صنع في دولة الكويت!

من لم يعاصر الأعمال الكويتية القديمة، لن تشده اليوم دراما خليجية جديدة بالكامل، عما مرت عليه في السنوات ما بعد حرب الخليج إلى العام أو العامين السابقين فقط.اضافة اعلان
الروح وكأنها عادت من جديد للجسم الدرامي الكويتي، سواء على صعيد النص أو الأداء أو الإخراج. بل وتتعداها إلى المؤثرات والموسيقى الرائعة.
ليس المقصود هنا فقط مسلسل "دفعة القاهرة" الفخم بكل ما يحويه من تفاصيل جاذبة وجميلة، والذي أتمنى أن أكتب عنه مليا بعد أن ينتهي بإذن الله. بل إن الروح التي سكنتنا سابقا في أعمال مسرحية وتلفزيونية قبل حقبة التسعينيات، وهي التي كانت تشد المتفرجين من شتى الأصقاع والبلاد، رغم صعوبة اللهجة على الغالبية الساحقة. هذا الكمان الحنون، يلعب من جديد على أوتار الإنسان في إنسانينه ووجدانياته وأحلامه.
خذوا على سبيل المثال الإعلانات المفترض بأنها تجارية، وهي في حقيقتها لا علاقة لها بمدارس الإعلانات التلفزيونية التجارية التقليدية بالمرة. بل إن مدرسة جديدة قائمة على صناعة الرأي العام، والتدخل في تحريك المياه الراكدة، أو تسكين الأمواج العاتية، سببها بطبيعة الحال تسونامي التواصل الاجتماعي، فغير ما غير وبدل ما بدل من مفاهيم وأخلاق وعبر وحتى ثوابت.
تعاملت الإعلانات كويتية الصنع مع الفكرة الرئيسية من الدعاية، أن وضعت أصابعها في عيون المشكلة الحقيقية، سواء كانت اجتماعية أم اقتصادية أو حتى سياسية وطائفية. فقررت أن الإشاعة الكاذبة على سبيل المثال هي من تحرك سوق المال والأعمال نحو الهاوية، فتتضرر المؤسسات الوطنية المالية مثل البنك.
وعمدت إلى الدعوة إلى نبذ العنصرية بين الشعوب عبر أغنية هندية مشتركة يؤديها الكويتي بإتقان وخفة ظل في إعلان لمطعم "مو هندي هندي"! ثم استنفرت في إعلان آخر الكثير من الأسباب المؤدية إلى الغضب والتجهم، ودعت إلى مواجهة المشاكل بابتسامة جميلة يعد بها مركز طبي للعناية بالأسنان.
هي وغيرها الكثير لم تفرغ بعد جعبة المبدعين في دولة الكويت فاجأتنا بها رمضان هذا الموسم، وشكلت مرجعية جديدة تستند على الأفكار والحكم و المواعظ والأخلاق الطيبة، لتوصل رسالتها الإعلامية الإعلانية بتوقيع في نهاية الدعاية للمؤسسة المعلنة. وهو أسلوب جديد لإخراج قيمة المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والشركات المحلية تجاه المواطنين والمجتمع.
كم نحن بحاجة فعلا لتعميم هذه القيم عبر الإعلانات التجارية التي بدأت تخرج من مفهوم الدعاية للسلعة، إلى الدعاية للفكرة التي ترعاها السلعة. وهي ليست جديدة ولا مبتكرة بالمناسبة. ولكنها لا تنفذ بهذا الشكل السلس اللطيف كما نشاهده في الإعلانات الكويتية.
لقد صار من المعيب مخاطبة جمهور الألفية الثالثة بالأسلوب التقليدي العتيق ذاته، لتحفيزه على شراء السلعة أو الخدمة، في ظل التحولات الاتصالية والإعلامية والفكرية الحاصلة حولنا. وكثيرا ما نشعر بالإعياء والمقت بسبب الأسلوب البليد الكسول الذي تعتمده آليات الإعلان التجاري عندنا.
تلك المعتمدة كليا على فجاجة الرسالة الموجهة مباشرة إلى اسم وعنوان السلعة المعلن عنها، بدون إضافة جملة طيبة تحث على الوحدة الوطنية مثلا، أو تمجيد الشهداء أو الدعوة إلى الجلسات الأسرية وبر الوالدين.
الإعلانات التجارية لم تعد تؤدي دورها المحدود كما كانت في السابق. بل أصبحت جزءا أساسيا من ماكنة الصناعة الإعلامية التوجيهية الخطيرة . وعلينا أن نعيد النظر في منتجي الدعايات لدينا. فالأمر ليس صناعة المستحيل!