"وجاهيا أم أونلاين".. التعلم في المدارس بانتظار المجهول

Untitled-1
Untitled-1

تغريد السعايدة

عمان- "سيكون التعليم وجاهيا للعام الدراسي المقبل.. لا، سيبقى على حاله عن بعد".. تلك الجمل التي لا تفارق المجالس العائلية، تسبب ضغطا وارهاقا كبيرا على التفكير، مع ضبابية المشهد وغياب المعلومة الحقيقية بما سيؤول اليه الواقع التعليمي، مع تداعيات جائحة كورونا.اضافة اعلان
تلك المشاعر التي تنتاب أولياء الأمور والطلبة، وتؤثر على جميع نواحي وتفاصيل الحياة لديهم، لم تأت من فراغ، إنما سببها تصريحات متضاربة من هنا وهناك، أن التعليم لن يكون إلا وجاهيا للطلبة، لتصدر بيانات أخرى تؤكد العكس، بأن التعليم "أونلاين" وسيمتد للعام الثالث على التوالي.
ما يحدث، وضع الأهل أمام خيارات صعبة، مع غياب القدرة على اتخاذ القرار الصحيح الذي يصب في مصلحة الطلبة بعد فصول دراسية "الكترونية" صعبة، فقدوا فيها مهارات عدة وتأثروا بالمستوى التعليمي، إذ كان الأمل معقودا أن الدراسة ستعود وجاهيا الفترة المقبلة.
هل سيكون الأردن جاهزاً الآن لفتح المدارس.. أم لا؟.. ذلك السؤال يفتح أبواب التكهنات بين صفوف أولياء الأمور، الذين بادروا قبل أسابيع بتسجيل ابنائهم في مدارسهم بالقطاع الخاص، بعد أن كان هناك تصريح سابق بداية حزيران الماضي بأن "الهدف الاستراتيجي الأول هو العودة إلى التعليم الوجاهي في المدارس والجامعات في الأول من أيلول المقبل"، قابلته تصريحات أخرى تنفي ذلك.
التصريحات من هنا وهنالك، أحدثت حالة من غياب الاطمئنان، والتخبط، خصوصا بعد أن توجه الطلبة لمدارسهم بداية العام الدراسي الماضي، ومن ثم جاء الانقطاع عن الوجاهي والتحول إلى "التعلم عن بُعد".
بيد أن وزير الإعلام صخر دودين كان قد صرح مساء أول من أمس أنه "لا رجعة عن عودة الطلبة إلى مدارسهم في الأول من أيلول المقبل، وان
83 % من المعلمين تلقوا اللقاح المضاد لكورونا وسيتم تطعيم كافة المعلمين والإداريين والعاملين في المدارس قبل عودة التعليم وجاهيا".
مواقع التواصل الاجتماعي ضجت خلال اليومين الماضيين بالعديد من الاستفسارات، وتزايدت من قِبل الأهل حول حقيقة بقاء التعلم عن بُعد أو عودته وجاهياً. والدة الطالبة زين في الصف الثالث تبين أنها بادرت قبل أسابيع لتسجيل ابنتها في إحدى المدارس الخاصة على أمل أن تجد رعاية واهتماما تعليميا مضاعفا، يعوض ما فاتها في العامين الماضيين من "التعلم عن بعد"، إذ اضطرت إلى توفير مبلغ مالي مناسب لدفعه للمدرسة.
وتضيف أم زين أنها في محاولة منها لتأسيس ابنتها بشكل مناسب خلال السنة الماضية، استعانت بإحدى المعلمات لتدريسها في المنزل، مقابل رسوم شهرية كذلك، لذا، فهي تتخوف من بقاء التعليم عن بعد، بالتزامن مع معلمة في المنزل، يضاعف قيمة مدفوعاتها المدرسية وزيادة في العبء المالي والنفسي على الأسرة.
"عدنا للمربع الأول"؛ هكذا يقول الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة، لافتا إلى أنه وأثناء الاستعداد لبدء العام الدراسي السابق 2020/2021" وجدت الوزارة نفسها أمام تحد بشكل التعليم في العام الدراسي، ودخلت في دراسة سيناريوهات متعددة، وطرح من خلال الوزير والأمناء العامين أكثر من وجهة نظر، وكل ذلك أربك المعنيين وأولياء الأمور والقطاع الخاص، وساهم في حدوث حالة ضبابية أمام الجميع.
وهذه الحالة، باعتقاد النوايسة تكررت في هذا العام، بعد تصريح رسمي بأنه "من الصعب العودة للتعلم الوجاهي وأن الوضع الوبائي هو من يتحكم في شكل التعليم في العام الدراسي الجديد
2021/ 2022، وبالتالي من الصعب على الوزارة إعطاء توجه لشكل التعليم، وإن كانت كل التصريحات تؤكد العودة إلى وجاهية التعليم، إلا أن المعطيات المتعلقة بالاستعداد للعام الدراسي المقبل تشير إلى نية الوزارة الى التعلم "الالكتروني" من خلال برنامج التناوب في بعض المباحث الدراسية، عدا عن تصريحات عن تطوير منصة جديدة للتعلم عن بعد في وزارة التربية والتعليم.
ومع وجود هذا التضارب وعدم الاستقرار على نية موحدة وثابتة من قِبل وزارة التربية والتعليم، فإنه من الطبيعي أن يُحدث حالة من الإرباك للناس وقطاع المدارس، فالجميع ينتظر القرار ليحدد وجهته، كما يؤكد النوايسة، خاصة في ظل تراجع القدرات الاقتصادية للناس وعدم قدرتهم على الوفاء بالتزامات المدارس الخاصة وعدم ثقتهم بالتعلم عن بعد، وبهذا عادت الوزارة إلى سياسة التذبذب حول إذا كان التعلم سيكون وجاهيا أم عن بعد.
كل هذه التعقيدات والمشاورات والتوقعات، لها تأثير نفسي كبير على الأطفال وأولياء الأمور بشكلٍ عام، إذ انه من الوضع الطبيعي ان تتم تهيئة الطالب نفسياً للعودة للدراسة، وبخاصة الصفوف الأساسية، حتى وإن لم تكن هناك "جائحة وكورونا".
ويعتقد الاخصائي والاستشاري النفسي الدكتور موسى مطارنة أن الدراسة تحتاج الى تهيئة نفسية استدراكية مضاعفة للأطفال، ومحاولة تجنبهم الخسائر التعليمية والنفسية على المدى القريب والبعيد، ولكن في ظل ما يدور الآن من أحاديث وسيناريوهات، فإن الطالب وقع في دوامة من التفكير مع عائلته.
ووفق مطارنة، فإن تحسن الوضع الوبائي وقدرة الأهل والطلبة على حد سواء على التعامل مع جائحة كورونا ومع العدوى المتوقعة، من شأنه أن يخفف من الإجراءات المقيدة لهم، ويجعلهم نوعا ما مستعدين للتعلم بشكل مباشر، عدا عن ان التشتت في التفكير في كيفية التعليم يساهم إلى حد كبير في انشغال الطفل او الطالب في مختلف المراحل المدرسية عن الهدف الرئيس من التعليم، ويضعه في دوامة التوقعات، وهذا بلا شك سبب كبير للتأثير على نفسته وتفكيره وتوقعاته، وبالتالي على تحصيله الدراسي بشكل عام.
كما أن النوايسة يشدد على أن آثار هذا التذبذب كبيرة على الطالب من ناحية طريقة تعلمه وبشكل سلبي، إذ إن اللجوء إلى التعلم عن بعد يعني غياب التعلم الوجاهي النشط، بالتالي صعوبة تعلم الأساسيات مثل القراءة والكتابة والاستماع والمناقشة والتأمل وطرح الأسئلة والتقييم الذاتي، وبالموازنة بين التعلم الوجاهي وعن بعد، فإن الآثار السلبية للإلكتروني تنعكس على مخرجات التعليم وأداء الطلبة من انعدام وجود البيئة الدراسية التفاعلية والجاذبة والتي ترفع من استجابة الطلبة في هذا النوع من التعليم.
كما أن اقتصار المادة التعليمية على الجزء النظري من المنهاج بأغلب الأحيان، واختصار التجارب الحيّة وما تحققه من فائدة للطالب، قد تتسبب في إجهاد المتعلّم بسبب ما يقضيه من وقت على الهواتف الذكية وغيرها لمتابعة مواده الدراسية، واقتصار دور المعلّم على الجانب النظري أغلب الأحيان، واختصار دوره القيمي التربوي بتنشئة الطلّاب، وعجز الطالب عن تقييم أدائه وتحصيله بشكل مستمر، وهو الدور الذي كان يُسند إلى المعلم في البيئة التعليمية الواقعية، كما يوضح ذلك النوايسة.
في حين يرى مطارنة أن الأثر النفسي على الأهل والضغوط التي تواجههم في هذه الفترة لا بد لها وأن تنعكس على الأبناء داخل البيت وأثناء التعليم، مطالباً الأهل بضرورة الانتظار ومتابعة كل ما يتعلق بالواقع التعليمي والوبائي في ذات الوقت، وان يهيئوا أطفالهم لأي وضعٍ سيكون، لتجنب الآثار النفسية على اقل تقدير.