مع إطلاق الأقمار الصناعية.. إيران تغير قواعد اللعبة

بدون-عنوان-1
بدون-عنوان-1

منقذ داغر* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 1/5/2020

في الثاني والعشرين من نيسان (أبريل)، أعلنت إيران نجاحها في وضع أول قمر صناعي (أسمته نور) في المدار الفضائي، وهو ما تحقق بعد عدد من المحاولات الفاشلة سابقاً. وقد أكدت قيادة الدفاع الفضائي الأميركية (NORAD) هذا النجاح. وعلى الرغم من الأهمية العملية والعلمية لهذا الإنجاز الإيراني، إلا أن ما لا يقل أهمية هو قدرة أيران على تصنيع الصاروخ الذي حمل هذا القمر إلى الفضاء، والذي يعمل بالوقود السائل والصلب معاً. وبالإضافة إلى ذلك، يشير المدى الواضح للقمر الصناعي إلى أن إيران قد أصبحت قادرة الآن، من الناحية النظرية، على إطلاق صاروخ يمكنه الوصول إلى أهداف في الأراضي الأميركية.
لقد غير نجاح أيران في تطوير مثل هذا النوع من تكنولوجيا الصواريخ الفضائية عابرة القارات قواعد اللعبة العسكرية-السياسية مع الولايات المتحدة. وحتى مع وجود العديد من العوامل الأخرى التي تلعب حاليًا دوراً في التوترات القائمة بين الولايات المتحدة وإيران، فسوف تكون لإطلاق هذا القمر الصناعي انعكاسات خطيرة على مستقبل العلاقات بين البلدين، والتي تمر الآن بأسوأ حالاتها.
السؤال المهم هو: ما الذي قد تكون عليه هذه الانعكاسات، ومن الطرف الذي لديه القدرة على الاستفادة من هذا الوضع الجديد؟ في الرد على عملية الإطلاق، صرح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بأن على جميع دول العالم إدانة هذا الخرق الإيراني الصريح لقرار مجلس الأمن رقم 2231 الصادر في العام 2015، والذي ينص على (دعوة إيران إلى عدم القيام بأي نشاط يؤدي إلى تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية). وعلى الرغم من إعلان إيران وإصرارها على أن نشاطها الصاروخي مخصص للأغراض السلمية وأن الإطلاق الأخير يحمل قمراً صناعياً وليس رأساً نووياً، إلا أن التكنولوجيا المستخدمة في كلتا الحالتين متماثلة. ومع ذلك، رفضت الولايات المتحدة هذا الادعاء بشكل قاطع ويمكن أن تدعو إلى عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الردود المحتملة.
بغض النظر عن الجدل القانوني وراء عملية الإطلاق، فإن التطورات الحاصلة ستنقل مستوى الصراع الأميركي-الإيراني إلى تصعيد جديد وخطير في آن واحد؛ حيث أسهم القلق بشأن التطورات الصاروخية الإيرانية في تشكيل السياسات والرسائل التي تبثها إدارة ترامب حول إيران. وبالعودة إلى أذار (مارس) من العام 2018، عندما لم تكن الصواريخ الإيرانية قد نجحت في بلوغ المسافات التي تبلغها الآن، وضعت الإدارة الأميركية وقف أنشطة الصواريخ البالستية الإيرانية كأحد الشروط الاثني عشر لرفع العقوبات عن طهران.
وهناك سؤال يبدو مهماً الآن بصورة خاصة: لماذا اختارت إيران هذه اللحظة لعملية الإطلاق، وهل أخطأت في اختيار هذا التوقيت؟ هناك العديد من العوامل التي تؤثر بالفعل على التوترات الأميركية-الإيرانية الأخيرة. وبصرف النظر عن استهداف وقتل قاسم سليماني مؤخراً، فإن الآثار المدمرة لتفشى فيروس كورونا على كل من إيران والولايات المتحدة لم تثنيهما عن الإدلاء بتصريحات ضد بعضهما البعض، أو في حالة الولايات المتحدة، بفرض عقوبات جديدة.
من وجهة النظر الإيرانية، تمثل الانتخابات الأميركية القادمة المفتاح لفهم المسار المستقبلي لهذه التوترات، وتراهن إيران على خسارة ترامب للانتخابات المقرر عقدها في تشرين الثاني (نوفمبر)، وترى أن الديمقراطيين سيكونون أكثر مرونةً في التعامل مع الملف الإيراني، خاصة بالنظر إلى دور المرشح الرئاسي، جو بايدن، في الحصول على موافقة الكونغرس على خطة العمل الشاملة المشتركة خلال إدارة فترة إدارة أوباما.
لا تهدد فكرة امتلاك إيران لصواريخ بعيدة المدى كلاً من إسرائيل والمملكة العربية السعودية -حليفتي الولايات المتحدة منذ فترة طويلة- ولكنها تهدد الولايات المتحدة نفسها أيضًا، خاصة وأن هذه الصواريخ لديها القدرة على حمل رؤوس حربية نووية، وهي بذلك بمثابة تغيير في اللعبة الاستراتيجية في العلاقة بين الولايات المتحدة و إيران.
لهذا كله، كان قرار إيران اختبار القدرة على إطلاق الأقمار الصناعية الآن محيراً إلى حد ما. ويبدو أن هذا التحرك الإيراني يقدم تبريراً مهماً لسياسات ترامب تجاه إيران. وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية الأميركية لا تشكل عاملاً مهماً للناخب الأميركي -خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية التي تواجهها البلاد- فإن ما حصل يعزز صورة الرئيس الأميركي لدى قاعدته الصلبة باعتباره الرئيس القوي الصارم. كما أنها تساعده على رفع مستوى المخاوف بين ناخبيه، وهذا عنصر أساسي لربح معركة انتخابية لأي سياسي يعتمد على ذات مقومات الفوز التي يعتمدها الرئيس ترامب.
كما يبدو أن عملية الإطلاق وضعت الولايات المتحدة في وضع أفضل على المسرح الدولي أيضاً، حيث سيصعب على دول العالم التي كانت داعمة للموقف الإيراني من الاتفاقية النووية أن تحتفظ بذات الموقف بعد كشف إيران قدراتها الصاروخية الجديدة!
نظراً للكيفية التي قد يؤثر بها إطلاق الصواريخ على السياسة الأميركية تجاه إيران، فمن غير الواضح ما إذا كانت قوى الدولة الأكثر اعتدالًا في إيران، مثل الرئيس ووزارة الخارجية، سيرحبان بتوقيت إطلاق الصاروخ. ويبدو أن هذا يتسم بأهمية خاصة؛ حيث عبرت الإدارة الأميركية الحالية مراراً وتكراراً عن استيائها من الاتفاق النووي الذي وقعته أدارة أوباما لأن ذلك الاتفاق لم يتضمن موضوع الصواريخ البالستية التي تمثل تهديداً للأمن العالمي والإقليمي.
كما أن حملة الخارجية الإيرانية للدفاع عن الموقف الإيراني ومهاجمة الموقف الأميركي كانت ترتكز دائماً على عنصرين أساسيين، هما العنصر القانوني؛ حيث تظهر إيران ملتزمة بالقانون الدولي، والعنصر الإنساني، حيث تكون إيران دولة مسالمة ولا تشكل تهديداً للسلام الإقليمي أو الدولي. ويوجه هذا العنصران المهمان في الدفاع الإيراني تحدياً جدياً بسبب تداعيات أطلاق إيران قمرها الصناعي.
بالنظر إلى كل هذه العوامل، يجب أن لا يُنظر إلى عملية إطلاق القمر الصناعي في إيران على أنها سياسة تدعمها جميع أجهزة الدولة الإيرانية، وإنما يجب أن تُشاهَد كانتصار للحرس الثوري الإيراني على تيارات أخرى داخل السلطات الإيرانية -وهو الشأن الأحدث فقط في صراع السلطة الذي دام لسنوات والذي تمكن رؤيته أيضًا في النهج الاستباقي الذي اتبعه الحرس الثوري في جهود الإغاثة الخاصة بمواجهة تفشي فيروس كورونا. وعلى النقيض من العناصر الأكثر اهتمامًا بالمفاوضات، فإن استراتيجية الحرس الثوري رسخت نفسها منذ فترة طويلة حول توظيف التهديدات، وخلق نوع من "سياسة حافة الهاوية النووية"، التي تم استغلالها بنجاح خلال إدارة أوباما؛ حيث دفعت الدول الغربية إلى الجلوس والعمل من أجل إبرام صفقة جيدة مع إيران.
من الواضح أن الصراع على النفوذ والسلطة بين السلطات المدنية في إيران والحرس الثوري الإيراني قد تطور خلال العامين الماضيين. وكانت استقالة وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في شباط (فبراير) 2019 على إثر دعوة سليماني الأسد لزيارة طهران من دون إبلاغه، مؤشراً واضحاً هذا الصدع. كما أدى اغتيال سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني النافذ للغاية والذي كان قريبًا جدًا من المرشد الأعلى خامنئي، إلى زيادة قوة المؤسسات الرسمية الإيرانية المدنية (الرئاسة، ووزارة الخارجية، ووزارة الأمن القومي وغيرها). ويشكل تعيين مصطفى كاظمى كرئيس للوزراء في العراق خسارة أخرى للحرس الثوري الإيراني أيضاً؛ حيث تعتبره تلك المؤسسة من المقربين للولايات المتحدة.
كما عمدت عملية إطلاق القمر الصناعي عن طريق استخدام صاروخ باليستي من قبل الحرس الثوري الإيراني إلى استعادته المبادرة من المؤسسات المدنية الرسمية في إيران. ومن المرجح أن يستمر هذا الصراع ليكون سمة بارزة في السياسة الإيرانية في وقت تعمل فيه البلاد على إعادة البناء بعد تفشى فيروس كورونا. ومع ذلك، لن ينتهي الصراع قريبًا، وقد يكتسب المزيد من الزخم إذا مات المرشد الأعلى القوي.
الآن بعد أن قامت إيران بتغيير الوضع الراهن بشكل كبير، فإن الأمر متروك للولايات المتحدة لتحدد الخطوة التالية، حيث أن طريقة استجابة الولايات المتحدة لإطلاق القمر الصناعي هي التي ستحدد اتجاه هذا الفصل الجديد في التوترات بين البلدين.
ونظرًا لأن هذا التهديد الجديد قد يكون موضوعاً للتقييم الشامل من قبل حكومة الولايات المتحدة، يجب أن يكون هناك إجماع أميركي داخلي على أن إطلاق الصاروخ يمثل خطرًا واضحًا وقائمًا على أمن الولايات المتحدة، ويجب على الإدارة الأميركية أيضًا أن تنسيق استجابتها لهذا التهديد الخطير مع حلفائها الغربيين وعدم التصرف بطريقة أحادية. وفي حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يتفقوا بالضرورة على نهج بعينه تجاه إيران في الماضي، يجب أن تمثل الإجراءات التي اتخذتها إيران مؤخراً علامة واضحة على وجود تهديد خطير في طي التطور. كما يتطلب الوضع القيام بفتح قنوات اتصال مع دولة إيران مع الاستمرار في الضغط على الحرس الثوري الإيراني. ويمكن أن يمثل دعم القوى المعتدلة داخل دولة إيران البديل الحكيم للمواجهة الحالية مع النظام.
مهما يكن الجواب، فإن قواعد لعبة المواجهة الأميركية الإيرانية قد تغيرت، ومثلما سيكون عالم ما بعد كورونا مختلفاً عن عالم ما قبل كورونا، فإن معطيات العلاقة الأميركية الإيرانية بعد أطلاق القمر "نور" ستختلف عن معطيات ما قبل هذا الإطلاق، ولذلك يجب فهم هذا الاختلاف والاعتراف به.

اضافة اعلان

*كاتب وباحث له رصيد مميز من الدراسات الاستقصائية المتعمقة حول الشرق الأوسط، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالصراعات الحالية في كل من العراق وسوريا؛ حيث يتعاون على نطاق واسع مع العديد من مؤسسات استقصاء الرأي الدولية الرئيسية، وتنشر أعماله في العديد من المنشورات والمواقع.