العودة للمساجد بين اللهفة لأداء الفريضة والشعور بالمسؤولية

figuur-i
figuur-i

منى أبوحمور

عمان - يستعد الأردنيون، بلهفة وشوق، لأداء صلاة الجمعة في المساجد، بعد إعلان الحكومة عن إغلاقها منذ بدء انتشار جائحة "كورونا"، كإجراء احترازي لعدم انتشار الفيروس المستجد.اضافة اعلان
عودة صلاة الجمعة في المساجد اليوم تعني الكثير لدى المواطن، تشعره بالأمان وراحة النفس بتأدية فريضة الله.
"فرحة كبيرة لا يعادلها أي فرحة أخرى.. فشوقي للصلاة في المسجد والمشاركة في صلاة الجماعة كبيرة"، بهذه الكلمات عبر الستيني أبو أمجد الخليلي عن سعادته بعودة أداء صلاة الجمعة في المساجد.
ويرى الخليلي أن الأردن في هذا الوقت يحتاج إلى تكثيف دعوات أبنائه وبناته إلى الله، ليرفع البلاء عن هذا الوطن الغالي، ويزيل الغمة عن الجميع.
ووسط غصة استثناء الحكومة لكبار السن من الذهاب إلى المساجد لأداء صلاة الجمعة حفاظا على صحتهم وسلامتهم، يقول السبعيني أبو علي "إن الالتزام بالإجراءات الوقائية التي فرضتها وزارة الأوقاف في أداء صلاة الجمعة هو أيضا عبادة"، من وجهة نظره، "وإن حماية النفس والآخرين وعدم تعريضها للأذى أيضا عبادة، ولا تقل أجرا عن صلاة الجماعة".
وبين شوق المصلين لزيارة بيوت الله وأداء الصلاة والاستماع لخطبة الجمعة، يبدو حرص المواطنين على الالتزام بالإجراءات الوقائية والتباعد في الصلاة، وهذا ما أشار إليه الأربعيني علي الحسن الذي أكد التزامه وأبنائه الشباب بتحضير الكمامات والقفازات، فضلا عن تحضير سجادة الصلاة الخاصة لكل واحد منهم.
ويقول "الشوق لأداء الصلاة كبير.. وحتى نتمكن من أدائها كل جمعة، سنكون حريصين على الالتزام بالإجراءات الوقائية"، مؤكدا أن المصلين شركاء في المسؤولية بالحفاظ على صحة الجميع وعدم المساهمة بنشر الوباء بأي شكل من الأشكال.
ويشاركهم الرأي الخمسيني خالد الزعبي الذي ينتظر أن تصدح أصوات الأئمة في سماعات المساجد ورؤيتهم وهم يعلون المنابر، مؤكدا أن اليوم هو بحق عيد للمسلمين.
ويتمنى الزعبي من جميع المصلين الالتزام بالإجراءات الاحترازية، حتى تستمر فرحة المصلين بعودة المساجد.
وفي الفترة الماضية، كان لإغلاق المساجد آثار نفسية كبيرة على الأشخاص، وفق الاستشاري الأسري مفيد سرحان، فقد دأبوا على أداء معظم الصلوات في المساجد، ولعل صلاة الجمعة هي الأكثر حضوراً باعتبارها صلاة جامعة تؤدى يوم الجمعة، وهو يوم عطلة رسمية؛ حيث يحرص الكثيرون حتى ممن لم يعتادوا أداء باقي الصلوات في المسجد على الذهاب يوم الجمعة للصلاة في المسجد، وقد كانت غالبية مساجد المملكة تمتلئ بالمصلين، بل إن الكثير منها ربما لم يتسع للأعداد الكبيرة، فيلجأ المصلون إلى الصلاة في الساحات الخارجية.
ولصلاة الجمعة في المساجد قيمة دينية واجتماعية، وفق سرحان، فبالإضافة إلى تأدية الصلاة، فإن كثيرا من المصلين يوم الجمعة يلتقون مع جيرانهم وأصدقائهم في هذا اليوم، كما أن كبار السن الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد يحرصون على الذهاب إلى المسجد قبل الأذان، بل ربما يقفون على باب المسجد بانتظار فتحه، ويمكثون فيه بعد الصلاة حتى يطلب منهم المغادرة لإغلاق المسجد.
وبإعادة فتح المساجد بعد ما يقارب ثلاثة أشهر من إغلاق المساجد ووقف أداء الصوات فيها، يشعر الجميع، وفق سرحان، براحة نفسية وطمأنينة كبيرة، فالمساجد مرتبطة بالدين والإيمان، وهي بالإضافة لكونها مكان الصلوات فهي ملتقى أهل الخير ومنطلق الدعاة، ومحضن للتربية والتوجيه، وفيها يشعر الإنسان بالقرب أكثر من الله، وإعمارها فيه تعظيم لشعائر الإسلام.
ويتابع سرحان "خلال الفترة الماضية فإن الجميع قد تاقت نفسه وروحه إلى الذهاب إليها"، خصوصاً أن فترة الإغلاق شملت شهر رمضان المبارك الذي يتميز بأداء صلاة التراويح التي كانت تجمع المئات من سكان الحي رجالا ونساء وأطفالا.
هذه العودة، وفق سرحان، تفرض على الجميع الحرص على الالتزام بالتعليمات الوقائية التي أعلنت عنها الجهات المختصة، وهنا لا مجال لتحكيم القناعات الشخصية في ضرورة وأهمية هذه الإجراءات، فالواجب يتطلب الأخذ بجانب الحيطة حتى لا يكون الشخص سبباً في نقل الوباء أو نشره "لا سمح الله" أو سبباً بالإخلال بالنظام العام، فالمسلم، والمصلي خصوصاً، يجب أن يكون قدوة حسنة لغيره في النظافة والوقاية والانضباط وضبط النفس والبعد عن الجدال والتزاحم على المكان.
ويجد سرحان أن صلاة الجمعة فرصة لإظهار عظمة الإسلام وانتظام المصلين والتزامهم، وإن كان التقارب بين المصلين مطلوباً في الأيام العادية، فإن تباعد الأجساد وترك مسافات بين المصلين، هو للضرورة والتزام بالتعليمات وفيه تحقيق للمصلحة في هذا الوقت.
ويذكر، بدوره، أن المصلي بانضباطه وانتظامه يرسل رسالة دعوية للعالم، فالكثير من المجتمعات أصبحت بعد وباء "كورونا" تدرك أهمية النظافة وغسل الأيدي مثلاً، وهي أمور أساسية بديهية عند المصلي، وهي جزء من عبادته.
"المسؤولية جماعية وهي ليست مسؤولية إمام المسجد أو لجنته فقط"، وفق سرحان، منوها إلى أن دور شباب الحي خصوصا ورواد كل مسجد عموما كبير في توعية المصلين قبل يوم الجمعة، وحث الجميع على الالتزام.
تأكيد التعليمات عدم مشاركة كبار السن والمرضى في هذه الصلاة الأولى، من وجهة نظر سرحان، بعد توقف دام طويلا، يأتي حرصاً على صحتهم باعتبارهم الأقل مناعة والأكثر عرضة للتأثر بالوباء وآثاره، وهذا يتطلب مجهودا كبيرا في إقناعهم بعدم الذهاب إلى المسجد، وهو أمر ليس بالسهل.
وهنا تأتي الحكمة في التعامل والاقتناع، وإن تعذر ذلك وأصر بعضهم على الذهاب للمسجد، وهو أمر يعود إلى طبيعة كبير السن وقناعاته وحرصه على الصلاة في المسجد، بل وانتظار هذا اليوم، فإن المسؤولية تتطلب إفساح المجال لهم للصلاة في أماكن مناسبة بعيدة عن الاكتظاظ، والأفضل أن تكون مفتوحة وجيدة التهوية مع ترك المسافة المطلوبة بين الآخرين، وأن يكونوا قريبين من أبنائهم وأحفادهم لإدامة الاهتمام بهم، وفق سرحان.
وفي هذا الظرف الاستثنائي، يشدد سرحان على ضرورة ترك عادة المصافحة عدا عن التقبيل، والاكتفاء بإلقاء السلام والتحية عن بعد، فالتباعد الجسدي لن يضعف التقارب بين القلوب وعدم المصافحة لن تؤثر على الود والمحبة والاحترام.
ومنذ إعلان وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة قرار فتح المساجد لأداء صلاة الجمعة، بادر بالتعميم لمديري الأوقاف في جميع محافظات المملكة عن الإجراءات والتعليمات الواجب الالتزام بها.
الخبير والباحث في مجال الإدارة الصحية والوبائيات الدكتور عبدالرحمن المعاني، يشير بدوره إلى أن ما شهده الأردن من إنجازات قدمتها الدولة من أجهزة رسمية وأجهزة أمنية وكوادر طبية خلال أزمة "كورونا" يتوجب علينا أن نحافظ عليها، وأن لا نترك التباعد الاجتماعي بعد انتهاء شهر رمضان وحلول عيد الفطر السعيد، وأن نستمر بالالتزام بالتعليمات ومساعدة المواطنين.
ويقول "نحن اليوم في معركة ضد هذا الوباء، ويجب علينا الالتزام بالتعليمات، وأن نعتمد التباعد الاجتماعي أسلوبا في حياتنا وتعاملنا حنى ننتهي من هذا الوباء، وألا نكون وسيلة لنقله وضرر الناس من الوباء".
ويضيف المعاني "إن العودة للصلاة في المساجد تتطلب جهودا رسمية، وجهودا من المواطنين كذلك، حتى نتجنب نقل فيروس كورونا من خلال المساجد ودور العبادة".
أما بخصوص الجهود الرسمية، فيثمن المعاني أداء الجهات الحكومية في القيام برش وتعقيم وتجهيز المساجد قبل أداء صلاة الجمعة اليوم، وكذلك قيام مديريات الأوقاف ووزارة الأوقاف بتنفيذ حملات توعوية وإرشاد لضمان تطبيق الإجراءات الاحترازية من قبل المصلين أثناء أداء صلاة الجمعة أو أي صلاة أخرى، وأيضا تحديد أماكن المصلين بهدف الالتزام بالتباعد بينهم.
ويشير المعاني إلى أهمية التزام المواطنين بالتعليمات الإرشادية، التي تتضمن التباعد الجسدي وعدم التزاحم، وعدم المصافحة المباشرة بين المصلين، والاكتفاء بإلقاء التحية بالإشارة مع ضرورة إحضار مستلزمات الصلاة من المنزل كالسجادة والمصحف إلى جانب أدوات الوقاية المعتمدة من كمامات وقفازات، كما ينصح كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وذوو المناعة المنخفضة ومن لديهم أعراض مرضية بتجنب الصلاة في المساجد؛ حفاظا على سلامتهم وسلامة الآخرين.
ويؤكد المعاني على المصلين ضرورة الالتزام بهذه الإرشادات التوعوية حتى لا يكون وسيلة وباء فيروس "كورونا"، ويساعد على مكافحته واحتوائه والتخلص منه في النهاية، داعيا الله لأن يحمي الوطن والمواطن من شر كل بلاء ووباء.
يذكر أن وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة، قد عمم على مديري الأوقاف في جميع محافظات المملكة عن الإجراءات والتعليمات الواجب الالتزام بها عقب قرار فتح المساجد لأداء صلاة الجمعة اليوم.