تيلرسون أقيل بتغريدة رئيس يحب التصفيق

من الصعب القول إنّ خلافات استراتيجية حقاً هي التي سببت الإقالة "الفجة" التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوزير خارجيته ريكس تيلرسون، رغم وجود ملفات خلاف بينهما فعلاً، ولكن الأدق أنّ "عدم تصفيق" تيلرسون أي عدم التأييد والتهليل وعدم المديح هو سبب الإقالة الفعلية.  اضافة اعلان
عندما عُيّن تيلرسون في منصبه، كتبتُ في الغد، عن علاقاته المميزة، كرئيس شركة النفط "إكسون موبيل"، مع روسيا ودول أخرى منها قطر. ولعل العلاقة مع روسيا بشكل خاص كانت تبدو مهمة لترامب وفريقه الذي جاء به من عالم التجارة ومن أنسبائه للبيت الأبيض، الذين كانوا يدافعون عن علاقة مميزة مع موسكو، ويبدون إعجاباً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي علاقات لا تخلو من مصالح شخصية لهذا الفريق.
مع غرابة سلوك ترامب، كان السؤال عند قطاعات واسعة من المراقبين، أليست الولايات المتحدة الأميركية، دولة مؤسسات، وهناك أعراف وعادات وتقاليد، لاتخاذ القرار. كان تيلرسون يتبنى سياسة تدعم هذه الفرضية، فلم تكن علاقاته التجارية والشخصية يوم كان مدير شركة مع الرئيس بوتين، هي العامل الحاسم في سياساته، بل تناغمت مواقفه الناقدة والرافضة لبعض سياسات روسيا، مع تقديرات أجهزة الأمن والدبلوماسية الأميركية التقليدية.
من غير الواضح تماماً مدى استياء ترامب وفريقه من عدم حماس تيلرسون لموسكو، ولكن التفكير المستقل لتيلرسون الأقرب للسياسات الأميركية التقليدية هو الذي خرّب العلاقة مع ترامب. فهُما ربما اختلفا في ملف إيران حيث يريد تيلرسون إعطاء الاتفاقات الموقعة معها فرصة، واختلفا في ملف الأزمة الخليجية، فقد أخذ ترامب في مرحلة موقفا مضاداً للدوحة، فيما وزير خارجيته يريد احتواء الأزمة، وذهب للدوحة لتسوية ما أثارته تصريحات الرئيس. ولكن رغم كل هذا يصعب القول إنّ ملفات سياسية هي السبب الأساسي للإقالة.
وصف ترامب نواب الحزب الديمقراطي بالخيانة لأنهم لم يصفقوا له في خطاب "حال الاتحاد"، في نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الفائت. وقال في خطاب متلفز "كانوا كالموتى، وغير أميركيين، والبعض يقول كانوا "خونة" وأقول صحيح .. لم لا.. لا يبدو أنهم يحبون بلادهم كثيراً".     
  ويبدو أنّ هذا الحرص والاستفزاز الشديد ممن لا يستحسن كلامه، هو جزء أساسي من خلافه مع تيلرسون، الذي تسرب عنه في أكثر من مناسبة، انتقاده لترامب، وحتى نعته بالغبي (رغم نفيه ذلك).
ترامب ذاته تحدث كما تقول واشنطن بوست، عن كرهه لطريقة حديث تيلرسون البطيئة، ونقاشه المستمر معه.
لا يمكن تجاهل البعد النفسي للحظة اختيار إنهاء خدمات تيلرسون، أو للطريقة التي تمت بها.
فمما يعزز فرضية أن الخلافات ليست سياسية فقط بين الطرفين، أنّ تيلرسون شأنه شأن آخرين في دوائر السياسة الأميركية خشوا عواقب تهديدات ترامب ضد كوريا الشمالية في صيف 2017، عندما هدد الرئيس الكوري الشمالي وتجاربه بـ "الغضب والنار" على نحو "لم يشهده العالم من قبل"، وعندما صرح تيلرسون في الخريف أنّه ذاهب لكوريا الجنوبية، للبحث عن فرص حل دبلوماسي، مع كوريا الشمالية، علق ترامب بتغريدات تويتر أن تيلرسون "يضيع وقته محاولا التفاوض مع الرجل الصاروخي الصغير (إشارة للرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ يون).. وفّر وقتك ركس". ولكن ترامب قرر الخميس الفائت أن يقبل هو دعوة كيم جونغ يون لزيارة كوريا الشمالية، في تناقض مع موقفه من سياسة تيلرسون، وفي مؤشر على طبيعة التنافر الشخصي أكثر منه السياسي.
أخذ ترامب قرار الموافقة على زيارة كوريا الشمالية أثناء سفر تيلرسون ودون التشاور معه، ثم أعلن عن وزير جديد بديل في تغريدة على تويتر، وعرف تيلرسون عن إقالته من التغريدة.
سيكون لإقالة تيلرسون أثر على السياسة الأميركية، فالوزير الجديد مايك بومبيو، يبدي الحماس الذي يريده ترامب في ملفات مثل رفض التهدئة مع إيران، وغيرها من الملفات، ولا بد من تحليل خاص للوزير الجديد ودوره، ولكن ملابسات وطريقة إدارة ترامب لموضوع تيلرسون تقدم مزيدا من الأدلة أن الرئيس الأميركي ماضٍ بنمط قيادته وإدارته الشخصانية دون تهدئة مع المؤسسات أو الدوائر السياسية الأخرى.