موقفنا من سورية

يجب التوقف عند التحول الأخير في الموقف الأردني تجاه سورية، والذي انتقل من الحياد ودعم الاستقرار إلى مطالبة سورية، وإن كان بكياسة، بوقف أعمال العنف ضد المدنيين، مع الأمل بتقديم إصلاحات من شأنها تهدئة الشارع السوري. اضافة اعلان
التفسير المباشر لتحول الموقف الأردني هو فهمه كردة فعل على التصريحات السورية بأن الأردن يدعم الثوار ويمدهم بالسلاح، وهو ما لم يتسن تأكيده بشكل موثق أو إصدار الحكم فيما إذا كان موقفا سياسيا ثابتا أم زلة لسان في ظل حالة شد الأعصاب السائدة في سورية. وأيّا كان أساس التصريح، فما كان إلا أن يؤخذ على محمل الجد، بل ويُقرأ على أنه محاولة لتصدير الأزمة للجوار وخلق حالة من اللحمة الوطنية السورية ضد "المتدخل الخارجي" وعلى حسابه.
لكن الموقف الأردني الجديد لا بد وأنه استند إلى عدد آخر من المعطيات الوطنية والإقليمية المهمة التي شكلت التصريحات السورية فرصة للتعبير الأوضح عن موقف الأردن منها.
فللأردن حساباته الأمنية الدقيقة فيما يختص بالأوضاع في سورية، وهو لا يريد لموقفه المحايد أن يجعله في موقع النقد والاستهداف السياسي من قبل القوى السياسية الأردنية المتعاطفة مع الثورة السورية في ظل مشهد سياسي أردني لا يخلو من السخونة.
التحول الأردني يأتي مدفوعا أيضا بتغيرات دولية وإقليمية متنامية تجاه ما يحدث في سورية، بعد تزايد الرغبة لمزيد من التدخل فيها. وبالتأكيد فإن من دول العالم من يفكر وبجدية في ضرورة استغلال ما يحدث من أجل كسر حلف طهران- دمشق– حزب الله، وجلب سورية لتكون دولة أقرب لتوجهات دول كالسعودية وتركيا ومصر والأردن. الدبلوماسية الأردنية، ومن خلال موقفها الجديد، تحاول المواءمة ما بين التحولات الدولية والإقليمية الصديقة من جهة، وما بين إدراكها للأهمية الأمنية للجيرة مع سورية، من جهة إخرى. ولكن لهذه المواءمة حدودا تستند إلى درجة التصعيد الدولي تجاه سورية، ومدى استجابتها للضغوط، فإن لم يسر هذا الأمر بتوازن وهدوء، سيجد الأردن نفسه مضطرا لأخذ مواقف سياسية حرجة قد تكون ذات تكلفة عالية.
أيا كانت الرؤية والموقف الإقليمي والدولي المتجدد تجاه سورية، فإننا في الأردن ما نزال غير معنيين بأن نكون في طليعة هذا الجهد على أهمية نجاحه بالنسبة لمصالحنا الاستراتيجية. نحن معنيون بالإبقاء على درجة من الحيادية، وأن نقوم بدور الناصح الخفي للجهود الدولية للتعامل مع الملف السوري، وبغير ذلك فسنتحمل ثمنا أمنيا وسياسيا غيرنا أجدر بتحمله.
من منظور قيمي وديمقراطي، فجل الأردنيين يريدون أن يروا سورية ديمقراطية، تعيد لهذا البلد وأهله ألقهم التاريخي العريق، وليعودوا مساهمين فاعلين في تقدم الإقليم والأمة. ومن أجل ذلك، فلا ضير من تشجيع العالم على مزيد من المبادرة لمساعدة الإصلاح في سورية، ولكن من منظور أمني وبراغماتي بحت، فإن هذه الأماني لا يجب أن تجعلنا نفقد التركيز في أن مصلحة الأردن تتلخص في سورية مستقرة قادرة وراغبة على إبقاء مشاكلها داخل حدودها.