الفرق الموسيقية الشبابية المحلية بين الوعـي وتحصيـن الموهبـة بالـدراسـة

الفرق الموسيقية الشبابية المحلية بين الوعـي وتحصيـن الموهبـة بالـدراسـة
الفرق الموسيقية الشبابية المحلية بين الوعـي وتحصيـن الموهبـة بالـدراسـة

محمد جميل خضر

عمّان- حققت فرق موسيقية محلية شبابية في العامين الماضيين حضورا لافتا فرض على المتابعين والمهتمين والنقاد قراءة ظاهرة انتشار الفرق الشبابية(المتكونة أساسا من عازفين ومؤدين شباب والحاملة في توجهاتها الموسيقية رؤى وأساليب جديدة)، بعين فاحصة ووضع حراكها في السياق الموسيقي المحلي والعربي والعالمي العام.

اضافة اعلان

 وحمل المنتج الإبداعي الموسيقي لتلك الفرق، في معظم تمثلاته، مغايرة عما سبقه، وشكّل، إلى ذلك، هاجس المزج بين عدة أنواع موسيقية، خصوصا بين الموسيقى الغربية والشرقية، عنوانا رئيسيا عند كثير منها، إن لم يكن عندها جميعها. وبسبب هاجس المزج fusion والرغبة في خلق هارموني harmony بين الموسيقتين الشرقية والغربية، فقد استخدمت معظم تلك الفرق آلات متنوعة(شرقية كالعود والقانون والإيقاعات الشرقية وغربية كالتشيلو والساكسفون والجيتارات بأنواعها)وحافظت الكمنجات على معناها المتوازن ووظائفها الصالحة للنوعين سالفي الذكر.

 وتراوح مستوى التأثير على الجمهور(الشبابي في معظمه) بين فرقة وأخرى من تلك الفرق، وهو تراوح يعود إلى أسباب عديدة على رأسها مدى الإجادة، ودرجة الجدية، والمثابرة، ودعم توجهاتهم ومشروعهم الإبداعي بفهم ووعي موسيقي عميق، وتحصين الموهبة بالدراسة، وحتى التأثير الشخصي(كاريزما التأثير) عند بعض أعضاء تلك الفرق.

 وإن كانت فرقة مثل "زمن الزعتر" قد حققت حضورها بعد مشاركات واسعة وعدة سنوات من العمل وإنتاج الألبومات والتعاون المثمر بين عازف العود أحمد بركات وعازف الجيتار يعقوب أبو غوش، فإن فرقة أخرى مثل "شرق" حققت حضورها بزمن قياسي وخلال العام الأول من انطلاقتها.

 وهو ما ينطبق على باقي الفرق، وما يتعلق بظروف موضوعية مثل التوجه العام لمزاج الناس في فترة بعينها وبناء على ظروف محيطة بعينها، فالجمهور الموسيقي إجمالا لا يقيم في برج عاجي بعيد عن المؤثرات حوله من ارتفاع أسعار أو تدني مستوى المعيشة أو تعرض دولة شقيقة حوله من دول الجوار لعدوان أو مرورها بعواصف سياسية ودخولها في حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي وبالتالي اجتماعي.

وتتباين آراء النقاد والمتابعين حول ظاهرة الفرق الشبابية، ففي حين يرى الموسيقي والأكاديمي هيثم سكرية أن من شأن تلك الظاهرة أن تنمي المواهب الشابة وتفتح آفاقا جديدة أمام الحراك الموسيقي المحلي وتشكل فرصة لتبادل التجارب والخبرات والمواهب، فإن الفنان نصر الزعبي يشترط توفر لحظة تاريخية فاصلة ليتخلص الحراك الإبداعي المحلي (سواء كان شابا أو متكرسا) من "تبعية قدرية" جعلته بحسب الزعبي، يقع دائما في خانة الشبيه العاجز عن أن يكون هو.

 وهي التبعية التي يرى الزعبي أنها جعلت الأنماط والتوجهات والمشاريع الموسيقية(وغيرها) تظل تدور في فلك التقليد وتمثل أفكار الآخرين. وفي سياق ما تقدم يقول الزعبي "نحن نمتلك قابلية التشيؤ ولكنا لا نمتلك اللحظة المواتية لخلق هذا التشيؤ"، ويفسر التشيؤ بأن نكون ذواتنا وبأن نصنع شيئا يحمل نكهتنا.

ويستشهد الزعبي بعبارة للكاتب الإنجليزي كولن ويلسون في كتابه "الإنسان وقواه الخفية" يتلخص معناها بأن الإنسان توقف عن الالتفات إلى داخله لصالح البحث الخارجي، وينقل الزعبي المعنى العام للعبارة باتجاه الحالة الإبداعية المحلية التي ضاعت بوصلة حراكها الداخلي مقابل تركيزها على ما ينتج في الدول والأقاليم الأخرى.

 ويخلص الزعبي من مجمل ما تقدم إلى أن الفن المحلي عموما والموسيقى على وجه الخصوص تعاني من مشاكل "ليس لها علاقة بالتقنية بل لها علاقة بالوعي السائد"، ويختم بالإشارة إلى وجود فراغ في منطقة الريادة الأصيلة ويذهب إلى أن الساحة المحلية تعاني من غياب الأسس التي يمكن أن يبنى عليها أي حراك منتج شبابيا كان أم مكرسا.

 ويتابع الموسيقار الأردني عامر ماضي "عن كثب" هذه الفرق الشبابية "الواعدة"، ويرى كما في حديث مع "الغد" أن الشباب القائمين على تلك الفرق يحملون في طاقاتهم وعود مستقبل موسيقي محلي مبشر.

 ويشير ماضي باستحسان إلى الإصرار الكامن خلف عمل هؤلاء الشباب والمبثوث في تعبيرهم الموسيقي الخاص بهم. ويورد ماضي أن الجيل الموسيقي المحلي الشاب استفاد في حراكه من تقدم وسائل الإعلام وثورة الاتصالات، ويختم ماضي مداخلته بالقول "ولكن ما أود أن أضع يدي عليه هو عدم وجود حالة من التواصل ما بين هذا الجيل ومن سبقه ليكون هو الجمهور والناقد الأول لهذه الموسيقات التي تقدم من قبل جيل الشباب".

 ويرى الموسيقي طارق الناصر مؤسس فرقة "رم" أن الموجود من موسيقى شبابية مميز ولكنه يحتاج إلى نضج، ويقول "النتاج العام فيه بحث عن شيء مميز لكنه يحتاج إلى مزيد من العمل على إتقانه وهي مسألة وقت". ويعتقد الناصر أن أغلبية الموجود هو تحت هذا التفنيد، وهو "خلط ما بين القالب الموسيقي الشرقي مع استخدام الآلات الشرقية والغربية وخلط القالب الموسيقي الغربي مع الآلات أيضا الغربية والشرقية"، ويرى بأن هذه التجارب ليست في الأردن فقط بل في الوطن العربي والعالم ككل، "والاحتمالات كثيرة جدا إلا انه يجب البحث عن إيجاد صيغة محددة".

 ويتوقع الناصر أن يكون المشهد الموسيقي المحلي بعد عدة أعوام "رائعا وملونا ومتباينا" لكنه في الوقت نفسه "حساس، فالأردن بلد حديث العهد في التجارب الموسيقية ويحتاج الأمر إلى حساسية في التعامل معه.

 هنالك تجارب جادة آمل الا تقع في فخ "الترفيه"، ويجب أن يكون هنالك توازن بين التطور الثقافي والترفيهي وإلا سنقع في الجهة الحساسة من الأمر، وبما أننا في طور النمو فيمكن أن تميل الكفة لأي جهة كانت: الثقافة أو الترفيه". وينصح الناصر الموسيقيين الشباب أن يظلوا في "حالة تركيز على المشروع والفكرة التي تمثله ويؤمن بها وألا يقف أمام المشاكل الصغيرة". ويختم بالقول "دور الإعلام في المجال الموسيقي مؤثر وقوي جدا ويتراوح تأثيره بين الجيد والسيئ، ويجب أن يكون هنالك حس بالمسؤولية عند الجهات الإعلامية بما تطرحه، فالإعلام يمكن أن يدعم الموسيقيين ويوجههم وينقدهم ويعرفنا بموسيقيين لم يتم تسليط الضوء عليهم".

وتقول الإعلامية والمهتمة بالموسيقى وعلومها غيداء حمودة حول الموضوع نفسه "منذ بضع سنين، بدأنا نلاحظ حراكا في الحركة الثقافية في الأردن وبالأخص في مجالي صناعة الأفلام والموسيقى، حيث بدأ بالظهور مجموعة من الموسيقيين وصناع الأفلام الشباب، وقد قام مجموعة من الأفراد أمثال حازم البيطار بالإضافة إلى مؤسسات معينة مثل الهيئة الملكية لصناعة الأفلام بدعم صناع الأفلام بالتحديد".

وترى بأن معظم المحاولات الشابة فردية وما زالت تبحث عن ذاتها مع غياب الجهات المعنية بتبنيها وتوجيهها ودعمها. وتركز حمودة على نقطتين:"أولا النهوض بمستوى الثقافة الموسيقية في المجتمع ككل لأننا نفتقد إلى ذلك بالمقارنة مع دول مجاورة مثل سورية ولبنان والعراق، كما ونفتقد إلى "هوية موسيقية" في مجتمعنا؛ الأمر الآخر هو ضرورة تضافر جهود المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والأفراد لتوفير الدعم المادي وإيجاد بيئة فنية موسيقية صالحة لنمو أي موهبة جيدة وصقلها وتوجيهها".

 وحول الجانب الأكاديمي، تقول حمودة "نحن إجمالا في الوطن العربي نفتقد لوجود مناهج متخصصة بالموسيقى الشرقية، بينما يوجد مناهج للموسيقى الغربية بجميع آلاتها من الغرب أنفسهم. كما أننا نجد معظم العازفين في الأردن متجهين نحو آلات محددة مثل العود، البيانو، الكمان والإيقاع، بينما يستلزمنا وجود عازفين وموسيقيين مهرة على الآلات كافة الشرقية منها والغربية".

وترى بأن الساحة المحلية تفتقد إلى "النقد البناء والاستعانة بالمصطلحات الموسيقية، وهنا أيضا يأتي دور المؤسسات والموسيقيين للعب دور مهم في هذا المجال. ولا أحد يستطيع أن ينكر دور الإعلام في توجيه الناس إلى اختياراتهم في الموسيقى والغناء، وهذا موضوع يجب أن نتعامل معه بشعور بالمسؤولية".

 وتشعر "أننا نمر حاليا في مرحلة حرجة وحاسمة، فلدينا موسيقيون كبار لاقوا التقدير سواء في الأردن أو خارجه، هذا بالإضافة إلى وجود مواهب وبذور لمشاريع موسيقية شابة هامة وواعدة، فإما أن ننتقل إلى مرحلة أكثر نضجا وإما سنظل نحن والجيل الذي بعدنا ننتظر!" وتهدف فرقة "شرق" بحسب أحد مؤسسيها وعازف العود والبزق فيها طارق الجندي "إلى إعادة أداء الأغاني والموسيقى العربية وطرحها بأسلوب جديد وفي نفس الوقت يحفظ هويتها المميزة، وهذا بالإضافة إلى تقديم مؤلفات خاصة بها".

 وتسعى الفرقة كما يشير الجندي للوصول إلى نقطتين:"زيادة قاعدة الجمهور، وإبراز مختلف النواحي الجمالية في الموسيقى الشرقية العربية في مختلف قوالبها وذلك للتغلب على ما يتعرض له المستمع العربي من اهانة لذوقه الموسيقي من خلال ما يقدم له من موسيقى وأغان مرئية ومسموعة لا يمتلك أصحابها أدنى متطلبات العمل الموسيقي سواء غناء أو عزفا أو لحنا أو توزيعا".

 ويوضح عازف العود في فرقة "زمن الزعتر" أحمد بركات أن المسعى الأول الذي دفعه وعازف الجيتار يعقوب أبو غوش إلى تأسيس الفرقة هو خلق حالة مزج FUSION بين عدة أنواع موسيقية، ويؤكد بركات أنهم في الفرقة لم يجدوا بعد تسمية لما يقدمونه، وأن ما تحمله ألبوماتهم من عناوين هو لغايات التسويق فقط.

ويرى بركات أن هاجس التفاعل مع موسيقات أخرى ليس هاجسا جديدا على الموسيقى العربية وهو ما بدأه منذ زمن بعيد فنانون رواد مثل سيد درويش ومحمد عبدالوهاب ومحمد القصبجي وغيرهم.

 ويعرف بركات محاولات المزج التي تتبناها كثير من الفرق المحلية الشبابية بأنه "البحث عن عناصر مشتركة تضيف جماليات جديدة لتحقيق مزيد من التحليق الجمالي والريادة الإبداعية".

ولا يرى بركات بوجود حدود في الموسيقى الحاملة لغة عالمية، ويختم بأنه مع التجريب "بلا حدود". وتصف عازفة العود في فرقة "أثر" مي حجارة ما يقومون به في الفرقة بأنه "ترجمة حداثية" للموسيقى العربية الأصيلة"، وتعلل ذلك بأنه نوع من "التماشي مع مزاج الشباب المعاصر الذي يحب ان يستمع لتلك الموسيقى ولكنه محروم منها".

 وتلخص عملهم في فرقة "أثر" بإضافة بعض الجيتارات على الأغنيات العربية القديمة وإحداث تغيير طفيف في التدخل الإيقاعي".

 وتتوقع حجّارة النجاح للفرق الشبابية بقليل من الدعم والتبني والرعاية والتسويق الإعلامي. وعن التباين بين الفرق الشبابية ترى حجّارة أن لكل واحدة منها نكهتها الخاصة "وما حدا بسرق تجربة حدا".