"شكاوى الإعلام" أمام عقدة الاستقلالية!

تسعى اللجنة المشتركة، التي انبثقت عن ورشة حوارية للجنة التوجيه والإعلام النيابية، حول مشروع مجلس شكاوى الإعلام، إلى حسم بعض القضايا والخلافات العالقة بين أكثر من طرف في العملية الإعلامية حول المشروع، وبما يمهد لخروجه لحيز الوجود.اضافة اعلان
ورغم إيجابية تشكيل اللجنة والتوافق على ضرورة التوفيق بين وجهات النظر المتباينة وحل الخلافات العالقة، إلا أن ذلك يبدو أمرا صعب المنال لأسباب عديدة لم تعد خافية على المطلعين.
ورشة اللجنة النيابية التي عقدت الخميس والجمعة الماضيين، وبمشاركة ممثلي الحكومة ونقابة الصحفيين ومركز حماية وحرية الصحفيين وأطراف معنية أخرى، رسّمت إلى حد بعيد محاور الخلاف والتباين، والتي يمكن تلخيصها أساسا في الخلاف على مرجعية واستقلالية مجلس الشكاوى العتيد، والذي سبق أن اقترح كفكرة من قبل أوساط إعلامية ومجتمعية منذ سنوات عديدة، قبل أن تأتي لجنة الاستراتيجية الإعلامية المشكلة من قبل الحكومة الحالية، لوضع الفكرة والمشروع على نار النقاش العام والتنفيذ.
مجلس شكاوى الإعلام تقوم فكرته وفلسفته الأساسية على أن يكون المجلس وسيطا نزيها ومهنيا بين المجتمع والإعلام، ومرجعا لفض النزاعات بين الطرفين قدر الإمكان، وبما يحول دون وصول العديد من المنازعات إلى أروقة القضاء.
وخلاف المرجعية والاستقلالية حول المجلس المنتظر يمكن اختزاله بوجود ثلاث وجهات نظر أو مواقف، تعيق، كما أعتقد، خروج المشروع لحيز الوجود حتى الآن. فنقابة الصحفيين تدفع، لاعتبارات عديدة، لأن تكون هي مرجعية المجلس، وذلك بعد أن مرت فترات عديدة كانت فيها النقابة ضد تشكيل المجلس أساسا، باعتباره يصادر منها، كممثل قانوني للصحفيين، الولاية القانونية والمهنية على أعضائها، وثمة رأي نقابي يقول إن المجالس التأديبية المنبثقة عن النقابة تعد كافية لأداء المهمة المطلوبة من مجلس الشكاوى المقترح.
فيما تدفع أوساط رسمية إلى أن تكون مرجعية مجلس الشكاوى هي لجنة النزاهة الملكية، بينما يدفع فريق ثالث إلى أن يكون المجلس مستقلا عن أي إطار قائم.
قد يكون الموقف الأكثر تأثيرا حتى الآن في هذا السياق، هو موقف نقابة الصحفيين، وهو موقف سبق أن أعاق تبلور فكرة الذهاب إلى إيجاد مجلس أو هيئة مجتمعية عليا تكون حكما ووسيطا بين المجتمع والإعلام وما يصدر عن المؤسسات الإعلامية من انتهاكات أو تجاوزات محتملة أو مفترضة بحق الأفراد او المجتمع، والمبرر الدائم كان ان النقابة أولى بمحاسبة أعضائها عبر المجالس التأديبية.
المشكلة التي تواجه النقابة، وسبق أن واجهتها عند المحاججة بهذا المبرر، هي في أن تجربة المجالس التأديبية في النقابة، وربما في أغلب النقابات المهنية، اعتراها دائما التشكيك بعدم رغبة أو تحمس مجالس النقابات لمحاسبة أعضائها لأبعاد انتخابية في الغالب، الأمر الذي انعكس في تزايد التوجه نحو القضاء للبت في نزاعات قضايا النشر، على حساب التوجه للمجالس التأديبية النقابية، وهو أمر انعكس باتجاهين، الأول خلق معاناة لا توصف للصحفيين ورؤساء التحرير في المثول أمام المحاكم بعشرات القضايا، والتي تستمر أحيانا لسنوات قبل أن يصدر الحكم في الغالب بعدم المسؤولية أو البراءة.
أما الاتجاه الثاني، الذي نتج عن اعتماد القضاء مرجعية رئيسة لفض النزاعات مع الإعلام، فكان تغوّل وتعسف الحكومات المتعاقبة ومسؤولين عديدين، في تحريك القضايا ضد الصحفيين والصحف، فقط لمجرد "مرمطة" الصحفيين سنة أو سنتين أمام المحاكم! ناهيك عن توقيفهم لأيام او أسابيع، قبل أن يعدل قانون المطبوعات ويمنع التوقيف بقضايا المطبوعات.
شخصيا، أعتقد أن وجود مجلس شكاوى للإعلام، وفق قانون أو نظام واضح وشفاف يضعه أصحاب الخبرة، ويكون مستقلا بمرجعيته عن مختلف الجهات، وممثلا فقط للمجتمع ضمن ترتيب قانوني معين على غرار بعض التجارب الدولية، هو أمر ضروري لخدمة مصالح الصحفيين والإعلام... والمجتمع أيضا.