بدران: لم أكن ضد القطاع الخاص لكن "العام" كان الأقدر والأجرأ

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر". (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر". (تصوير: محمد ابو غوش)

محمد خير الرواشدة
عمان - تفاصيل مثيرة ومشوقة، وتوثيقية، يسردها رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران لـ"الغد"، في حلقة اليوم من "سياسي يتذكر"، تكشف طبيعة العمل الحكومي، ومطبخ صناعة القرار الاقتصادي والسياسي والاداري في الدولة الاردنية خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي.
يستعرض بدران، في الحلقة السابعة عشرة اليوم، قصة مشاريع تنموية ضخمة، طورت من البنية التحتية للمملكة، في وقت سعت فيه لاستقطاب الاستثمارات العربية، الهاربة من لبنان بعد اندلاع الحرب الاهلية فيها العام 1976.
ويظهر من التوثيق التاريخي لبدران، مع قصة مشاريع كبرى أقيمت في السبعينيات، إيمان الرجل بأهمية القطاع العام، وضرورة تقدمه لأخذ المبادرة لإنشائها وإدارتها، خاصة في ظل تجنب او تهرب القطاع الخاص في تلك الفترة التاريخية، من اقتحام ميدان هذه المشاريع الكبرى، كما في قصة صوامع القمح، وحتى انشاء فنادق فخمة تغطي النقص الحاصل في البلد.
ويقول بدران "لقد اتهمت بأني اشتراكي، وقالوا عني بعثيا، واسعى لاحتكار كل شيء للقطاع العام، لكن العبرة في النتائج، فأنا لا أعرف العمل بالشعارات، وكل ما اعرفه هو البحث عن المصلحة العامة، والسعي لتحقيقها، بعيدا عن شعارات الشراكة بين القطاعين، والتي تبقى على أرض الواقع شعارات إن لم نقم فعلا بتطبيقها".
وفي سياق اخر، اقر مدير المخابرات الاسبق، بانه لم يستطع تحييد الهاجس الأمني في أي عمل قام به، لكنه يقول "لا أجد أن طبيعة هاجسي الأمني، أثرت على عملي السياسي، بل على العكس تماما، كانت ميزة لي بالعمل، أو على الأقل هذا ما شعرت به".
وكان بدران نقل في حلقة أمس القارئ الى اجواء نهاية السبعينيات من القرن الماضي، حيث واجه الاردن في تلك الحقبة تحديات اقتصادية وتنموية ضخمة، ترافقت مع ضغوط سياسية واقتصادية عربية واميركية، انهالت على المملكة، ما كان يشي بانها ضغوط تمهد للقبول بتسوية سياسية ما للقضية الفلسطينية.
كما دخل في تفاصيل عديدة حول عمل الحكومة بتلك المرحلة، خاصة مع تدشين مشاريع اقتصادية ضخمة او افتتاحها، بمناسبة احتفالات المملكة باليوبيل الفضي للمملكة، مستعرضا قصة نجاح الاردن، رغم كل الظروف الاقتصادية والسياسية، في انشاء مشاريع طريق المطار الدولي، وتوسعة البوتاس واقامة صوامع القمح، وميناء العقبة واقرار قانون الضمان الاجتماعي.
وفيما يلي نص الحلقة السابعة عشرة

اضافة اعلان

* في بداية عملك كرئيس حكومة، ألم تتأثر بمعادلة الأمني والسياسي، فطغت شخصية على الأخرى، أم أنك التزمت بالمسار السياسي في مهمتك الجديدة؟
-أنا لا أستطيع تحييد هاجسي الأمني عن أي عمل أقوم به، ولا أجد أن طبيعة هاجسي الأمني، أثرت على عملي السياسي، بل على العكس تماما، كانت ميزة لي بالعمل، أو على الأقل هذا ما شعرت به.
في وضعنا الأردني، ثمة ارتباط وثيق بين السياسة والأمن، ولا يمكن الفصل بينهما، أو فض الاشتباك الحاصل، كما أضيف لهذه المعادلة من طرفين، طرفا ثالثا، لا يقل أهمية وهو الاقتصاد.
فتكريس حالة الأمن، وبسمعة إقليمية معتبرة، سيأتي لك بالاستثمار من كل حدب وصوب، وذلك سينعكس إيجابا على المستويات المعيشية للمواطن.
لكن ليس فقط الأمن، الذي سيأتي لك بمعادلة اقتصادية مؤثرة، فعليك بعد الأمن، أن تصنع بقية العوامل المساندة لحالة اقتصادية متطورة في النمو والازدهار.
فالبنية التحتية هي ضرورة استراتيجية في بناء اقتصاد متقدم، وهذا ما كنت افكر به حقا، ففي بداية عهدي برئاسة الحكومة، كانت الحرب في لبنان قد بدأت، وبيروت كمركز تجاري، بدأت تتراجع عند المستثمرين العرب، فكرت أن استفيد من تلك الحالة، وان تكون عمان وجهة للمستثمرين.
ليس سعيا مني للاستفادة من وضع الجوار، لكن هذه فرصة وسعيت لاقتناصها، وبقيت ممسكا بموقف سياسي، يدعو لحل الازمة اللبنانية، بالسرعة الممكنة، لقناعتي بأن الميزة الأمنية قد تذهب أدراج الرياح في حالة تطورت اضطرابات دول الجوار.

*وأنت تتحدث عن الاستثمار، هناك من اتهمك بأنك كنت عدوا للقطاع الخاص، واتهمت بأنك اشتراكي في التفكير؟
-أنا لا أقول قطاعا خاصا أو قطاعا عاما، أنا أقول مصلحة الوطن، لذلك من يخدم المصلحة العامة، أنا معه، وبصفّه، وسيلقى مني كل الدعم.
قلت لك، في بدايات حكومتي الأولى، عندما وقعنا في مشكلة القمح، اجتمعت فعلا مع أصحاب المطاحن من القطاع الخاص، وحاولت أن أحفزهم لبناء الصوامع وتخزين بضائعهم من القمح والطحين، لكنهم رفضوا ذلك، لأن في الأمر تجميدا لرؤوس أموالهم، ومعهم حق في الأمر.
وبعد رفضهم قمت، كحكومة، ببناء صوامع الحبوب، وهي بالأساس واحدة من أهم مقومات الأمن الغذائي، كما قمت بشراء الثلاجات الضخمة لضمان تخزين اللحوم المجمدة والمبردة بكميات آمنة.
حتى أن العراقيين سخروا مني في ذات المرات، لأني رفضت ما قدمه الوفد الاسترالي الذي عرض علينا شراء ذبائح، وزنها 14 كيلو غراما، وتمسكت بأن يكون الوزن 12 كيلو غراما كما كنا نأتي به من رومانيا، وقال لي العراقيون: نحن نشتري بوزن 30 كيلو غراما، ولا يهمنا، لكنك تدلل الشعب الأردني.
كنت أقوم بذلك، ليس لأني ضد القطاع الخاص، بل لأني مؤمن تماما بأن القطاع الخاص تنقصه الخبرة والشجاعة، حتى يخوض في المجالات الجديدة في ذلك الوقت.
أذكر جيدا بأننا كنا نعاني كثيرا في قضية وجود فندق واحد في عمان، هو فندق الأردن، وكان لدينا فندق فيلادلفيا وسط البلد، لكنه فندق بسيط وتصنيفه نجمتان.
كم تضايقت عندما عرفت بأن الوفود الرسمية، التي تأتي لعمان، كانت تضطرنا الى ان نلجأ للطلب من نزلاء فندق الأردن المغادرة حتى تقيم الوفود الرسمية، ولك أن تتخيل كم أن الأمر مؤسف، أن تطرد نزلاء، مقيمين في الفندق تحت ذريعة تأمين إقامة الوفود الرسمية، ولك أن تتخيل السمعة السياحية التي حظينا بها جراء مثل هذا الفعل.
وكم تكررت الحالة، لأننا في أول سنة من سنوات وجودي رئيسا للحكومة، كان في كل شهر يزورنا رئيس دولة، وتكررت الحالة المؤسفة تلك في فندق الأردن.
عندها بدأت بالتفكير في بناء فندق جديد، وفعلا قمنا ببناء فندق عمرة، وكانت العقبات أمام بنائه واضحة، وهي اساسا كيف للحكومة أن تديره، وكيف أن الفندق يحتاج لعمل يومي وشراء مستلزمات المطبخ يوميا، على سبيل المثال، وهذا يحتاج للجان عطاءات واستلام عروض، واختيار الأقل سعرا، وهي اليات عمل حكومية لن تنجح في عمل الفنادق، وبحثنا عن طريقة حتى وجدنا الحل الآمن.
وبعد أن انتهى بناء الفندق، جعلناه بأربع نجوم، ليكون سعره منافسا لفندق الأردن، الـ5 نجوم، ونجحنا في ذلك، وحفزنا سوق السياحة، وباعت الحكومة فندق عمرة، بعد أن بدأ عدد من المستثمرين ببناء فنادق في عمان، وانسحبت كحكومة من سوق السياحة وتركته للقطاع الخاص، بعد أن حفزت الحركة ودفعتها للأمام.
لكن في تلك المرحلة، كان هناك انطباع سائد لدى الناس، بأن أي مشروع تتملك الحكومة حصة منه، هو مشروع سينجح، وتجد أنهم دخلوا شركاء بشراء الأسهم فيه، مثل مصفاة البترول والاسمنت والكهرباء.
لقد كان هناك ارتياح لفكرة الشراكة مع الحكومة، لأننا ضبطنا الفساد وحاولنا السيطرة عليه، بينما كان القطاع الخاص يعاني من تلك الأزمة.
لقد اتهمت بأني اشتراكي، وقالوا عني بعثيا، واسعى لاحتكار كل شيء للقطاع العام، لكن العبرة في النتائج، فأنا لا أعرف العمل بالشعارات، وكل ما اعرفه هو البحث عن المصلحة العامة والسعي لتحقيقها، بعيدا عن شعارات الشراكة بين القطاعين، والتي تبقى على أرض الواقع شعارات إن لم نقم فعلا بتطبيقها.
حتى فكرة المخابز الآلية، فعلا سعيت لأقنع مخابز القطاع الخاص بجدوى الفكرة لكن وجدت فتورا في الإقبال، وأذكر مرة بأني وقفت عند مخابز الشرق في وسط البلد، وترجلت من سيارتي، وذهبت لشراء 2 كيلو خبز، ووجدت صاحب المخبز الذي عرفني، وقلت له لماذا لا تفكر بالأفران الآلية، فقال بأن طريقته التقليدية تفي بالغرض، على الرغم من امتلاكه لـ7 مخابز، تنتج 7 آلاف طن قمح يوميا ويشتريها الناس.
فإذا كان أكبر المخابز، لا يفكر بالأفران الآلية، فكيف لبقية المخابز أن تفكر بالأمر! عندها أيضا تدخلت وجئت بأول فرن آلي لعمان، ومن بعدها تشجعت المخابز، وتطور انتاجها وكفاءتها.

*أعود للسؤال: كيف استكملت مشاريع البنى التحتية، وما هو مقدار نجاحك فيها؟
-بداية، مشاريع البنية التحتية لم تستكمل في مرحلة واحدة، بل أخذت وقتا من الزمن، وتعاقب على تنفيذها عدد من الحكومات، صحيح أنني بدأت بجزء كبير منها، وقلت لك بأن تلك هي خطتي.
ظل الأمير الحسن، في تلك المرحلة، يرفع شعارا، وهو الهجرة العكسية من المدن إلى القرى، وكنت أفكر بهذه الهجرة، وأجد أنها لن تتحقق، ما دامت القرى فقيرة بمستوى الخدمات صحيا وتعليميا، وحتى في الكهرباء والماء والطرق.
من هناك بدأت برحلة العمل المضني والشاق، لتوفير الخدمات في مناطق المملكة كافة، فبدأت الاتصال بمحمد علي بدير، وكان رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء، وطلبت منه إنارة كل قرى المملكة، فقال أنت تريد الإفلاس للشركة، فقلت له بأن القانون يحتم عليه إنارة كل قرى المملكة من الشمال إلى الجنوب.
فطلب مني حتى ينجح في وضع المولدات، التي كانت تصل كلفة الواحد منها نحو 70 ألف دينار، أن نضع فلس الريف على كل فاتورة كهرباء، حسبتها جيدا، ووجدت بأنها كلفة لن يتذمر منها المواطن، ومن دفعها كضريبة، وفعلا اتخذنا القرار، ولم يشعر أحد بالعبء جراء هذه الضريبة، وفعلا التزم بدير بتوصيل الكهرباء لكافة القرى في المملكة.
حتى بدأ العمل فعلا، ولم تتأخر شركة الكهرباء عن الالتزام، حتى أني في يوم واحد افتتحت أكثر من 15 محولا، لـ15 قرية في الجنوب.
حتى أن وزير الصحة زهير ملحس، في احدى زياراته للجنوب، وكان عائدا إلى عمان، كان ينظر من نافذة المركبة، ويقول للسائق، الذي معه، متى سنصبح مثل إسرائيل، فإنارتهم يراها من الطريق، التي يمشي عليها، فقال له السائق، إن هذه قرى أردنية، ولتأكيد ذلك سيمر من عندها، لكن، لأنه يراها من بعيد، فانه يعتقد بأنها عند اسرائيل.
بعد مشروع الكهرباء، بدأنا بالمراكز الطبية في كل قرية، وتوزيع الأطباء عليها، وبعدها فورا بدأنا بالمدارس، والزمنا وزارة التربية بتطبيق القانون وأن عليها أن تذهب للمواطن، وليس على المواطن أن يلحقها.
بعدها، أمنا موازنة شق الطرق وتعبيدها، والتزمت وزارة الأشغال بإنجاز المهمة في مدة لم تتجاوز الـ4 سنوات.
بعد تأمين كل تلك الخدمات فعلا، لم يعد هناك قيمة حقيقية للهجرة للمدن الرئيسية، التي كانت تعاني من التلوث والضغط السكاني، والمشاكل المدنية على عموميتها.
وفعلا، بعد فترة زار الأمير الحسن الطفيلة، ووجد هناك عددا من العسكريين المتقاعدين، قد بنوا منازلهم، وأقاموا فيها، واستفادوا من الأراضي التي يملكونها، فزرعوها، ونزل الحسن عندهم، وسألهم عن إقامتهم في قراهم، فأجابوه بأن الخدمات، هي التي ساعدتهم على الإقامة في قراهم الأصلية، والابتعاد عن التلوث في المدينة والازدحام وكل سلبيات المدن.
وبقي أن ننجز مشروع البوتاس، الذي قلت لك عنه كثيرا، فقد كنت اتذكر وأنا شاب في عمر الـ15 عاما، انني زرت عمي المقيم في السلط، وهو صيدلاني، وروى لي كيف أن كلوب باشا، أمر بنهب أثاث ومعدات شركة البوتاس حتى لا يقام المشروع، لأن البوتاس كنز مهم ولا يريد للأردن أن يستفيد منه.
لما تسلمت الحكومة، كانت شركة البوتاس بصدد انشاء السدود واختبار جاهزيتها، وفعلا استطعنا انجاز المشروع، وافتتحه الراحل الحسين، كونه مشروعا يعتبر من مشاريع الصناعات الثقيلة والتكنولوجة المعقده.
ثم بدأت التفكير بإنجاز مطار عمان، بشكل يليق بمملكتنا، وكنت وأنا في الديوان الملكي سمعت عن قصة ازعجتني كثيرا، وهي أن الشيخ زايد، وأمير قطر، كانا في زيارة لعمان، ولما نزلا سلم الطائرة، اتفقا على بناء مطار يليق بالملك الحسين، وفعلا ارسلا 15 مليون دينار لبناء المطار، ولكنهما بعد فترة، سألا عن الأموال، اين انفقت، ولماذا لم يبن المطار!، فانزعجت كثيرا عند رواية تلك القصة.
ولدى استلامي رئاسة الحكومة، اتصلت بمحافظ البنك المركزي، وسالته عن الـ15 مليونا التي بعث بها الشيخ زايد والشيخ خليفة، فقال بأنه استخدمها لسد العجز، وقلت له سأعيد لك العجز، وفعلا بدأت بإجراءات بناء المطار.
واكتشفت بأن المقاول، كان قد وقع عقدا، ربط فيه الحكومة، فيما يتعلق بالمطار وتوسعته، وكان أول شرط من شروط ذلك العقد "أن يتم التفاوض على التوسعة بنية حسنة"، واستغربت الأمر، وقلت من وضع هذا الشرط، بنيته أن لا تكون نيته حسنة.
واكتشفنا أنا وعلي سحيمات وزير المواصلات، بأن المقاول يتلاعب بتقدير الأسعار، وسألنا عن سعر احدى متطلبات مرحلة المشروع، وإذا بها من بلد المصدر، بقيمة نصف مليون ويضاف لها 10 % نسبة كعمولة للمقاول، ونظرنا لحسابات المقاول، وتقديره لكلفتها علينا، وإذ بها مليون دينار.
عندها قلت يحال على المقاول توسعة المطار، شريطة أن لا تتجاوز، كلف المشروع 23 مليون دينار، وهو مبلغ ضخم وقتها. جاءني المقاول مع محاميه للتفاوض، وبذريعة أن شرطي هذا لا يوجد فيه حسن للنوايا، فكشفت له الأوراق، فالتزم.
ومن شدة إيماني بالمشروع، فقد عملنا أنا وسحيمات، ليل نهار، لاتمام المشروع، وحددنا يوم افتتاح التوسعة، فجاء مدير سلطة الطيران المدني صالح باشا الكردي، يعترض على تنبؤاتنا، فأسكته، وقلت له أني أعرف ما أقوم به، ولشدة استقامة هذا الرجل، ومصداقيته، فقد قدم استقالته احتجاجا منه على أن العمل لن ينجز بالموعد، الذي حددناه للملك الحسين كيوم افتتاح.
لكني أصررت على انجاز المشروع بوقته، ونجحنا في اختبار الوقت والدقة في العمل.
لقد اكتشفت بأن معضلة المشاريع الحكومية، وتلاعب المقاولين في انجازها بالموعد المحدد، هي غياب العقاب لهم، على تأخرهم في تسليم المشاريع.
لقد زرت مرة من المرات المملكة العربية السعودية، وناقشت مع وزير التخطيط هناك، حول سرعتهم في بناء المشاريع الحكومية، وقال أن سر نجاحهم هو التزام المقاولين بالعمل، ما داموا ملتزمين بالأموال، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية.
وفعلا اكتشفت وأنا ابني فندق عمره، بأن المقاولين لا يتم معاقبتهم على المماطلة، والتسويف في تسليم مراحل المشروع.
وهنا أروي قصة الفندق من باب الطرفة، فقد علمت بتأخير المقاول عن تسليم الفندق في الوقت المتفق عليه، فذهبت وجلست في المشروع، في مكتب المشرف المهندس هاني حقي، وكان المقاول صديقا لي، اسمه شفيق زوايده، سألت حقي عن الاجراءات في حال تأخر المشروع، قال الغرامة على المقاول، لكن بذلك سيفلس، جاءني بعد أن سألت حقي، زوايدة إلى المكتب وسألني إن كنت فعلا أنوي تغريمه؟ فقلت له نعم، فقال بأني سأترك الحكومة قبل أن يأتي موعد تسليم الفندق، فقلت له: استعجل خيرا لك، فسأعود للحكومة، وأنت لم تنه عملك بعد، فاستهزأ من الأمر.
فعلا، خرجت من الحكومة العام 1979، وعدت لها بعد عام في 1980 وأول شيء فعلته اتصلت بزوايدة، وعرفت أنه لم ينه العمل، ووعدت بأن اعاقبه.
فعلا لقد ساعد نظام المحاسبة والعقاب على إنجاز العمل بالمشاريع بالسرعة الممكنة.

*وهل صحيح بأنك حبست أحد مدراء المياه، وألقى حرسك الشخصي القبض عليه، خلال احدى زياراتك لمحافظة إربد؟
- في احدى المرات، دخلت مكتبي في رئاسة الوزراء، وكان مدير مكتبي هيثم القسوس، وأبلغني أن احدى المواطنات، اتصلت من اربد، وتقول أن أبلغ رئيس الوزراء، بأنها تجاوبت مع دعوى أحد مسؤولي المياه، في منطقتها، بان تشرب "البيبسي" عندما تعطش، لكنها لا تعرف كيف ستستخدمه في الحمام.
كنت أسير باتجاه المكتب، مباشرة، استدرت إلى هيثم، وطلبت منه إلغاء كل مواعيدي، والتحضير للذهاب إلى إربد فورا، وإبلاغ المحافظ بأن يأتي لي بالمجلس عند وصولي.
كانت المرأة قد هددت بأن نساء إربد، سيخرجن في مظاهرات، ضد الحكومة، بسبب أزمة انقطاع المياه.
مباشرة، وصلت المحافظة، وبدأت أبحث مع المجلس المحلي عن أسباب المشكلة، ويؤكدون بأن ضخ المياه على أحسن حال، لكن ثمة مشاكل أخرى لا يعرفونها. صعدت أنا على الخزان الرئيسي، وسمعت صوت المياه تنزل فيه،  وكان الصوت قويا، طلبت أن يفتحوا لي غطاء البئر، فوجدت أن المياه تنزل بشكل خيط رفيع، ولأن البئر عميق وفارغ، فإن الصوت يبدو وكأنها تتدفق بقوة.
سألت عن مشكلة المضخات، وإذ بها تتعطل، وقالوا سنذهب بها للتصليح، وكنت قد سألت عن مسؤول المياه، وإذ به إنجليزي، فطلبت مغادرته فورا لعمله، وطلبت من الراحل الحسين أن لا يتدخل. مباشرة سألت عن مكان بيع المضخات الكهربائية، وإذ بتاجر واحد، يحتكر بيع المضخات، فيما أن مساعد المدير الإنجليزي، وكان موظفا أردنيا، يتقاضى سمسرته من هذا التاجر، وقد أكد هذه المعلومات أحد الموظفين.
مباشرة، أمرت حرسي الشخصي، باعتقاله، وتسليمه لمدير السجن المركزي هاشم قاموق، تمهيدا لعرضه على المحكمة ومحاكمته.
اتصلت بمدير المخابرات طارق
علاء الدين، وطلبت منه أن يأتي بالتاجر، ويحتجزه في سجن المخابرات، حتى نعرف ما قصة السمسرة، التي يتقاضاها موظف رسمي.
كان العيد على الأبواب، ذهبنا للإجازة وعدنا بعدها، وأول ما سألت عنه، كانت اعترافات التاجر، فاتصلت بطارق علاء الدين، وسألته عن الشخص المحتجز، فقال لي انه أخذ إفادته وأطلق سراحه، فغضبت، وقلت له: ألم أقل لك أريد أن يعترف، فقال لي طارق، بأن الرجل اعترف من أول سؤال، وهو ما ثبت التهمة على مساعد مدير سلطة المياه، في حينها، وتم زجه بالحبس.

تنويه من عبد الرزاق البطاينة

السيدة الفاضلة جمانة غنيمات المحترمة/رئيس تحرير جريدة الغد الغراء
تحية واحتراماً وبعد:-
أتابع كالعديد من الاردنيين بشغف، مذكرات رئيس وزراء، ترك بصمات مميزة في تاريخ الأردن، هو دولة السيد مضر بدران.
يبدو ان دولة أبو عماد، يعتمد على مذكراته في سرد بعض الوقائع، التي لم يسجلها في حين وقوعها، ومنها قوله في الحلقة السابعة عشرة من مذكراته:
أقتبس: (في مشروع الصوامع كان وزير الزراعة وزير التموين صلاح جمعة، وكان رجائي المعشر وزيراً للاقتصاد، ولما مرض جمعة في روما، خلال اجتماعات الفاو، جاء المعشر وزيراً بالوكالة. في احد الايام دخل على مكتبي، وبدت عليه ملامح القلق والتوتر، فسألته ما الأمر فقال بأن مخزون القمح في المملكة، لا يكفي سوى لمدة اسبوع، وانه قلق من الامر، وان باخرة القمح في طريقها لميناء العقبة، وتصل بعد اسبوع، فسألته ماذا لو جنحت الباخرة في البحر، فقال ستكون كارثة. عندها اتصلت، وهو في مكتبي، برئيس الوزراء السوري، وقلت له، بأني اريد قمحاً من سورية في اسرع وقت، فعلاً في اليوم التالي، بدأت قوافل القمح السوري تصل الى الرمثا، وعندها صرت مطمئناً) انتهى الاقتباس.
كنت في تلك الفترة مديراً للتجارة في وزارة التموين، وفي يوم، وكنا بانتظار وصول باخرة القمح، ابلغنا وكيل الباخرة بأنها جنحت، عندها دعانا وزير التموين حينذاك، معالي السيد مروان القاسم الى اجتماع. ولدى جلوسنا سأل الوزير مدير المستودعات، وكان في حينها السيد أحمد سلامة الكلوب، عن كميات القمح لدينا، فعلم الوزير ان كمية القمح الموجودة تكفي لاسبوع واحد فقط، عندها ثار الوزير غاضباً، وطلب الي ان اذهب الى سورية حالاً، وقد طلب الى المرحوم عبد الرحمن المحادين، وكان مديراً للادارة ان يجهز الاوراق لسفري (تسهيل مهمة) بسيارتي، وقد نقل الوزير الخبر الى دولة رئيس الوزراء السيد مضر بدران مباشرة.
وفعلاً غادرت الى دمشق، وقابلت وزير التموين السوري، ونقلت له صورة الوضع لدينا، فقال لي ان السيد رئيس الوزراء (ويقصد رئيس الوزراء السوري) قد طلب اليه شحن كمية من القمح الى الاردن، في صباح اليوم التالي. وطلب الوزير الي ان امضي تلك الليلة في دمشق، وفي صبيحة اليوم التالي، ذهبت استأذن الوزير بالعودة الى الاردن، فأبلغني ان الشاحنات التي تحمل القمح والتي انطلقت من درعا ستسبقني بالدخول الى الاراضي الاردنية، اما الشاحنات التي انطلقت من حلب ستصل في اليوم التالي، وطلب الي ان نقل تحياته الى (أبو ليث)، ويقصد الوزير مروان القاسم. وفعلاً وانا في طريق عودتي الى الاردن، شاهدت العديد من شاحنات القمح تقف بحرم دائرة الجمارك الاردنية.

عبد الرزاق البطاينة

[email protected]