لا يصحّ الا الصحيح.. ولو بعد حين!

نعم، لا يصحّ الا الصحيح. وقد دار الزمن دورة كاملة بمشروع الديسي ليعود الى مكانه الصحيح ومساره السوي، بعد أن تاه في دهاليز لبعض الوقت، حتى تبيّن الخيط الابيض من الاسود. وتأتي الارادة الملكية بالقول الفصل؛ أولا في وقف المسار الغلط، وثانيا في اعادة الملف الى حيث يجب ان يكون.

اضافة اعلان

المواطن ليس في صورة التفاصيل الشائكة لملف "الديسي"، ولا يعرف أن هذا المشروع الاستراتيجي، الذي سيكلف نصف بليون دينار لحل مشكلة المياه وحمايتنا والاجيال القادمة من العطش، كان قد خضع لأخذ وردّ، وخلافات عويصة، انطوت على مخاطر انزلاقه الى مسار خاطىء سيكلفنا مصائب مستقبلية.

وكانت الحكومة قد قررت ان تنفذ هي المشروع مباشرة، بعد ان اتضح ان العروض المقدمة من شركاتٍ لتحمل مسؤولية التنفيذ ثم تبيع المياه للحكومة يرفع سعر المتر المكعب من الماء الى مستوى لا تتحمله الحكومة والمواطن، وهنا تقدم صندوق الاستثمار والتنمية الخاص بالقوات المسلحة بعرض ان يشرف هو على تنفيذ المشروع، لتوفير الماء بسعر أرخص من عروض العطاءات السابقة المقدمة للحكومة. واختلف مجلس الوزراء بشدّة حول الموضوع.

وفي النهاية، كان للصندوق تنفيذ المشروع وفق ما يخطط مع شركاء محليين وخارجيين دون طرح عطاءات. وكان الاعتراض على عرض الصندوق أنه ليس موثوقا، ولا يعتمد على دراسات وافية، ويفتقر للشفافية، ويحمل مخاطر لا يجوز ان تتحمّلها القوات المسلحة أو الحكومة.

على رأس المعترضين كان د. حازم الناصر وزير المياه، ود. مروان المعشر وزير مراقبة الاداء الحكومي، ود. باسم عوض الله وزير التخطيط، وساند آخرون موقفهم  لكنهم لم ينجحوا في معركتهم. ونحن نذكر المعترضين الرئيسيين بالاسم احقاقا للحق، فقد نالهم كثير من الكلام حتّى اتضح الان أنهم كانوا على حق. وليس معنى ذلك أن غيرهم كان متواطئا بالباطل، فالبعض قبل العرض الارخص بنيّة طيبة، وغيرهم مال مع الرياح حيث تميل، وبعض المستشارين والمسؤولين جاهز لإعطاء الرأي المرغوب وفق الطلب.

كان لدينا حدس ان الامور في قصّة كبيرة واستراتيجية كهذه لا يمكن ان تستمر في الطريق الغلط، وكلما اتضحت الامور أبكر كانت الخسائر أقلّ، وهذا ما حصل بفضل العين الملكية الساهرة على المصلحة العامّة، الاعلى والاقدس من كل مصلحة أخرى. وعندما انفردت "الغد" بالخبر اليقين حول ارادة ملكية بوقف ذلك المسار وتصويبه على اسس تضمن الشفافية، استغربنا تصريحات النفي اللاحقة من وزير المياه السابق رائد ابو السعود، وأكثر من ذلك التأكيدات اللاحقة من عضو الصندوق المفوض أكرم أبو حمدان، بأن المشروع مستمر وانهم على وشك توقيع العقود النهائية، هذا حتى أعلنت الارادة الملكية الحاسمة أول من أمس.

ان للباطل جولة. وهو درس على كل حال، درس حول دور الصحافة أيضا الذي لا يخشاه الا من يخشى الشفافية والعلنية لأن لديه ما يخفيه.