المصارف الإسلامية.. إدارة الجودة للتميز في الأداء

غسان الطالب*

بعد مرور أكثر من خمسة عقود على تجربة المصارف الإسلامية، فإنها اليوم تتميز بتجربة انتشار واسع في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية وتشهد تسارعا في دخول الأسواق المالية العالمية وذلك لعاملين أساسيين؛ أولهما ثقافة العولمة التي حدّت من القيود على هذا الانتشار وثانيا تبعات الأزمة المالية العالمية وتأثيرها المحدود على عمل المصارف الإسلامية بسبب تنوّع أدواتها المالية وفلسفتها الخاصة بالتمويل والاستثمار.
إن هذا التوسع يتطلب منّا إيجاد الوسائل المناسبة والجادة لتوجيه هذا النمو في العمل المصرفي الإسلامي وتطوير أدواته وابتكار كل ما هو جديد ومنسجم مع مبادئها لتحقيق التميّز في أدائها وخدماتها، فكان لابد لها من تحقيق مبدأ الالتزام بمفهوم الجودة الشاملة وطريقة إدارتها، علما أن هذا الالتزام يحقق ميزة تنافسية عالية الجودة مع ما هو موجود في المصارف التقليدية، وبالتالي يتطلب القدرة على مواجهة تطوّر قدرة الآخرين على تحقيق ميزات تنافسية، وتمكن المصرف كذلك من تقليل هامش الأخطاء التي قد تطرأ على أدائه، كما أنها تحقق له أكبر قدر ممكن من الأرباح المتأتية من جودة خدماتها، وتعمل على ترسيخ الثقة التي ترسخها لدى عملائها، كما أنها ستعمل على كسب فئة من متعاملين جدد يبحثون عن الثقة والجودة معا، وهذا يعني أنها ستحقق حصة أكبر من السوق المصرفية.
إذن حتى نحقق معايير الجودة الشاملة في أداء المصرف، لابد من العمل على تفهم حاجات العملاء من الخدمات وتطويرها كون العميل هو العنصر الرئيسي الذي بدونه لن يتمكن البنك من تحقيق أي هدف من أهدافه وكذلك الاهتمام المتواصل بالعاملين من تدريب وتطوير وتنمية مفهوم الجودة لديهم وتقديم الحوافز لهم لضمان تقديم أفضل الخدمات ومن ثم الاستفادة من جميع عناصر التكنولوجيا المتقدمة والحديثة وكل ما هو جديد لتطوير أداء المصرف والعاملين معا وصولا إلى أفضل الخدمات.
إن تبني مفهوم الجودة الشاملة يعد خياراً استراتيجياً لا بد منه أمام المصارف الإسلامية كثورة إدارية فاعلة وتطوير فلسفي لنظم الإدارة الحديثة لتطوير أدائه وقدراته والتمكن من مواجهة التحديات التنافسية في الصناعة المصرفية.
إن فلسفة المصارف الإسلامية القائمة على مبادئ الشريعة الإسلامية والرافضة لمبدأ التمويل على أساس سعر الفائدة تجعل من مفهوم الجودة الشاملة أكثر عمقاً إذا أضفنا معايير الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمنتجات المالية الإسلامية وطرق تطبيقها وتنفيذها، وذلك لترسيخ منهجية موضوعية تتابع وتلازم تطور العمل المصرفي الإسلامي، وهذا هو جوهر الفلسفة التي أتت بها وإلا لما كان هناك ما يميزها عن غيرها من المصارف التقليدية، إضافة إلى أهمية الثقة التي يبحث عنها العملاء الذين اختاروا التعامل معها في الابتعاد عن التعامل مع النظام المصرفي المبني على سعر الفائدة وتحقيق استثماراتهم بما ينسجم مع الشريعة الإسلامية خوفاً من الوقوع في فخ الربا، وهذا مرتهن بطبيعة ونوعية هيئات الرقابة الشرعية وقدرتها على مراقبة عمليات المصرف ومدى انسجامها مع الشريعة الإسلامية، هذا من جانب، ومن جانب آخر التزام المصرف بتوجيهات وآراء هذه الهيئات حتى يضمن جودة الأداء المتطابق مع الأحكام الشرعية

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي