سفر الرؤى بكتابها "كذلك على الأرض"

عمّان - الغد - تواصل القاصة بسمة النمري في مجموعتها القصصية "كذلك على الأرض" حفرا لغويا يعتمد التكثيف، والوصول إلى معان بكر بمفردات لا تحفل بالتناسل والتكاثر غير المبرر، لتقتصر قصصها في المجمل على أقل من 100 كلمة.

اضافة اعلان

بل إنها في 11 كلمة تكتب قصة مكتملة، واضحة المعنى كما في قصة اغتصاب "أنظر في مرآتي فأرى أمي، كأنني لم أولد، وكأنها لم تمت".

المجموعة الجديدة جاءت في 170 صفحة وصدرت عن المؤسسة العربية في بيروت ضمت ما يقارب المائة قصة من القصص القصيرة جدا، وهي الجزء الثاني من "سفر الرؤى".

وكما في المجموعة الأولى تزاوج النمري، التي شاركت في عدة دورات دراسية في معهد الفنون الجميلة التابع لوزارة الثقافة، بين النص والصورة، ويبدو المزج شديد التقارب كما في قصة "معتقل" "أرسم منحنى به ظلال الكائنات حولي، أغلقه عليها، فلا تفر بعد مني وأبقى وحيدة، إذ لا يغادر أحد دون ظله. تغرب الشمس، تتوارى الظلال، تهجع الكائنات في أمكنتها، فأطمئن وأستسلم إلى النوم. صباحا أصحو، لا أحد عندي، فأنظر إليها، شمس جديدة بزغت، لا تسمح أبدا لأي كان أن يحتجز ظلا هي تصنعه".

وفي مجموعتها "أقرب بكثير مما تتصور" لا يكاد القارئ يتصور أن لدى الكاتبة قدرة لا على أن تكتب القصة شعريا فحسب بل على أن ترسم هذا القص الشعري فيبدو كل ذلك - إذا صح التعبير - أقرب الى إحياء السرد الشعري في لوحات تشكيلية ذات اتساعات وأغوار في أحيان كثيرة.

لبسمة النمري صوت خاص نسمعه مميزا من خلال تلك السمات كلها التي تميز كتاباتها.

أهمية هذا الانطباع أنه يأتي بفعل أثر النص نفسه لا من فكرة مسبقة.. فهو يتكون لدى القارئ الذي لا يعرف الكثير عن بسمة النمري قبل أن يصل الى نهاية المجموعة، ليقرأ أن الكاتبة فضلا عن كونها قاصة هي فنانة تشكيلية أردنية متفرغة للكتابة والرسم وهي متخصصة في التصوير والنحت.

اشتملت المجموعة القصصية على ما لا يقل عن(24) عنوانا توزعت على(154) صفحة متوسطة القطع وبرسوم ولوحة غلاف للفنانة الكاتبة. وقد صدرت المجموعة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

لعل بعض ما جاء في قصة "أقرب بكثير مما تتصور" التي أعطي عنوانها للمجموعة يمثل كثيرا من سمات هذه الأعمال القصصية التي تبرز فيها أحيانا رمزية موحية مؤثرة تتناول بعمق بعض المفجع في ما يطلق عليه في بعض المجالات "الوضع البشري".

تتمثل التصويرية الشعرية في قصص النمري في معظم قصصها إذا لم نقل كلها. نبدأ مثلا بالقصة الأولى "الصفصاف المنتحب" أي تلك الشجرة المعروفة تاريخيا وحتى في كثير من التراث الديني والتي تسمى أيضا "الباكية" حيث تبرز أجواء شعرية مموسقة بنبرات حزينة تنسجم مع العنوان.

وفي مجال آخر في القصيدة تتوزع الموسيقى على اللغتين العربية والإنجليزية باستعمال اسم شجرة الصفصاف بالإنجليزية مرافقا لكلمات العربية بتكرار حزين. تقول "ونسير معا.. نسير وأكبت في أعماقي وعيا يتعاظم بأنك حين نرجع.. سوف تسلك بنا دربا مختلفا تماما فلا أعود إليها".

والنمري متفرغة للكتابة والفنون التشكيلية والنحت وهي صاحبة العديد من الأعمال اللافتة التي جالت في أكثر من بينالي عربي ودولي في الشارقة وبنغلادش وبيروت وهي خريجة كلية العلوم في الجامعة الأردنية.

ومن بين إصدارات الكاتبة: "انعطافات خطرة" 2002 ضمن منشورات عمان عاصمة للثقافة العربية، "رجل حقيقي" 2003، "حجرة مظلمة" 2004 وهي مجموعة قصص قصيرة جدا ،"سفر الرؤى" 2008 وفي جميعها ترسم القاصة ملامح عميقة الإشارات والدلالات في البحث عن مفهوم الأنوثة كإنسانة، ونافذة تطل منها على العالم.