الاستراحة "الترويحة" بين الدروس في المدرسة

قلما فكر التربويون أو الخبراء في وزارة التربية والتعليم وفي كليات التربية في الجامعات، بالموضوع أعلاه؛ وجوداً وعدماً أو مدى. إنهم بدلاً من ذلك يتمسكون بمدة الحصة المدرسية: أربعون أو خمس وأربعون أو خمسون دقيقة أو ساعة. اضافة اعلان
في تاريخنا المدرسي الحديث، كنا كأطفال/ تلاميذ في المدرسة، نعتبر نهاية الحصتين والخروج إلى الساحة تنفساً. وقد كان فعلاً كذلك، لأن ثاني أكسيد الكربون الخارج من عشرات الأطفال/ التلاميذ في الغرفة كان يخنقنا ويسمم هواءنا. لم يكن المعلم أو المدير، كما هي الحال إلى اليوم، يفكر في "وضع قوارير مزروعة بالنباتات الداخلية التي تمتص ثاني أكسيد الكربون في النهار وتطلق الأوكسجين، ويرعاها التلاميذ دورياً لتلطيف جو الصف" (Eric Jensen, 1994).
ولأهمية الاستراحة أو "الترويحة" بين الحصص في المدرسة وأثرها على التعليم والتعلم وإدارة الصف والمدرسة، أجريت بحوث عديدة، وما تزال تجرى على هذا الموضوع. وقد تبين منها ما يلي (بتصرف) (Kappan, 2015):
• تُحَسِّن الاستراحات الكافية بين الحصص التعلم والنمو العاطفي والعقلي عند الأطفال/ التلاميذ، وتجدد طاقاتهم والتركيز أو الانتباه في الصف بعدها. لذلك، قامت فنلندا -رائدة التعليم في العالم- بجعل الاستراحة بين الحصة والأخرى 15 دقيقة، ومجموع الاستراحات في اليوم المدرسي خمسا وسبعين دقيقة.
• تُحَسِّن إدارة الصف والمدرسة؛ لأن التلاميذ بعدها يصبحون أقل فوضوية أو إعاقة للتعلم والتعليم. وكأن الاستراحة تعمل مثل زر تعيد ضبط الساعة النفسية والعقلية عند الأطفال/ التلاميذ.
لقد ثبت أن استمرار التعليم من دون توقف كاف بين الحصص يشتت الانتباه ويضعف الانغماس في التعلم بمرور الوقت. وعندئذ، فإن كل مهارات المعلم وأساليبه وتقنياته لن تقدر على إبقاء الأطفال منتبهين ومركزين، وحتى الراشدون قد لا يقدرون عليهما. يجب أن يكون الدماغ في حالة استقبال أو تحفز للتعلم، وهو ما نسميه بالدافعية. ولكنه لا يكون كذلك، وقد ينطفئ، بطول الحصة وقلة الاستراحة بين الحصص أو انعدامها. لقد جعل هذا الاكتشاف إدارة التعليم في مقاطعة شنغهاي في الصين اللافتة للانتباه دولياً في التعليم، تخفض مدة الحصة في المرحلة الابتدائية إلى 35 دقيقة. كما لاحظ المربون في نيوزيلندا انخفاضاً شديداً في التنمر، عزوه إلى زيادة مدد فترات الاستراحة بين الحصص.
• تعزيز النمو الاجتماعي للأطفال/ التلاميذ. إذ توفر الاستراحات الكافية بين الحصص وفترات الغداء والقيلولة للأطفال/ التلاميذ، الوقت للتفاعل الاجتماعي في وضع غير مبرمج؛ أي ليس تحت إشراف الراشدين ورقابتهم. فيبادر الأطفال، ويفاوضون ويتعاونون ويشاركون.. فيبنون علاقات اجتماعية مع بعضهم بعضا. وهي مهارات ذات قيمة خاصة أو عالية تفيدهم في المستقبل، وتختلف تماماً عما يتعلمونه أو يقيمونه من علاقات في اللعب المبرمج أو العمل.
• تُحَسِّن الصحة الجسمية. فللاستراحة الكافية بين الحصص فوائد جسمية شتى، مثل تحسين اللياقة البدنية لوجود فرص للوقوف والحركة والركض. ذلك أن الجلوس في الصف لمدد طويلة يؤذي الجسد، وقد يتسبب بمشكلات صحية دائمة؛ كالسمنة وقصر النظر، وحتى مشكلات في الدم.
غير أنه للأسف، وبسبب سوء الإدارة والفهم وضعف الإحساس بالواجب، تقوم مدارس في بلادنا بحذف الاستراحات أو خفض مددها للعودة المبكرة إلى البيت، أو نتيجة لتراكم الضغوطات عليها لتوفير مزيد من الوقت للتعليم الجيد! لكننا نسألها: هل يؤدي حذف الاستراحات أو التقليل منها أو من مددها إلى هذا التعليم؟ هل يؤدي مزيد من وقت الاستراحات إلى ضعفه؟ غير أنه لما كانت أميركا هي المرجع أو المعلم لكثير من أنظمتنا المدرسية، فإننا نحذف الاستراحات أو نقلل منها أو من مددها، بينما هي تكافح للتعلم من الدول الرائدة في ذلك كفنلندا وكوريا وتايوان والصين واليابان.
مثال: تبلغ نسبة مدد الاستراحة في المرحلة الابتدائية في أميركا 22 % من اليوم المدرسي، بينما تبلغ في شنغهاي 40 %. وفي المرحلة المتوسطة في أميركا، 12 %، بينما هي في شنغهاي 32 %. وفي المرحلة الثانوية في أميركا 15 %، وفي شنغهاي 20 %.
أخيراً، لقد أرعبني ما سمعت من معلمين ومعلمات عن تدهور تام للنظافة في المدارس، بما في ذلك مدارس وكالة الغوث، كما في مخيم البقعة مثلاً، والتي لا يقوم المعنيون بتنظيفها فتتراكم الأوساخ على أرضياتها وتخرج منها روائح كريهة، مما يضاعف من سوء وضع الأطفال/ التلاميذ فيها.