هبة كفيفة تجيد حياكة الصوف وتتكئ على البصيرة في تحديها للواقع

57
57
ربى الرياحي بإحساس مليء بالأمل والإصرار؛ تنسج هبة محمد حسين (30 عاما) قطعها الصوفية بإبداع، فهي ببصيرتها تقوى على كل الصعاب وتحارب لكي تظل عنوانا للصلابة والتفاؤل. هي وثقت بنفسها أكثر واستطاعت أن تستمد النور من أبسط الأشياء لم تقبل إلا أن تكون سعيدة دائما بكل ما تحققه. فقدانها للبصر في سن صغيرة آلمها بالتأكيد لكنه لم يمنعها من أن تحب الحياة وتستمتع بكل تفاصيلها. هبة عرفت أن الصعوبات كثيرة وأن العقبات لن تزول تماما بل ستكون سر نجاحها وتميزها فتمكنت من أن تتلمس طريقها بالإرادة وحب الاكتشاف لكل ما من شأنه أن يمنحها رصيدا إضافيا من القوة والثقة. خلال السنوات الماضية أجادت حياكة الصوف باحتراف ووجدت نفسها في هذه الحرفة كما أنها اليوم تهوى الكتابة كثيرا والإلقاء وتستغل موهبتها هذه في فيديوهات قصيرة تتحدث فيها عن مواضيع مختلفة تبين نظرتها الخاصة تجاه الحياة. في عمر الـ 12 عاما بدأت القصة، حيث كانت هبة حياتها طبيعية قبل أن تفقد البصر تماما، فلم يكن هناك أي مرض تعاني منه، لكن فجأة وبدون مقدمات شعرت بضعف في الرؤية وعلى الفور قامت بإخبار أهلها فما كان من الوالدين إلا أن عرضاها على طبيب عيون حينها ليقرر بعد ذلك إجراء عملية مستعجلة لها لإنقاذها. وبحسب رأي الطبيب لم تكن تعاني من أي مشكلات أخرى قد تهدد نظرها بالخطر، لكن العملية لم تمر بسلام كما اعتقد الجميع بل كانت بداية لحياة جديدة مختلفة لا تشبه أبدا حياتها في السابق، مبينة أنها صدمت عندما استيقظت من العملية ووجدت كل شيء حولها معتم حاولت أن تفتش عن تبرير لذلك أخذت تتحسس عينيها لعلها تجد ما يطمئنها ويزيل شعورها بالقلق. ظلت هبة على تلك الحالة غير مصدقة أو مستوعبة لكل ما يحدث معها، فتارة تصرخ وتبكي وتارة أخرى تصبر نفسها بأنه كابوس وسينتهي وستعود لترى وجوه أهلها ومن تحب. عامان كاملان عاشتهما هبة بالخوف والقلق فبعد خضوعها لـ 10 عمليات تقريبا في محاولة لإعادة النور لعينيها كانت النتيجة قاسية حسب وصفها لطفلة بعمرها، فقد أجمع الأطباء على أنها لن تبصر مرة أخرى وأن كف البصر سيلازمها بقية عمرها. رحلتها نحو التأقلم والتعود على وضعها الجديد واجهت خلالها بعض العوائق والصعوبات حسب رأيها. هبة لم تتقبل الحقيقة في البداية، تقول “احتجت بعض الوقت لأستوعب الموضوع ورغم خوفها إلا أنها قررت أن تتكئ على بصيرتها في اكتشافها للأشياء من حولها فرضيت بكل شيء وكانت هذه الخطوة الأولى لتكون قادرة على اجتياز الأصعب بعد ذلك”. الاحتواء هو ما كانت تحتاجه هبة من عائلتها في ذلك الوقت، لذلك قدم لها والداها الكثير ووالدتها التي رعتها بمحبة كبيرة وحاولت جاهدة أن تسهل عليها الحياة بوقوفها إلى جانبها وتمكينها من استخدام حواسها الأخرى لتكون عوضا عن البصر. تنقلت بين عدة مدارس واستطاعت تعلم لغة برايل قراءة وكتابة. خلال تلك الفترة تعرضت هبة للتنمر والاستغراب من إصرارها على إكمال دراستها، كانت تحزن كثيرا بسبب نظرة البعض تجاهها لمجرد أنها كفيفة وأكثر ما كان يضايقها هو شعور الشفقة هي لم ترض يوما بأن تكون مصدرا للسلبية والضعف بل رأت أنها تستحق أن تنجح وتحلم، وتكون فخورة بنفسها وبالأمل. حاولت هبة أن تتخطى خوفها وتخرج من دائرة الإحباط تفكيرها كطفلة في تلك المرحلة لم يسعفها كثيرا في أول الموضوع، لكن بمرور الوقت عرفت كيف تعود للحياة أقوى من قبل وأكثر وعيا بما تريد. ولكي تكون متميزة ركزت على دراستها وقررت أن تتجاهل كل الكلام السلبي وتمضي نحو هدفها. تعبت واجتهدت وبذلت كل ما بوسعها لتحصل على الثانوية العامة فكانت والدتها تقرأ لها المواد على أشرطة وتعاود هي نسخها بطريقة برايل كان الأمر في غاية الصعوبة، ومع ذلك اجتازت هبة المرحلة بنجاح وحصلت على معدل 97. وبعد سنوات من الغربة عادت للأردن لتواجه أيضا الكثير من التحديات وبالرغم من تفوقها إلا أن الظروف منعتها من أن تكمل دراستها الجامعية. لم تقف مكتوفة الأيدي متفرجة على أحلامها، فأحست بأن عليها أن تتحرك وتكشف عن إمكاناتها وتحديدا بالصوف مبدية ما تختزنه من إبداع ويظهر جليا في دقة القطع وأشكالها المميزة التي تدل على إحساس عالٍ واحتراف. وبألوان مختلفة ومتناسقة تحيك هبة منسوجاتها فهي تضفي على القطعة شيء من روحها معتمدة في اختيارها للألوان على والدتها وعلى ما تحتفظ به في ذاكرتها من تفاصيل قبل أن تفقد البصر. التحقت هبة بمركز خاص بالكفيفات في عمان وهناك تعلمت الكثير من الأعمال المنزلية، واستطاعت أن تعتمد على نفسها بشكل كامل كل ذلك مكنها من كسر حاجز الخوف والابتعاد تماما عن التردد وأيضا نجحت في أن تصقل موهبتها أكثر مستخدمة في ذلك خيالها وقدرتها على الابتكار والتنويع في أشكال القطبة. وتشير هبة إلى أن حياكتها للصوف تشعرها بسعادة كبيرة، إذ أنها تعطيها المساحة لتبدع وتتميز، تقول راحة لا توصف تجدها بين خيوط الصوف والألوان المختلفة. كما تبين شغفها الكبير بالكتابة والإلقاء من خلال فيديوهات قصيرة تقوم هي بإعدادها ومنتجتها ومن ثم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وهذه الفيديوهات عبارة عن جرعات أمل تحاول هبة عن طريقها ملامسة أعماق النفس الإنسانية والتحدث عن واقع الناس بتناولها مواضيع حياتية متنوعة. والمحتوى يكون إما من كتاباتها الخاصة أو اقتباسات تلامس مشاعرها تلقيها هبة بإحساسها الصادق الدافئ. ومؤخرا بدأت هبة تسوق مشغولاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقد لاقت الكثير من التفاعل والدعم فهي من خلال صفحتها على الفيسبوك تسعى لأن تبث الأمل في قلوب تسلل إليها اليأس وفضلت الوقوف على الإنجاز والنجاح. هبة تسعى أيضا لتغيير النظرة النمطية تجاه الأشخاص من ذوي الإعاقة بإبرازها لمكامن القوة لديها وإثبات أنها قادرة على التميز كملهمة لكل من يعرفها. وعن أحلامها وخططها المستقبلية تتحدث هبة بثقة. تقول “أحلم بأن أصبح مذيعة تحاور العقول وتنقل بصدق وشفافية هموم الناس حبها للمهنة وإيمانها بالرسالة التي تقدمها سببان يجعلانها ترى نفسها في ذلك الموقع ولأنها تؤمن جدا بحلمها تراه قريبا”. ومن أحلامها أيضا أن تؤلف كتابا عن المكفوفين تنثر فيه كل ما يخصهم من تفاصيل وأسرار ليكون باستطاعة الناس معرفتهم عن قرب دون حواجز كاشفة بذلك الستار عن الكثير من النقاط التي تشكل غموضا حول حياة الشخص الكفيف، فيبقى بالنسبة للكثيرين لغزا صعبا.. هبة كشخصية قوية لا تجد في العقبات عائقا بل تحاول بعزيمتها أن تحولها لطاقة من الأمل تضيء بها طريق كل من فقد البصر ولم يفقد الطموح. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان