"أرخبيل الغولاغ": الكتاب الأكثر تأثيرا في القرن العشرين

غلاف الكتاب - (أرشيفية)
غلاف الكتاب - (أرشيفية)

موسكو- قبل أربعين عاما في 28 كانون الأول (ديسمبر) 1973، صدر كتاب "ارخبيل الغولاغ" لاكسندر سولجنتسين في باريس، وقد غير هذا العمل الذي يعد كتابا رئيسيا في القرن العشرين ويفند الرعب الستاليني، نظرة الغرب إلى الاتحاد السوفياتي.

اضافة اعلان

فالصدمة كانت كبيرة جدا أمام ما كشفه الكتاب من انتشار القمع في ظل حكم ستالين مع مئات آلاف عمليات الإعدام من دون محاكمات والمجاعة المنظمة وملايين المعتقلين وترحيل شعوب كاملة مثل التتر في شبه جزيرة القرم وملايين القتلى.
وأصدرت دار النشر "دبليو ام سي ايه-برس" التي تعنى بأدب المهجر، الكتاب أولا بالروسية، لكنه ترجم بعد ذلك إلى حوالي أربعين لغة، وطبعت عشرة ملايين نسخة تقريبا منه في العالم. ودخلت كلمة "غولاغ" وهي الأحرف الأولى لإدارة معسكرات الاعتقال الرئيسية، في اللغة اليومية.
ويرى الناشر الفرنسي كلود دوران، وهو الوكيل الأدبي لسولجنتسين "إذا ما اعتمدنا معايير الفاعلية لعمل ما حول سير التاريخ العالمي، نرى بالتأكيد أن هذا الكتاب كان الأكثر تأثيرا في القرن العشرين". ولم تتأخر ردة فعل الكرملين، فبعد شهرين على صدور الكتاب، اعتقل سولجنتسين وجرد من جنسيته وطرد من الاتحاد السوفياتي. وعاد إلى روسيا العام 1994 بعد عشرين عاما أمضاها في المنفى.
أما في الاتحاد السوفياتي، فكانت نسخ بالروسية طبعت في باريس وأدخلت خلسة، تتناقل من شخص إلى آخر، وكان يعاد طبعها على الآلة الكاتبة أو تنسخ.
وكتب المعارض السوفياتي اندريه ساخاروف الحائز جائزة نوبل للسلام، في مذكراته "شكل كتاب سولجنتسين صدمة بالنسبة لنا. فمنذ الصفحات الأولى برز عالم المعسكرات المخيف، المعسكرات المحاطة بالأسلاك الشائكة وبغرف التعذيب (...) ومن مناجم كوليما الباردة كشف مصير ملايين من مواطنينا".
وكان الشخص الذي يضبط مع نسخة من الكتاب في منزله أو يعيره إلى صديق يواجه عقوبة بالسجن في معسكر اعتقال بتهمة "نشر دعاية مناهضة للاتحاد السوفياتي". وقد حكم على المعارض باليس غايوسكاس بالسجن عشر سنوات في العام 1978، لأنه ترجم الكتاب إلى اللغة الليتوانية.
وكتب سولجنتسين "ارخبيل الغولاغ" بمساعدة الكثير من المعتقلين السابقين اتصلوا به بعد صدور كتابه "يوم في حياة ايفان دينيسوفيتش" العام 1962، وهو الأول في الاتحاد السوفياتي الذي تحدث عن معسكرات الاعتقال الستالينية.
وفي هذا الكتاب الذي نشر خلال مرحلة اجتثاث الستالينية القصيرة، التي أطلقها نيكيتا خروتشيف، استعان سولجنتسين بذكريات سبع سنوات أمضاها في الغولاغ. وقد أرسل إليه لانتقاده ستالين في رسالة إلى صديق.
وقال الكاتب الروسي في مقابلة العام 2007 قبل أشهر على وفاته "آلاف من المعتقلين السابقين كتبوا إليّ بعد صدور ايفان دينيسوفيتش، وأدركت حينها أن القدر أرسل اليّ ما أحتاجه. فالمادة الضرورية لأكتب "ارخبيل الغولاغ" أتتني منهم".
هذه الشهادات الكثيرة أغنت الكتاب الذي يروي الورشات الضخمة في الغولاغ وأساليب التعذيب التي تمارس على المشتبه فيهم ومعسكرات كوليما وعمليات التمرد والفرار في التايغا والموت جوعا أو بردا والعمل في سيبيريا فيما الحرارة 50 درجة تحت الصفر.
وعمل سولجنتسين على هذا الكتاب مدة عشر سنوات في سرية تامة، لأنه بعد انقضاء مرحلة اجتثاث الستالينية سريعا، بات مشتبها به ومراقبا من قبل جهاز "كاي جي بي". وقد ساعدته شبكة من الأوفياء كان يسميهم "المتوارون" في أبحاثه، وكان أفرادها يطبعون ما كتبه على الآلة الكاتبة ويخفونه ويصورونه لتمريره أخيرا إلى الغرب بانتظار الضوء الأخضر لنشره.
وتتذكر إحدى هؤلاء "المتوارين" وتدعى ايلينا تشوكوفسكايا "كان يعمل في ظل ظروف صعبة جدا. كان عليه أن يفكر مسبقا أين سيخفي ما كتبه. لقد كتب من دون أن يتوافر له أبدا مجمل عمله أمامه. وكان يدون ملاحظاته في دفتر صغير مثل إضافة معلومة في الفصل كذا أو أن الفصل هذا مخبأ في استونيا وذلك في موسكو...".
ويقول ارسيتي روغينسكي رئيس المنظمة غير الحكومية "ميموريال" التي تعنى بعمليات القمع في الاتحاد السوفياتي "إن "ارخبيل الغولاغ" يبقى الكتاب الأهم لأبناء جيلي ولم يفقد شيئا من أهميته اليوم".
ويضيف "أنه يصف بشكل رائع ولادة الغولاغ وكيفية عمله مع وضع الإنسان دائما في قلب التاريخ، وهو أمر لا يحسنه إلا كاتب عظيم".
وكرس سولجنتسين مجموع حقوق المؤلف عن كتاب "ارخبيل الغولاغ" لمساعدة المعتقلين السياسيين في الاتحاد السوفياتي حتى انهيار النظام الشيوعي. -(أ ف ب)