خيارات الفلسطينيين بعد نيويورك

يعلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل غيره، أن مشروع إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية بعد سنتين، والذي تقدم به إلى مجلس الأمن الدولي عبر الأردن، قد لا يحوز على موافقة تسعة من أعضاء المجلس. ولو افترضنا جدلا أن المجموعة العربية في نيويورك نجحت في تخطي هذه العقبة، فإن "الفيتو" الأميركي سيكون له بالمرصاد.اضافة اعلان
السلطة الفلسطينية، وخلافا لرغبة الأردن ودول عربية أخرى، أصرّت على عرض المشروع للتصويت، بعد جولات تعديلات واسعة أجريت عليه ليحظى بموافقة أطراف رئيسة.
الولايات المتحدة أعلنت بوضوح أنها لن تدعم القرار. أما فرنسا، فقد حاولت تقديم مقترح بديل، يأخذ في الاعتبار ملاحظات مختلف الأطراف. لكن واشنطن لم تغير رأيها، وظلت على موقفها القائل بأن المفاوضات مفيدة أكثر من مواعيد "عشوائية" لاتفاق سلام.
إسرائيل ليست قلقة من التحرك العربي والفلسطيني في مجلس الأمن. لكنها تنظر إلى القرار باعتباره محاولة فلسطينية للضغط على الولايات المتحدة للتدخل بفعالية أكبر فيما تبقّى من عمر للإدارة الحالية، وإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات في حال استئناف المفاوضات بعد انتخابات الكنيست المزمعة في آذار (مارس) المقبل.
الحقيقة أن إدارة أوباما نصحت الرئيس عباس، عن طريق الأردن، بالعودة عن فكرة التوجه إلى مجلس الأمن، مقابل وعد منها بالضغط على إسرائيل لاستئناف المفاوضات، وإنجاز اتفاق شامل مع الفلسطينيين خلال عامين. مسؤولون كبار في البيت الأبيض قالوا لنظرائهم الأردنيين إن الرئيس باراك أوباما في النصف الثاني من ولايته الأخيرة سيكون متحررا من الضغوط، وأكثر اهتماما بتحقيق اختراق جدي في عملية السلام.
لكن الرئيس عباس يبدو يائساً من الدور الأميركي. ويشي سلوكه المنفعل في الآونة الأخيرة بأنه أقرب ما يكون إلى قائد تحطمت إرادته، ولم يعد يكترث أين ستقوده خطواته.
ربما يكون الرجل على حق؛ فقد منح حياته كلها للمفاوضات، ولم ينل شيئا مقابل كل ما قدمه من تنازلات وتضحيات طالت ثوابت الموقف الفلسطيني، من وجهة نظر الكثيرين في الساحتين العربية والفلسطينية. فما المبرر الذي يدفع به للوثوق بوعود الإدارة الأميركية، بعد قرابة ربع قرن من المفاوضات الفارغة؟
بيد أن عباس، ومن خلفه السلطة الفلسطينية، سيعودان من المعركة الدبلوماسية في نيويورك بنتيجة سالبة، وهما في المقابل لا يملكان بديلا لهذا الفشل.
لأيام، ستصب "السلطة" جام غضبها على الإدارة الأميركية، وتصرخ في وجه العالم الذي تنكّر لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة كسائر الشعوب. ثم، وبعد أن تهدأ الأنفس، ستصطدم من جديد بواقع لم يتغير على الأرض، لا بل هو مرشح لمزيد من التدهور إذا ما صدقت الاستطلاعات بتقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
هذه الأخبار السيئة وغيرها، تنزل على رأس الرئيس عباس مع بداية سنة جديدة، من غير أن تلوح في الأفق فرصة جدية لتحقيق المصالحة الفلسطينية العالقة بين حسابات "فتح" و"حماس"، والانشطار الجيوسياسي بين الضفة وغزة. وفوق ذلك فتور في العلاقات مع الأردن، لا تخفيه المجاملات الدبلوماسية في نيويورك.
2015 قد يكون عام السلطة الفلسطينية بامتياز.