المعلم هو صانع التاريخ

يقدم تلاميذ المدرسة الأردنية، منذ التحاقهم بالصف الأول الأساسي وحتى نهاية المرحلة الثانوية، نحو ألفي امتحان مدرسي؛ بين يومي وأسبوعي ونصف شهري وشهري ونصف فصلي وسنوي، وفي فروع المادة الواحدة كافة. ثم يأتي امتحان من طلقة واحدة، صار يوصف بـ"التوجيعي" السنوي (نادية العالول) -لأنه يجند الدولة لضبطه، ويقلق راحة الأسرة والمجتمع بعملياته- ليقرر مصير المتعلم، مبرئاً المدرسة والإدارة والوزارة من نتائجه. اضافة اعلان
ها هما امتحانان تحصيليان جديدان يفرضان على الصفين السادس والتاسع الأساسيين أو الإلزاميين بالصفة نفسها. وبهذا التطور، أصبح الامتحان العام محنة لا اختباراً أو تقييماً لمدى جودة التعلم والتعليم، وتغذية راجعة لتحسينهما وإقالة عثراتهما في ضوء الاختبار أو التقييم، لأن التعلم لا يتحسن عاماً بعد عام جراء هذا الامتحان.
أعجب من المثقفين والسياسيين والتربويين الذين لا تفجعهم حالة الطوارئ السنوية المرافقة للامتحان العام، وتجنيد قوى الشرطة لضبطه، وكأن هذه الحالة خاصة بالتربية والتعليم، فلا تثير الانتباه ولا تدعو إلى قرع الأجراس أو إطلاق صفارات الإنذار لإنقاذ التربية والتعليم من هذه المحنة.
الأصل أن لا يحتاج الاختبار أو الامتحان إلى مثل هذه الأجواء المكهربة، لأن التلميذ صرف اثنتي عشرة سنة من عمره وهو يتربى ويتعلم، كما يعتقد ذووه ويعتقد المجتمع؛ ومن ثم، فإنه تسلح بالأخلاق والفضائل الحميدة التي تمنعه من اللجوء إلى الغش. لو كان التعلم والتعليم مسلحاً بهما، لما احتاج الامتحان إلى مراقبين، وليس إلى الشرطة، لأن أخلاق التلاميذ تأبى الغش.
لقد وصل الأمر بأحد المعلمين في أحد البلدان إلى الاعتذار لمديره عن الخطأ الذي وقع في الامتحان الذي أجراه. فسأله المدير؟ هل غش التلاميذ في الامتحان؟ فأجاب: لم يحاول أحد منهم ذلك. لكن المعلم استغرب نجاح جميع التلاميذ لأن الذين علموه كانوا تقليديين، وأنه يجب أن يفشل بعض التلاميذ في كل امتحان وفي أي امتحان، ليكون الامتحان صحيحاً.
ولسوء السياق الامتحاني، ينظر التلاميذ إلى الامتحانات كخبرات تعليمية سلبية مؤلمة، لا إيجابية سارة. لكن لو كان الامتحان للتقييم والمساعدة على التعلم، لبادر التلاميذ إلى المطالبة بعقده بعد كل وحدة تعلم. لو كان الامتحان للتقييم، لحاول المعلمون والمعلمات معرفة وجهة نظر تلاميذهم من خلاله، ولأزالوا الصورة السلبية له من الأذهان، لأنه بالنسبة للتلاميذ ليس سوى إجراء لإدانتهم على ما لا يتذكرونه أو يعرفونه؛ وأحياناً، أداة يستخدمها المعلمون والمعلمات للحط من شأنهم، من مثل: "علاماتكم متدنية"، "أنتم أغبياء"، "أنتم غير مجتهدين"... وفي هذه الحالة، يصبح المعلم والتلميذ على طرفي نقيض، ويشعر التلاميذ أنهم الخاسرون الفوريون. ولعله لهذا يجب أن ندرك أنه كلما وعندما نستخدم كلمة "امتحان"، فإن أنباء غير سارة تلاحق التلاميذ وتجعل كثيراً منهم يخافون ويتوترون، حتى وإن كانوا مستعدين جيداً.
مما يزيد الطين بِلة، أن كثيراً من المعلمين والمعلمات يجهلون الموقف التربوي الصحيح من الامتحانات، عندما يجعلونها تنافسية بين التلاميذ، لا تنافسية بين كل واحد منهم مع نفسه. كما تتحول الامتحانات عند عدد غير قليل من المعلمين والمعلمات إلى مناسبة للتباهي بقدرتهم أمام التلاميذ، أو بالسيطرة عليهم أو قمعهم. لكن لو كان الامتحان أو الاختبار للتقييم والتغذية الراجعة، لما كان هناك حاجة لمثل هذا السلوك السلبي.
المطلوب تصميم اختبارات لمساعدة التلاميذ على تحسين تعلمهم الأكاديمي، ولمساعدة المعلم أيضاً على تحسين تعليمه، وبحيث تكون عملياته وتقنياته وأساليبه في خدمة هذين الهدفين. فالامتحانات ليست عقاباً، ولا يجوز أن يكون هدفها إثبات أن التلاميذ لا يعرفون.
إن الامتحان ليس مجرد أسئلة، كما يتصور كثير من المعلمين والمعلمات السذج؛ بل هو عملية معقدة من بدايتها إلى نهايتها، الإجابة عن الأسئلة فقرة منها. وقد تجلت الفوضى في الامتحان التحصيلي الذي تحول بقدرة قادر إلى استدلال تجريبي عندما ظن واضعوه أن مجرد وضع أسئلة وطبعها وتوزيعها والإجابة عنها يكفي.
إن المعلم القائد هو صانع التاريخ، كما يقول "هـ.ج. وليز". وإن المعلمين والمعلمات الذي يعلمون الأطفال بجودة ومهارة، أحق بالاحترام من الذين ينجبونهم، كما يقول أرسطو طاليس. فهل هو أو هم موجود/ون في مدارسنا؟